السبت 2024/5/4 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 26.95 مئويـة
في مقبرة الغرباء...
في مقبرة الغرباء...
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

هادي عباس حسين

كلانا هنا في الغربة المرة التي لم اعد تحملها انا الدكتور محمد وهذا زميلي في الشهادة ولكن اختلفنا  بالاختصاص انه في الأدب الحديث، قبل أسبوعين مرت ذكرى ميلادي قرن وربع  أخر  وقد افنيته في خدمة الناس وبالاخص الفقراء منهم، بينما صاحبي قضى  سنوات حياته التي نقصت  عن عمري بثلاث سنوات لم يكمل بتحقق رغبته وحلمه بان يكن ممثلا مشهورا، لن يقتنع بشهادته ابدا وايقن اخيرا مع نفسه انها مجرد شهادة يعيش من راتبها المخصص لاستاذ  جامعي مثله، تقابلنا بعدرحلة سفر اتعبته فاكثر من سبعة عشر ساعة قضاها  داخل السيارة   وهي تقطع مسافة شاسعة وافكاره  مع مسيرة حياته التي في بدايتها بدت مسرعة والان احس ببطئها وملأها  روتين الغربة المتشابه للكل،  لانملك الا سكائرا وقهوة وشاي وحفنة ذكريات رغم شعورنا بمرارتها وقساوتها، العاشرة من يوم اشتدت برودته وبات انخفاض الحرارة متميزا عن باق الايام، صرت متلامسا بحقيقة لا فرار منها ان افتح فمي مبتسما

_ ثق ياصديق الغربة انني لا املك شيئا احلم به...

 وقد ودعت كل أمر لما  تقدم بنا العمر...

وجدته يتفحص وجهي الذي هرب منه فرح ليميت اللقاء فسكت لحظات وقلت بعدها

_  كلانا اجتاز السبعين كأن العمر مر بعجل...

قرب كرسيه لي أكثر حتى كاد وجهه يلامس وجهي مؤكد لي  بهمس

__  حتما   اقترب لناموت...

أصابني غرورا فرددت عليه متهربا من محاصره لي   في زاوية ميتة لاجبته على الفور

_ انا طبيب سأفر من ملاقاته كوني لدي  ما يؤمن موقفي..

قهقه بصوت مبطن  باستهزاء وسخرية

_ لا يحميك شي من قرار الله العادل اقتراب  وقت موتك لترحل...

أحسست انه يسخر من مركزي الذي لازمني طيلة عمري فانتفظت على كلامه لاضيف له

_  افهم دكتورنا المحترم..

رد علي  كأنه استعاد قوته

_  كما تعرف  اختصاصي رالادب وبراعتي بتفهمه..

_ انا كذلك عليك الاعتراف بان اختصاصي هو الافضل..

حرك راسه مستسلما لمغزى حديثي  ثم اصابه  دوار  فطلب مساعدتي  بعجل

_ دوار وألم براسي يؤلمني

احسست بفخر وزهو نفسي وانا اخرج من جيبي حبة بيضاء ناطقا له

_ خذ هذه الحبة وبعد دقائق تتحسن بعون الله.

استلمها باستعجال  ودفعها بداخل فمه.

 

بينما قربت له كأس الماء حتى ليختم كلامه

_ اشكرك دكتور.. ليست الحبة من ابعدت الموت الذي كنا بصدده بل ان  لي بقية باقية من الحياة..

 قلت بأسية

_  لا تتجاهل  و لا تنس  بان  للطب الذي درسته وتعلمته بخبرتي يادكتور...

فتح عينيه واغمضها بتعب ليرد علي مندهشا وقال

_  انت مغرورا بشهادتك كثيرا.. ما الفرق انا دكتور.. وانت كذلك...

لم تعجبني طريقة عرضه وحالة المساوات بشهادتنا ونحن في بلاد الغربة فتابعت الكلام

_ انت دكتور بالادب بينما انا دكتور بالطب...

لم يرتاح لهذا الوصف حتى  سحبني الى طريق الجبل الذي كنا نمش فنقصده في كل لقاء، نحس بشوق له عند قمته سوية نذرف دموعنا  ونتحدث متسائلين بصوت واحد نناشد الاعزاء الذين فقدناهم تحت التراب

_ ابا اسعد كيف الحال...

عقبته معقبا

_ وانت يا ابى عبدالله.. احقا ارتحت من معاناة مرضك...

  حتى سمعت صوت بكائه  مناديا

_  زوجتي.. بشرى.. اشتقت لك اين انت كيف صرت...

وقفت احتظنته ودموعي تنزل قائلا

_  اسمعني يادكتور هنافقط تساوت شهاداتنا...

 لربما شعر في نشوة فوز وانتصار متمتما بكلمات لما قلت له

_ هنا لا قيمة  لشهادة الدكتوراه بكل اختصاصها الطب الادب الهندسة و... و..

رد علي وبقى صامتا للحظات

_ يا اخي هنا في مقبرة الغرباء تنتهي مسيرتنا  بلا القاب بلا شهادات بلا مناصب...

المشـاهدات 139   تاريخ الإضافـة 09/02/2024   رقم المحتوى 39293
أضف تقييـم