
![]() |
محاولات فنية اخرى في ... طفل ودفتر ذكريات دراسة نقدية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : يوسف عبود جويعد
رواية ( طفل ودفتر ذكريات) للروائي حسن الموسوي، هي من النصوص السردية، التي تنضج وتتفاعل ويمكن إظهارها بعد أن تضع الحرب اوزارها، لأنها واحدة من الأحداث والحكايات المسكوت عنها في حينها، ولا يمكن كتابتها أو نشرها والحرب مشتعلة، لأنها تمس السلطة آنذاك، حيث أن الروائي يعود بنا الى عصر الثمانينات من القرن الماضي قبل وبعد نشوب حرب الثمانينيات بين الجارين، بلدنا والجارة ايران، معتمداً على تكثيف الاحداث واختزال الزمن، الذي لا يريد منه سوى ما يخدم العملية السردية واحداثها وحكايتها، التي حملت الكثير من الغرائبية والعجائبية، وكذلك كشف أنياب السلطة المفترسة القاسية، والطغمة القمعية التي حكمت الشعب بالحديد والنار، وقد عمد الروائي في عملية بناء هذا النص السردي، على تقديم الاحداث خطوة بخطوة، بشكل يجعل المتلقي يتابع بإهتمام من أجل معرفة ما تحمله الرواية من أحداث لاحقة، ويقودنا في هذه العملية السردية ( حسين) التي اوكلت له مهمة إدارة دفة الأحداث، لنتابع معه تفاصيل مهمة من حياته، بعد أن نكون قد مررنا على المقدمة التي كتبها الروائي كعتبة نصية متصلة بالاحداث وجزء متمم له، وهي عبارة عن رؤيا ظهرت له في المنام يستلم فيها تذكرتين سفر باللون الأحمر والتي كانت تعني في الحلم سفر اللا عودة، وسنكتشف لاحقاً تحقيق هذه الرؤيا، وكان الأجدى لو وظفت هذه الرؤية ضمن متن الاحداث تكون أكثر تأثيراً من كونها مقدمة للرواية، ومع هذا فأنها استطاعت أن تشد القارئ الى متابعة الاحداث: " ثمة طاولة بيضاء كبيرة انتشرت عليها تذاكر السفر، بعض هذه التذاكر مكتوب عليها اسبوع باللون الأسود، وبعضها مكتوب عليها شهر وباللون الأخضر، وبعضها كتب عليها اللا عودة وباللون الأحمر القاني." وهكذا ينقلنا الروائي الى دوائر الاحداث التي بدت محتدمة وساخنة من وهلتها الاولى، بعد أن عمد الى تقطيعها الى فصول مؤرخة ومعنونة مع ضم قطعة نثرية مختزلة ضمن كل فصل تكون جزء من المؤثرات فيه، لنتابع فترة دراسته بالكلية وعلاقته العاطفية الحميمية مع زينب: " عند انتصاف النهار، كنت واقفاً بالقرب من اعدادية الهدى للبنات، في شارع عباس الديك بمنطقة الكرادة وأنا بكامل أناقتي وحينما مرت زينب أمامي شعرت بأن موكباً ملائكياً مكوناً من عربات ذهبية تجرها خيول بيضاء ذات أجنحة كبيرة جاءت لتحمل هذه الأميرة الى السماء." (ص 17 ). ويبدو أن الروائي تمكن من أدواته السردية والعناصر والركائز الاساسية في عملية صناعة روايته، فكلها جلية واضحة للعيان دون عناء وبالاخص الزمان والمكان والشخوص، وتستمر دورة الاحداث ويتزوج حسين من حبيبته زينب،ابان اندلاع حرب الثمان سنوات، وفي نقلة مذهلة وعميقة التأثير، ومفاجأة لم تكن بالحسبان، نجد أن بطل الرواية حسين قد دخل زقاق زوجته زينب، فوجد عدد من المركبات السود المخيفة تطوق البيت، وغبار يتصاعد وصراخ يصعد أعنة السماء، فأكتشف أنهم اعتقلوا عائلة زوجته برمتها كونها من التبعية الايرانية، لأنها من الاكراد الافيلين الذين لهم جذور عميقة في هذا البلد، وسرعان ما سفروا ورموا في حدود ايران، رغم صراخ واعتراض حسين وغضبه وانفعاله، اذ هدد بالحبس اذا اعترض على اوامر القيادة العليا ليلتحق هو الآخر الى الحرب وهي مشتعلة وتنتقل بنا الاحداث الى الحرب وحياة الجندية فيه والهجومات والمواجهات والقصف والانفجارات وصبر وجلد الجنود، وذات هجوم عنيف يقع حسين في الأسر مع مجموعة من المقاتلين، ويحس بشيء من الفرح بالعكس من اخوانه الاسرى وذلك لكونه سيحاول هناك أن يجد زوجته زينب، وعند انتقاله الى اقفاص الأسر يعمل جاهداً للوصول الى حل يجعله يهرب من الأسر، وذلك بحقن نفسه بابرة فيها نفط ابيض وينقل مرات عديدة الى المستشفى واخيراً يلتقي برجل دين من لبنان كان يتفقد الاسرى اللبنانيين وحصل على موافقة اطلاق سراحهم، وطلب من القوات الايرانية اطلاق سراح حسين، حينها يطلق سراحه ليكون حراً في ايران، وتكون مهمته البحث عن زوجته، وقد تبدو لنا أن اطلاق سراحه بهذه السرعة غير مقنعة، إذ أن الروائي لم يضع المبررات والذرائع التي تجعل اطلاح سراح حسين مقنع، ورغم هذا الا أن الاحساس بصدق الاحداث لدى القارئ موجود، وبعد بحث مضن، والعمل داخل ايران يصل الى معرفة مكان عباس شقيق زينب ويلتقي به، ومن خلاله الى بيت زينب، وهناك يسأل عن زينب التي لم يجدها معهم، فيواجه بصمت وحزن يعرف بعدها بأنها قد توفيت لعدم تحملها هذا الكم من الاحزان ويذهب برفقتهم لزيارة قبر زوجته، بعد أن قرأ دفتر ذكريات زينب واكتشاف أن له ابن أسمه سجاد، وهكذا تتضح لنات بنية العنونة طفل هو سجاد ابنه ودفتر الذكريات يعود لزوجته المتوفية زينب: " في رحلتي نحو السماء أخبرتني الملائكة بأن صديقي عباس قد انشغل برفع جثتي من على قبر اخته زينب، فيما جال ابني سجاد ببصره نحو الغرب وهو ينظر الى تلك الجهة بغضب عارم." (ص 105 ) وهكذا تنتهي الاحداث بموت بطل الرواية، التي تجعل القارئ يفقد مصادقيتها بينما كان الاجدى من الروائي أن يجعل من هذه الاحداث مخطوط يعثر عليه احد شخوص الرواية، ليكون مبناً ميتا سردياً للاحداث. من اصدارات دار العراب – دمشق- ودار الصحيفة العربية – بغداد لعام 2022 |
المشـاهدات 481 تاريخ الإضافـة 28/11/2023 رقم المحتوى 34280 |