الأحد 2024/12/8 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 11.95 مئويـة
الأضاحي البشرية والحيوانية بين الأسطورة والدين..
الأضاحي البشرية والحيوانية بين الأسطورة والدين..
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

سلام حربه

الإنسان منذ خُلِق قبل عشرات الآلاف من السنين وحتى أيامنا هذه، كان يثيره منظر الدم وتدفقه من جسد الانسان والحيوان، إعتبره مقدسا وسرا للحياة والموت، يرى في جريانه من الضحية تكفيرا عن ذنوبه وآثامه وارضاءً للآلهة وتسكينا لغضبها فهو يعتقد أن الدم الحار محمل بالأرواح التي تنتقل مباشرة الى الإله المعبود. ظهرت فكرة تقديم الأضاحي في المجتمعات الرافدينية الزراعية القديمة. كانت في العصور الغابرة تقتصر على الأضحية البشرية إبتغاءا للحصول على سلامة المحصول ووفرة الصيد ودرءا للامراض والأوبئة والتوازن بين عالم الأحياء وعالم الأموات فكانوا يصلبون الجد أو الأب أو الملك حتى ينزف دمه على الأرض فيقومون بأكل بعضا من لحمه وشرب بعضا من دمائه لتكسبهم قدراته كأب قوي حامي للقبيلة.كان الأب يفتدي نفسه للجماعة بمقاتلة الاعداء والوحوش وبموته أمام أعينهم وهم شهود عليه يطلق عليه لقب الشهيد ويعني خلوده كالآلهة في عقيدة الجماعة الذي شهدوا مجد عمله بعيونهم ليبقى خالدا أبد الدهر وإن لم يحصل على مثل هذه الميتة قتلوه وأكلوا من لحمه وشربوا من دمه ليكتسبوا قداسة الاب ودوره البطولي. أول أُضحية قُدمت في البشرية كانت في إسطورة هابيل وقايين السومرية وكيف أن كبير الآلهة تقبل من هابيل من أبكار غنمه ومن سمانها ولم يتقبل من قايين ما قدمه من ثمار الأرض واشتهاء الإله لرائحة الدم وترتب على ذلك عدم إفتداء هابيل لنفسه، بل كلفه حياته فذبحه قايين وبهذا تم ما أراده الإله وأشبع عطشه للدم. السومريون هم أول من أكد أن الأرواح، بعد موت الجسد، تذهب الى مكان ساكن وبارد يدعى كور، بمرور الوقت تخلوا عن التضحية بالأب أو الجد أو الملك واستعاضوا عنهم بإنزال العقوبات بأنفسهم بضرب رؤوسهم وأجسادهم بالآلات الحادة ويلطخون بدمهم جدران المعبد، هذه الشعيرة ما زالت موجودة في مجتمعنا، وقسم منهم يقومون بإخصاء أنفسهم، بعد ذلك تغيّر الفداء البشري عندهم واختاروا مجرما خطرا أو أسير حرب أو من العبيد الرقيق، وحين عزّ عليهم مثل هذا الفداء إستبدلوا الفداء البشري بلحم الضأن في التقرب من الآلهة وكسب رضاها، وإن تعذر ذلك كانوا يحضرون فطيرة ويرسمون عليها صورة إنسان أو صليبا رمزا لصلب الانسان المفترض أن يُضحى به وتحول هذا الطقس بمرور الزمن الى نوع من العشاء الرباني الفطيرة ( الخبز ) رمزا للجسد وشرب النبيذ الاحمر رمزا للدم. اصبح الكبش فيما بعد عنوانا للفداء في الحضارات اللاحقة حيث أن هناك ترنيمة سومرية تقول ( الضأن فداء للحم الآدميين به إفتدى الانسان حياته ). البابليون استخدموا في الفداء الكبش حيث كان الكاهن الأكبر يقوم بالصلاة وفتح باب المعبد ثم يتوجه مع الكهنة الاخرين بإنشاد التراتيل أمام الإله مردوخ وزوجه والصلاة ورش المعبد بالماء المطهر وتدق الطبول وتتلى الادعية وتحرق البخور ويتم نحر الكبش ( الخروف ) من رقبته ويمسح بدمه جدران المعبد وترمى احشاؤه وجسده في الماء . تناولت الحضارات اللاحقة والأديان فكرة الفداء البشري والحيواني من أجل التطهر من الذنوب والآثام وطلب رضوان الآلهة وعطفها ورحمتها لأن الآلهة القديمة آلهة حسية تتقبل الرشا والوسائط ولأن فكرة الفداء أو التضحية تسعى الى تحقيق الانسجام بين ما هو بشري وما هو مقدس وتعمل على تنسيق وتنظيم الهرم الاجتماعي والتوازن الروحي والجسدي. عند الاغريق الضحية من الرقيق، في تراقيا كانت المدينة تتطهر من خطاياها برجم كبش الفداء البشري حتى الموت، في روما طقس التضحية البشري يقام في أول ليلة قمر من رأس السنة الرومانية التي تبدأ من الأول من آذار ويطلقون على الضحية إسم ( مارس القديم ). المصريون يقدمون فداءهم البشري من المجرمين وأسرى الحرب ويقومون بقتل الخدم وحرس الملك عند موته ودفنهم معه كي ينتقلوا الى عالم الأبدية ما بعد الموت. الإله ميترا الفارسي يقوم بذبح الثور في النقوش التي تم العثور عليها . أما في افريقيا الشرقية فقد استمرت التضحية البشرية حتى القرن التاسع عشر حين يقومون بتهيأة الذبيحة البشرية وتسمينها، يساق في الطرقات ويتزاحم الناس بوضع أيديهم عليه كي يفرغوا شحنات من الأمراض والآثام ويذبح في المعبد وسط صيحات الفرح والتهليل وغالبا ما يطلق على رجل الفداء ( الملك السنوي ).  