الجمعة 2024/5/17 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 32.95 مئويـة
مونولوج يهمسُ في قلوب المحبين..
مونولوج يهمسُ في قلوب المحبين..
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

نقد: كريم إينا

الجزء الأول


صدرت مجموعة شعرية للشاعر علي نهاد الموصلّي بعنوان: "مونولوج" باللغة العربية طبعت المجموعة في دار ماشكي الموصل/ المجموعة الثقافية سنة 2021، الكتاب من القطع المتوسط بحجم ( 14.8 ×21سم) الطبعة الأولى، ضمّ على الإهداء والمقدمة، بثلاث وثلاثين قصيدة، يقع الكتاب في (92) صفحة تصميم غلاف المجموعة محمد شهاب، التنضيد علي عبد المنعم، يبدأ الشاعر بأوّل قصيدة بعنوان: " مدخل" ص9 القصيدة من بحر البسيط، أتت منهمرة بسيطة أبياتها قائمة على جمال اللفظ، وتلاحمه وإنسجامه، ذات موسيقى طاغية مؤثرة، فيها شجن ممكن أن تلحن وتغنّى، إعتمد قافية ( الباء) التي تستعمل في الشعر العمودي بكثرة، لقوة نطقها، فيها وصفاً شعورياً داخلياً، إعتمد على المعنى أكثر من اللفظ في إبداعه، فجاء بالكلام المطرب على شكل كوبليهات، ولكن ثمّة مسحة من الحزن يراها في كابوس ليل بيقضان، إستطاع الشاعر هنا أن يضخّ طاقة من الأفكار والمعاني في الفاظه بكمية أكبر، والسبب يرجع لتفكيره الشعري الذي أخذ منهُ مأخذ الجد، فهو يقتلُ النعاس بالبراءة، والصحوة بالترجل، ظهرت مخارج قصيدة مدخل غير متكلّفة سهلة المخرج، يكادُ جنس التصوير لا يخلو منها. وفي ص10 تأتي قصيدة " ليل قصير" على بحر المتقارب فقد أثار تلميحة لرمز الزمكانية بإحدى أبياته وهو يقول: / أكلُ جميل يكونُ خيالاً؟ / ولا تحتويه يدُ الزمكان/ فهو يعطي قيمة أبدية لا تتجزأ ألا وهي الحب، فيقول: / دعيني ولو لحظة أستفيقْ / فإنّي بغيبوبة الحبّ فانيْ/، أتت دعامات وزنه مستقرة لم يزحف بها قط، فهو على يقين بالإدمان إذا حالتها أصبحت كالدخان، ربّما يوازن بين اللفظ والمعنى من حيث الخيال، والرمزية، والتكثيف، والعمق بآلات الحداثة، وهذا النوع من الشعر قد نال من خصوصية اللفظية، لذلك فهو حي لا يموت يكتب لهُ الخلود، ربّما إذا إبتعد عن تلك الخصوصية سيكون مرحلياً لا يكتب لهُ الخلود، إذاً فالشعر صار تشترك في إنتاجه الموهبة والعقل معاً، إنّ شعر الشاعر علي متفاوت في الإنتماء إلى العمود، ولكن رغم ذلك قد تحسبْ لهُ نافعة لحلاوة ألفاظه، وصحة معانيه، والطبع والتكلف، وكلاهما يتبعان اللفظ والمعنى، فالذي ينقرُ على المعنى هو متكلّف والذي يعتمد على الألفاظ فقط يكادُ مطبوع، وفي قصيدة " رقصة النجم" ص12 وهي من بحر المتقارب وقافيته صعبة (اللام والألف)، المجرات تحتويه فيعودُ بها العمر طفلاً، لا يوجد علاقة قوية تربطُ بين المجرات والطفل، لذا فالبيت أتى مرتجفاً، بينما في بيت آخر يقول: / أمام عيوني وقفتُ / عرفتُ بأن ليس إلاّ /، وهنا لم يكتمل المعنى، أيضاً يظهر بيت آخر بعدهُ مباشرة يقول فيه: / وعدتُ ألملمُ كلّي/ / بكلّي وأجمعُ ك. ل. ا / هناك تكرار اللفظة ألملمُ وأجمعُ بنفس المعنى، وهذا قد يحدثُ شرخ في القصيدة وكلمة كلّا تكتب هكذا وليس