الأحد 2025/5/11 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 35.95 مئويـة
نيوز بار
على ورق الورد حين تنصهر الفنون في ميدان واحد
على ورق الورد حين تنصهر الفنون في ميدان واحد
فن
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

منذر عبد الحر

 

           في متحف الشمع في لندن , أدهشتنا التماثيل المصنوعة بدقة متناهية لمشاهير العالم وأبرز نجوم التأريخ وشخصياته المؤثرة , وكانوا لفرط قربهم من الأشكال الحقيقية يوهمون المشاهد والمتطلع إليهم بأنهم حقيقيون , وسينطقون ويتمشون بين زوار المتحف , وهذا الايهام  , لم يغفله القائمون على إنشاء المعرض فزرعوا شكلا من شمع في طريق الزوار عبارة عن فتاة جميلة تلتقط الصورة من خلال عدسة كاميراتها لأحدى الشخصيات , فترى المارين بقربها يتأسفون لأنهم مروا أمام عدستها دون الانتباه إلى أنها تقوم بالتقاط الصور , حتى تصدح الدهشة وإذا بنا نضحك بصوت عال ٍ منتبهين إلى أن الفتاة الجميلة التي تلتقط الصور ما هي إلا دمية من شمع وضعت للتمويه والطرافة وزيادة المشهد وقعا وتأثيرا ودهشة .

 

           ولم يكتف المشهد بعرض تماثيل الشخصيات , بل سعى القائمون عليه على إعطاء صور بريطانيا ولندن والأحداث التي مرت بها عبر التأريخ , ولم يكن العرض تقريريا مباشرا , كما أنه لم يعتمد العرض الدعائي الممل الخالي من المتعة والروح والحيوية , فكان هناك قطار يتألف من عربات صغيرة , يستقلها الركاب وينطلقون في مسارؤ من الأحداث وفق عرض فني متنوع جميل يسرد الأحداث ويقدّم الشخصيات ويشير للوقائع بأسلوب جذاب , كما أنه يقدّم مراحل تطور بريطانيا وأهم معالمها والحريق التاريخي الذي نشب في لندن  بأسلوب دراماتيكي سريع مؤثر يقدم الصورة ببهاء , ويعطي للعرض نقاط تشويق تجذب الجميع , كما أن هناك عرضا مجسّما مثيرا لوسائل التعذيب والاعدام في العصور السحيقة , ثم تأخذنا المشاهد بتصاعد علميّ مدروس للاطلاع على كيفية بناء بريطانيا الحديثة وموقعها المتسيّد في العالم الحديث , وتنتهي بنا الدهشة لفيلم سينمائي ينتمي لتقنية الأبعاد الأربعة "4 d " فنشاهد ونسمع ونعيش الأحداث مشتركين فيها هاجسا وحركة بشكل طريف مثير مسلٍّ , وكذلك مطّلعين على شيء من تراث بريطانيا !.

 

           لقد اجتمعت الفنون في هذا المتحف المهم , وكلّها أخذت من التراكم الحضاري المنتج للحاضر مادة لها , و هو أمر مهم تسعى بريطانيا دائما لتكريسه وبناء أصوله , ليكون ماركة خاصة لها موقعها من التأريخ ليكون لها ميزة تتفرد بها بين قريناتها .

 

           هذه الفكرة تحيلنا إلى راقع فنوننا في العراق , وربما في الوطن العربي كلّه , فنحن لا نؤمن بالتراكم الحضاريّ , وحتى العمراني , فالحاضر عندنا يلغي الماضي ولا يؤسس عليه , والتاريخ مشروع دائم للهدم والكسر , وما أقامه الحاكم الفلاني الجائر , يجب أن يحطمه الحاكم الثوري العادل المتنوّر , وهكذا , وكأن الأثر يجب أن يزول بزوال من يمثله , وهكذا تختفي معالم كان من المفروض أن تظل راسخة لتشير إلى المرحلة وتقرأها بشكل دقيق له شواهد وعليه إشارات , وهذا ما يفعله القائمون على بناء مدينة عظيمة مثل لندن ودولة عريقة مثل بريطانيا تقدس التراكم وتحترم الأثر , وتعتني  بالماضي كما هو ليشهده الحاضر , ويكمل منه ما هو صحيح , ويشير للخطأ على أنه مثلبة يجب الانتباه إليها وعدم تكرارها , وهكذا دون عقد أو حساسيّة تجاه مرحلة لا يمكن اقتطاعها أو إلغاؤها أو إهمالها لأنها ساهمت بالنسيج التاريخي للدولة والمجتمع ولا يمكن تجاوزها أو عدم الاصغاء لايقاعها .

 

           إن الفنون مرآة المجتمع , ودليل صنّاع الحياة لبلوغ المرتبة الأجمل والأرقى في بناء الدول الحديثة والمجتمعات الراقية , شرط أن تكون هذه الفنون منسجمة مع التقاليد والأعراف , ولا تتعارض مع تعاليم ديننا الاسلامي بعمق تجسيده وروحه الخلاقة .

المشـاهدات 294   تاريخ الإضافـة 26/11/2023   رقم المحتوى 34073
أضف تقييـم