الديانة اليهودية استنسخت فكرة التضحية من الأساطير السومرية والبابلية وحتى بالغت في تقديم الأضاحي كذبيحة السلامة والخطيئة والإثم والقربان وذبيحة يوم الكفارة ( وحدث أن الله إمتحن إبراهيم، فقال خذ إبنك إسحق واذهب واصعده الى محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك. فبكّر ابراهيم وشد على حماره. وأخذ ابراهيم حطب المحرقة ووضعه على إبنه إسحق وأخذ بيده النار والسكين وقال هو ذا النار والحطب ولكن أين الخروف للمحرقة. ثم قال ابراهيم الله يرى له الخروف للمحرقة. ثم مد إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح إبنه. فناداه ملاك الرب من السماء. وقال لا تمد يدك الى الغلام. فرفع ابراهيم عينيه ونظر واذا بكبش. فذهب ابراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن إبنه ) تكوين: 22. وقد إختلف اليهود مع المسلمين وقالوا أن الإبن الذي ينوي ابراهيم ذبحه هو إسحق في حين أن المسلمين قالوا أنه اسماعيل.وقد أكد الرسول الكريم ( ص ) انه اسحق . وصعود ابراهيم الجبل وتقديم الخروف بدل إبنه اعتمادا على خروف هابيل الذي تقبله الله وأصبح منذ ذلك الوقت هو الضحية. وكان يُحتفل بها بالتراتيل والصلوات في كل الأزمان اللاحقة وكانت الضحية تزين بالأكاليل وعند الذبح في المعبد يرش الدم على جدران المعبد مع صراخ النساء الشديد وتحرق الأحشاء الداخلية والعظام حصة الإله من القربان ويقوم الحاضرون بأكل لحم الضحية. في المسيحية فكرة الفداء مختلفة حيث أن السيد المسيح هو القربان الذي يقدم الى الرب من أجل غفران خطايا البشر ( هو ذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم ) أصبحت الذبيحة هي السيد المسيح، وعلى النمط الوثني، من أكل من جسده أو شرب دمه نال حياة جديدة . أخذ السيد المسيح كسرة خبز وقال ( خذوا كلوا هذا هو جسدي ) وأخذ الكأس وقال ( إشربوا منها لأن هذا هو دمي الذي يسفك من اجل كثيرين لغفران الخطايا ). ( بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ) رسالة بولص الى رومية الاصحاح 1 ) وفي العهد القديم ( وكل شيء تقريبا يتطهر حسب الناموس بالدم، بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ) عب 22: 9  . العرب قبل الاسلام كانوا يقدمون الضحايا البشرية لكوكب الصبح العزى أو عشتار ويختارون أحد أسراهم من بيض الوجوه من أجل ذبحه اذا لاح الكوكب في السماء فيضربونه بالسيوف ويشربون دمه وإن لم يجدوا أسيرا كانوا يعوضونه بناقة من العيس خالصة البياض يقوم الكاهن بذبحها وشرب دمها والآخرون يقطعون الذبيحة ويأكلونها نيئة ويسرعون في ذلك كي لا يبقى منها شيء عند طلوع الفجر. وهناك رواية عن عبد المطلب جد الرسول الاكرم الذي نذر بذبح أحد أبنائه إن إكتمل عددهم الى العشرة ووقع الاختيار على عبد الله والد الرسول محمد لكن قريش وقفت ضده وقام بذبح مئة ناقة بدلا عنه..أما في الدين الإسلامي الحنيف فقد جاءت الآيات القرانية قريبة لما أُنزل من آيات في اليهودية.. ( ربِ هب لي من الصالحين. فبشرناه بغلام حليم. فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت إفعل ما تؤمر ستجدني إن شاءالله من الصابرين. فلما أسلما وتلّه للجبين. وناديناه أن يا ابراهيم. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم. وتركنا عليه في الاخرين . سلام على إبراهيم ) الصافات 100: 109 . واستمرت الطقوس والاعياد الإسلامية ( عيد الاضحى ) وفيها تنحر الخراف وفي حروب ومكائد الاسلام السياسي تنحر الرجال ليسيل الدم أنهارا كي تجرف معها، كما يتصورون،  الذنوب والآثام وتُقبل ( توبتهم ) من قبل الله العزيز الحكيم..     

المشـاهدات 300   تاريخ الإضافـة 11/02/2024   رقم المحتوى 39470
أضف تقييـم