ك. ل. ا، وفي عجز أحد الأبيات يقول: / قلبي حبّاً تدلّى / القافية أتت اللام والألف المقصورة تختلف عن سابقاتها، ويسترسل في قصيدته فيقول: / فللصبح شمس يراها / فليت لنا النورُ ظلّ /، فهو يؤكد حقيقة شروق الشمس في النهار والكل يراها، ولكن يتمنّى بأن يبقى النور دونَ إنطفاء، وبذلك يحقّقُ غايته، لأنّ النور يبددُ الظلمة، ننتقل إلى قصيدة " منولوج" ص14 التي حملت عنوان المجموعة يقول في إحدى أبياتها، / وأنت تنامُ بكهف / / وحلمي على الرف حبرُ /، ممكن الحلم أن يبقى حبرهُ على الرف منسيْ، ولكن ما علاقة الكهف بذلك؟ كالمثل القائل: " بعيد اللبن عن وجه مرزوق"، ننتقل إلى قصيدة " مجرى الدمع" ص16، يظهر فيها بيت جميل حيث يقول: / كمْ متّ أمامي محتضراً /  من هول جريح قد ظلما /، وفي بيت آخر يقول: / إنّي مطر الغيمات إذا / / يبكي طفلٌ أبكيه دما /، لو بدّل إذا بـ ( وإن) لكان البيت أقوى وأعتى، ولكن يحقّ للشاعر أن يقول ما لا يحقّ لغيره. ويقولُ: أيضاً / لولاك حبيبي ما بقيتْ / دقاتُ القلب وقد سئماْ /، لو وضع حياتي بدل حبيبي أجمل والوزن يبقى مستقيماً أيضاً، تأتي في ص18 قصيدة بعنوان: " دوام الحال" في هذه القصيدة التي هي من مجزوء الوافر وقافيتها ( الميم)، نستطيع أن نقول: أصبحت جديّة الشاعر علي ملحّة نحو نظرته الفلسفية للحياة، حيث يقول: / رضينا أن يدوم الحال حتى / بقلة حيلة من ذا يلومُ / ولكنّ الحياة تغيّرات / تُغيّبُ شمسنا هذي الغيومُ / وإنّا معشرٌ طيبٌ هوانا / بفرط نقائنا تأتي الهمومُ / وفي قصيدة " أقبل" ص20 لا حبيباً يبثُ إليه شكواهُ، ولا يجد من يؤنّسهُ إلاّ البدر، ورغم ذلك فهو يداوي نفسه بنفسه، ولا يرجع إلى مناجاة القلب، وحتى الموت لم يعش تلك الحالة، يقولُ: في بيت من أبيات القصيدة: / شمسٌ إذا جئت جاءت/ حياتنا، دُمت إسبالا /، جاءت لفظة إسبالا غير موفقة في عجز البيت لأنّ معناها هو نزول الملابس عن الكعبين، حتى لو كانت سراويلاً يفقدُ الحياء معناهُ، والإسبال محرم حسب قول النبي (ص). ولكن إذا قصد الزرع ممكن أن تخرجُ سنابلهُ، ويقول: / فأكشف لنا السرّ وأترك / ستراً غبياً وأثقالاً /، لو قال: سراً دفيناً بدل ستراً غبياً لتوافق المعنى الأول بالثاني فأصبحا قاسماً مشتركاً في نبض القصيدة. وفي قصيدة " رحلوا" ص22 وهي من بحر الرمل، يبدأ بالسؤال هل من رحيل القلب بُدُ؟ لم يضع علامة الإستفهام، هذا يبين أنّ الشاعر قد قرأ الكثير من شعر الشعراء القدامى والمعاصرين، نرى نفَسَهُ تطرقُ بابهم رغم أنّ قصائدهُ قصار غير مطولة، لديه بيت جميل يقول: فيه / ليتني كنتُ عديم الحسن فيهم / ليتهم أبعدُ ما في البعد بُعدُ / نرى رؤية الشاعر هنا تدبُّ في الحنين إلى الأوطان، وهو يقول: منفعلاً في أسئلة حائرة، مثل: ما وجدتُ الجسر، كيف أبقى؟، هل من رحيل؟، وفي ص23 تأتي قصيدة " رقصة التانغو" وهي من مجزوء الوافر، يقول: / تميلُ عليّ كالجنّ / فكيف أكونُ يا إنّيْ؟ / ولولا أنت لا شعرٌ / ولا نظمٌ على وزن / أتمنّى في يوم من الأيام، أن تلامس أصابع المرواتي بألحونة جميلة من ألحوناته، فنطربُ بها معاً، ونلاحظ في أحد الأبيات، / تُحركُ ثابتاً جلداً / هوى في غمزة العين / ، إجتهاد الشاعر جعلهُ أن يتلافى الأخطاء المطبعية من أجل إستمرار نبض القصيدة فيقول: / وعنّي جُنّ قد قالوا / دعوني إنّهُ شأني /، وبعد بوح الشاعر قد إكتملتْ الصورة لنا تماماً، وفي قصيدة " طيف الطفولة" ص26 ربّما تميلُ قليلاً إلى بحر المتدارك أو الخببْ وقافيتها ( التاء)، أو بأسلوب بدر شاكر السياب، ليس كالقصيدة التقليدية العمودية التي سبقتها، أو تعتبر كقصيدة النثر المحدثة، وهي غير واضحة المعالم، فيها زحافات كثيرة، يقول: / فهلاّ أبقيت غيماً / أشتاقُ رمادياً في برد شتاء والبيت /، لو كان رمادهُ في برد الشتاء أفضل، القصيدة فيها مباشرة وحشو كلمات على حساب الوزن، تكاد تخلو من الصور مثال: / إنّ الأحجار تنادي من شوق / كالأنس وقد عدت/، لا يوجد ربط بين الألفاظ " عرب وين وطنبورة وين" فهو عاجز عن فك شفرة القصيدة، وما يرى نفسهُ إلاّ سجين كلماته، تجربة الشاعر مستقاة من الحياة، في مقدمة الديوان أثبت حقائق الأشياء، فهو يرينا الشوق، السفر، محراب الحرب، قبلة القلب، وهذه الحقائق هي مجردة، وهو يسعى للكشف عن العواطف والأحاسيس، والإنفعالات الكامنة في قلب الشاعر، لإيصالها في نفس المتلقي، نراهُ في قصائد اخرى شفافة تعتمد على لغته، الوضوح والواقعية، ربّما الحالة الذهنية في كتابة هذه القصيدة كانت معايشة الجو الشعوري لولادة هذه القصيدة، وبدون ذلك، قد تنزع القصيدة عن سياقها النفسي، وتبقى تراكم لغوي بغير ذي معنى، أجمل ما قيل في القصيدة / إجلس وتأمل في بيت/ إجلس مرتاحاً فيها حسبك / يكفي ما قد عانيت / من غير كلام تسمعك الجدران هنا أدم الصمت /، وفي ص29 تظهر قصيدة" العروبة" على وزن بحر الوافر والقافية حرف ( الحاء)، قصيدة حماسية أجاد ركوب البحر ببراعة، وهي معافاة تماماً من أيّ علّة عروضية، تظهر فيها صور وأخيلة متناسقة في توظيفها: كالدمع، الصلاح، الجراح، اللظى، النياح، وهذا الزخم من المفردات المتلاطمة في معانيها ودلالتها، لا يوجد مسوغ بين مفردة الرياح والوشاح، وهنا لم يأت بها الشاعر إلاّ مضطراً وتماشياً مع القافية، ولا أجدها قد أضافت أي صورة للمعنى، فهو يقول: / كرامتهم على الصدر وشاحُ / وماءُ البحر إذ عصفت رياحُ /، وفي ص31 تظهر قصيدة " كفاك رحيلاً" من بحر المتقارب والقافية (الميم والألف)، ويظهر تكرارها واضحاً في القصيدة الغرامية كقوله: / أصابرُ منآك عين إلى ما / تُسيئي لحبّي الكبير إذا ما /، وهل كان بمقدوره الإتيان بمفردة غيرها؟. أحياناً الإتيان بالتشبيه أو الصفة تكونُ كإشارة لإظهار ألم كبريائه بما مسّهُ من جروح ومآسي، وقصيدة " لا أحد " من خبب المتدارك ص32 يقول: / رحلتْ أم أنّي مرتحلٌ / أمْ إيّانا عنّا بعدوا / تم تسكين المفردة " رحلتْ" في بداية الكلام لأنّها تاء التأنيث الساكنة لفعل ماضي، وأيضاً يقول: / نارٌ في صدري لو خرجت / تفنى الأكوانُ وتفتئدُ / وتفتئدُ مفردة غريبة قليل إستعمالها لو قال: تفتدى أو تفتدي ممكن، المعنى هنا غامض يحتاج إلى تأويل، بينما في بيت آخر يقول: / عجبٌ أنّي كم أكظمها / حتى عنّي لا تبتعدُ / يبقى هذا البيت ناصعاً شامخاً في دلالته الفنية، وفي ص34 نرى قصيدة " رقم مجهول" وهي من بحر البسيط قافيتها ( الراء)، يحكي بأنّ أحدباً ذو بطن بارزة لفّ يدهُ جعلهُ يستنطقُ الشعر، وهذا الرقم المجهول يقودنا كأسرى إلى حتفنا، يقول: / تسلّمُ نفسي لمجهول عرفتُ به/ جهلاً إلى حتفنا يقتادنا أسرى/، وظهرت مفردة أغلّقُ غير مستقرة ومباشرة في صدر البيت الثالث ربّما كانت على حساب الوزن أو للضرورة الشعرية، وبيت آخر تتكرر مفردة الموت حيث يقول:/ سجين زنزانة سوداء من ظلم / الموتُ منها يخافُ الموت والقبرا /، وفي ص36 في قصيدة " قاب قوسين" نرى تنوّع كبير في القافية، مرة تصبحُ ( ك) وأخرى ( الفاء) و ( ن) و ( س) وهي مماثلة لقصيدتي عنوانها:" الشعر" أقولُ: فيها / تفجّر الشاعر الولهانُ من فمه / فصار يخرجُ أشعاراً لدنيانا /، وأيضاً هناك قصيدة " جبل الريان" لجرير يقول: فيها / إنّ العيون التي في طرفها حورٌ / قتلننا ثمّ لم يحيينَ قتلانا / ننتقل إلى قصيدة " الحماة" ص39 من بحر المتقارب قافيتها ( الباء) موسيقاها قلقة مفرداتها ثقيلة، وهي قصيدة حماسية تظهر عندهُ صورة جميلة يقول: / إذا الماءُ خاف لهيباً فها هم / على النار أنفسهم فيه صبّوا / بأجسادهم سوّروا النار حتى / تقرّ البلاد وينعمُ شعبُ / فهو يتكلم عن الذود لبلد الجزائر فيحثُّ الشاعر المقاتلين ويقولُ: لهم بالنار هبّوا، تراهم يسوّرون النار بأجسادهم كي ينعم الشعب بالإستقرار، إستطاع في هذا البيت أن يصف تداعي الأرض والأمة، وهذا التداعي يأتي من الأنفس، فكادت المفردة تخدمُ المعنى في البيت، والشباب ما زال صدرهم رحب في سوح القتال، وفي ص41 تظهر قصيدة " رزانْ" من مجزوء الوافر، كأنّها مقاطع رباعية لعمر الخيام، حيث يقول: / ألبّيها تلبّيني / أسلّيها تسلّيني / بإحساس من الود / رضاها قبلة منّي / كنتُ أتمنّى لو قال: القلب بدل الود لكان أفضل، علماً أنّ كلّ الأحاسيس والعواطف تنبع منه، تنوعت القافية في هذه القصيدة مرة (ن) وأخرى (ح)، (ف)، (س)، (ر)، (ت)، وفي النهاية شكر بالحمد دونَ تكملة عجز البيت، / جزيل الشكر والحمد /، " جذور الأرض" ص45 قصيدة من بحر البسيط يتحدّث عن شعب الجزائر، وآن الأوان لإستنهاض همم الأمة، لم يأت الشاعر بصور جديدة مبتكرة رغم هناك بيت أو بيتين يسطعُ فيهما التكثيف، ربّما كان إجترار ممجوج لما سبقهُ من الشعراء بعدم وجود إبتكار للصور، أو هي من عنديات الشاعر، يجب مراجعة القصائد قبل نشرها، والإنتباه للشعراء القدامى، كيف كان يمتاز شعرهم بالصور والتراكيب والأخيلة، مثال على ذلك هذا النموذج: / جزائرُ الشمس والأمطار والشعب / رجولة من جذور الأرض والصلب / عاشوا كراماً برغم العسر تبصرهم / جباههم قمم والناسُ في الكعب /، ثمّ تأتي قصيدة " وداعاً " ص46 من بحر الوافر يبدأ بـ / تعاظمني مصابك في فؤادي / ودونك موتتي دون الحدادي /، كلمة ميتتي أقوى من موتتي بدلالتها لقدر الموت، يبقى الوزن كما هو.

 

المشـاهدات 137   تاريخ الإضافـة 03/02/2024   رقم المحتوى 38969
أضف تقييـم