السبت 2024/7/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 42.95 مئويـة
الكاتب المسرحي العربي ليس ابنا للزوجة الثانية: اشكالية تجنيس النّص والعلاقة مع الوسط الثقافي
الكاتب المسرحي العربي ليس ابنا للزوجة الثانية: اشكالية تجنيس النّص والعلاقة مع الوسط الثقافي
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

مروان ياسين الدليمي

 

لطالما كان الجدال يتجدد منذ عقود في الأوساط الثقافية العربية، وعلى وجه خاص بين الأدباء حول تجنيس النص المسرحي، فمن بينهم هناك قِلَّة يجدونه نصا أدبيا، بينما في المقابل توجد نسبة كبيرة تنزع عنه هذه الصفة، فأصحاب الرأي الأول ينطلق دفاعهم من فرضية أن النص المسرحي رغم أنه قائم على الحوار إلاَ أنه تتوفر فيه معظم العناصر التي تضعه في خانة الأدب، فالحوار مثلا يتشكل من الكلمة، وهذه الأداة تمثل تقنية مهمة في تكوين النص الأدبي، إضافة إلى توفره على العناصر التقنية الأخرى التي ينبغي أن تكون حاضرة في أي نص أدبي كما هو الحال في الرواية والقصة، مثل الموضوع والحكاية والشخصيات والفكرة والمعالجة والأسلوب. بينما يرى أصحاب الرأي الآخر بأن النص المسرحي يبقى بعيدا عن التجنيس الأدبي باعتبار حضوره النَّصي يبقى ناقصا ولن يكتمل إلاَّ بعد أن تجتمع فيه عناصر فنية مختلفة على خشبة المسرح لا علاقة لها بالأدب، بمعنى لا وجود للنص ألاَّ بوجود الممثلين والديكور والإكسسوارات وبقية عناصر السينوغرافيا التي يتأسس منها العرض المسرحي. فالنص من وجهة نظرهم موجود بوجودها وغائب بغيابها. وفي محصلة هذا الجدل بقي النص المسرحي متأرجحا، يدور في منطقة رمادية، بالتالي لم يكتسب شرعيته الأدبية، رغم أن الثقافة العربية كانت شاهدة على عدد من الكتاب المسرحيين الذين تمتعوا بموهبة أدبية رفيعة لكنها لم تشفع لهم حتى يُطلق عليهم صفة الأديب، ودائما ما كان يشار إليهم باعتبارهم كُتَّاب مسرح.والتفرغ لكتابة النصوص المسرحية لدى عدد من الكتاب العرب كان من أبرز علامات المسرح العربي في فترة خمسينات وستينات القرن العشرين، وهذا لأن صورة العالم كانت واضحة من حيث أطراف الصراع، وليس كما هي الآن ضبابية وغامضة ومتداخلة قواها مع بعضها، إذ لم يعد من السهولة معرفة الأعداء من الأصدقاء، فكان كتاب المسرح في الخمسينات والستينات الأكثر فاعلية في التعبير عن تطلعات المجتمعات العربية في العدالة الاجتماعية والوقوف الى جانب النزعة الوطنية ضد قوى الاستعمار والامبريالية، أبرزهم من مصر(نعمان عاشور، الفريد فرج، محمود دياب، ميخائيل رومان، نجيب سرور). ومن سوريا (سعد الله ونوس، ممدوح عدوان، وليد اخلاصي، رياض عصمت، علي عقلة عرسان، حسيب كيالي). ومن العراق (يوسف العاني، عادل كاظم، طه سالم، محي الدين زنكنة، جليل القيسي) إلاّ أن كتاب المسرح بدأ عددهم يتراجع مع مطلع سبعينات القرن الماضي، وأنحسر دورهم بشكل كبير لصالح المخرج المؤلف، عندما بدأت الدعوات في عدد من الدول العربية تتصاعد بحثا عن هويةٍ للمسرح العربي، فاستدعى ذلك منهم العودة إلى مخزون التراث بكل تنوعه، في محاولة للكشف عن أشكَالٍ من العروض، افترضوا العثور بين تفاصيلها على ما يمكن اعتباره جزءا من الظاهرة المسرحية، فوجدوها مثلما شرحوا ذلك عبر عدد من البيانات التي أصدروها في مسرح السَّامر والفرجة والمسرح الاحتفالي.فقد عرفت مصر مسرح السامر في مورثها الشعبي، وهذا ما يشير إليه الناقد السيد محمد علي في كتابه الموسوم «السامر الشعبي في مصر» قائلا: «هو شكل المسرح الذي تبلور لدى الغالبية العظمى من الجماهير في الريف والمدن والبيئات الشعبية، وهذا اللون من العروض المسرحية كان يجمع في أساسه العناصر التي يحتويها خيال الظل من موسيقى، ورقص، وحادثة مسرحية، وشخصيات، وحوار، وحركات ماجنة».أما مسرح الفرجة أو الحلقة، والذي لا يختلف في شكلانيته ومحتواه عن السَّامر، فقد شاع في المغرب باعتباره إطارا مسرحيا يستمد حضوره من الأسلوب الشعبي القديم لإعادة صياغة الحاضر.ويلتقي مع النموذجين السابقين المسرح الاحتفالي، وكانت الدعوة إليه قد انطلقت في المغرب العربي على يد عبد الكريم برشيد والطيب الصديقي ووجدت هذه الدعوة من يتبناها في المشرق العربي عند سعد الله ونوس في سوريا وقاسم محمد في العراق. وهذا الشكل المسرحي يستلهم أفكاره أيضا من الموروث العربي بما في ذلك الاحتفالات الشعبية والكتابات الصوفية والسير الشعبية والأساطير والخرافات.

 

نرجسية المخرجين وهزيمة 5حزيران

 

يمكننا القول بأن عقد السبعينات وضع النص المسرحي على أعتاب مرحلة جديدة، جاءت على أعتاب هزيمة الخامس من حزيران 1967 وما أحدثته من صدمة في الوعي وجرح عميق في الوجدان، بالشكل الذي استدعى من المسرحيين، حالهم حال بقية العاملين في ميدان الثقافة، إلى أن يطرحوا أسئلة على أنفسهم، في محاولة منهم للبحث عن أسباب الهزيمة، والخروج بتصورات وآليات عمل جديدة لاستيعاب صدمة النكسة، فكانت عودتهم إلى التراث بحثا عن الهوية المسرحية تعبيرا عن ذاتهم الساعية إلى الخروج من منظومة المسرح الغربي ومفاهيمه. واللافت في هذا المسعى أن المخرجين المسرحيين امتلكوا جرأة غير مسبوقة حيث وضعوا كتاب المسرح خلف ظهرهم وما عادوا يلتفتون إليهم، فأخذوا يجتهدون في الدخول إلى عالم الكتابة المسرحية من غير أن يعتمدوا على المؤلفين، كما هو الحال على سبيل المثال عند قاسم محمد في العراق، وروجيه عساف في لبنان، والطيب الصديقي في المغرب. وبتقديرنا تعود أسباب ذلك إلى تولّد أحساس كبير بالأنا لدى المخرجين، جعلهم يقتنعون بأنهم ما عادوا بحاجة إلى من يكتب لهم حتى يقولوا كلمتهم عبر عروضهم المسرحية التي باتوا يشاركون في كتابتها أو يكتبونها بأنفسهم، وفقا لرؤيتهم الذاهبة نحو إيجاد هوية للمسرح العربي بعد أن هشَّمت النكسة هوية الإنسان.وإضافة إلى إهمال النقاد للنص المسرحي فإن جانبا كبيرا من عدم الاهتمام بالمؤلفين المسرحيين، يعود كما أشرنا إلى تصاعد الهوس النرجسي لدى المخرجين وخاصة خلال الثلاثة عقود الماضية، فقد ترسخت لديهم قناعة، بأن المخرج هو البديل الأهم والأفضل عن المؤلف في كتابة النّص، وهذا الفهم القاصر الذي أفرز عروضا سطحية من حيث الشخصيات والأفكار والرؤية الفلسفية للقضايا المطروحة، جاء نتيجة وعي خاطئ ومرتبك، لتجارب معينة في المسرح الغربي أفرزتها تجارب ما بعد الحداثة، تمثلت في مسرح الصورة والمسرح المفاهيمي والتركيبي، ولم يكن هذا التأثر ناجما عن قراءة معمقة، لأن المسرح في البلدان الغربية المتقدمة رغم نزعة التجريب واستحداث أشكال ومفاهيم شكلانية للعرض المسرحي، لم يغلق الباب أمام النماذج المسرحية التقليدية وكذلك الطليعية التي أفرزتها تيارات الحداثة في الربع الأول من القرن العشرين، والتي عبرت عنها نصوص يوجين يونسكو ولويجي بيرانديلو وصموئيل بيكت وجان كوكتو وجورج شحاته وأداموف، بالتالي فإن النَّص المسرحي الذي يكتبه مؤلف مختص بالكتابة المسرحية ما يزال يحظى بالتقدير والمكانة التي تليق به كمؤلف أديب، يمتلك رؤية وفلسفة إزاء الواقع والحياة والمستقبل، وليس باعتباره كاتبا مسرحيا يقدم مخطوطا أوليا للعرض، ليأتي المخرج ويتصرف به على هواه دون اعتبار لخصوصية ما يطرحه من أفكار. هذا المشهد المسرحي العربي المستنسخ أفرز واقعا مشوها، نتيجته كانت تضاؤل الاهتمام بكتابة النص المسرحي، وانزواء كتاب النص المسرحي وندرتهم.

 

يون فوسيه يعيد الكُرَةَ إلى الملعب

 

جاء فوز الكاتب المسرحي النرويجي يون فوسيه بجائزة نوبل للآداب لهذا العام 2023 ليزيح مرة أخرى وبصوت عالي نبرة الاستصغار الملازِمة للمشتغلين في الوسط الثقافي العربي إزاء النص المسرحي، باعتباره من وجهة نظرهم المتزمتة، جنسا فنيا وليس أدبيا، ما حدا بهم هذا التصور إلى أن لا يعيرونه أهمية، ولا يدخلونه ضمن قراءاتهم النقدية لحقول الأدب، وعلى العكس من هذه الرؤية التي تنتقص من الإرث المُلهم للنص المسرحي، لعب العديد من كتاب المسرح دورا بغاية التأثير على المجتمع الإنساني في قناعاته وثقافته وذائقته، فكانوا في طليعة المساهمين عبر نصوصهم الجريئة في إحداث التغيير والتحولات التي شهدها التاريخ، ابتدأ من عهد الإغريق ومن ثم عصر النهضة الأوروبية ومن بعده القرن العشرين وانتهاء بقرننا الحالي. فهل بإمكان الذاكرة الإنسانية على سبيل المثال أن تتجاوز نصوص أسخيلوس ويوربيدس وسوفوكلس واريستوفان، أو نصوص شكسبير وسنيكا وأبسن وتشيخوف وأوزبورن وبيكت ويونسكو وبنتر؟

 

أوجه الإشكالية

 

الإشكالية في عالمنا العربي في ما يتعلق بالأدب والفنون عموما، لها أوجه متعددة، في مقدمتها حالة العداء المستحكمة بين القوى المهيمنة على الواقع وحقول النتاج الإبداعي بكل تنوعها، بالشكل الذي يجد من يعمل في ميدان الكتابة المسرحية، أن المساحة التي يتحرك فيها تضيق دائما عليه، بفضل الرقابة الأمنية الصارمة التي تمارسها مؤسسات السلطة على هذا الفن الجماهيري، فهذه المؤسسات لديها حساسية مبالغ بها إزاء النص المسرحي، كما لو أنها مقتنعة بأن النص المسرحي لديه القدرة على إحداث ثورة ضدها حال عرضه أمام الجمهور، هذا إضافة إلى ما يناله الكاتب من عمليات عزل وتهميش واحتقار، مقارنة بما يناله من رعاية واحتفاء مروجي عروض التهريج والإسفاف. أما وجهة نظر أسرة الأدباء في عالمنا العربي إزاء الكاتب المسرحي فطاما كانت تحمل تجاهه نظرة متسمة بالتعالي، كما لو أنه ابن الزوجة الثانية، فلا يحق له بسببها، نيل شرف الاندماج بمجالسهم، واكتساب التقدير الذي يستحقه باعتباره أديبا.

 

المشـاهدات 378   تاريخ الإضافـة 28/11/2023   رقم المحتوى 34185
أضف تقييـم