وجه آخر من سرديات الغربة في ... رصاصة عبر الهاتف دراسة نقدية |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : يوسف عبود جويعد رواية " رصاصة عبر الهاتف" للروائي كاظم السعيدي، تنتمي الى الكتابات السردية لتيار الغربة اذا صح التعبير، كون تلك السرديات أخذت حيزاً كبيراً، ومساحة واسعة في فن صناعة الرواية في البلد، وضخت الكثير من النصوص السردية الروائية، واختلفت تلك الروايات بحسب طبيعة وظروف وحياة كاتبيها والطريقة التي غادر فيها البلد، والظروف القاسية والصعبة التي واجهته وهو يشق طريق هارباً نحو المجهول. وهذه الرواية تقدم لنا حالة من حالات الهروب نحو هذا المجهول، بعد أن تعرض بطل الرواية لتهديد بالقتل من خلال مكالمة هاتفية: "- لم أرد عليه.. صعقتني المفاجئة، لفني الصمت، احتضتني الدهشة، لأستعيد توازني النفسي.. راح يمطرني بسيل من السباب بمفردات بذيئة خارجة عن طور الأدب ( ابن الكذا.. والكذا..) أينما تحل نحن نتابعك، ويعانقنا اليقين بالظفر بك، إعلم أنَّ أعيننا تتابع ظلك، ولن تفلت من فخ مصيدتنا." (ص 9) فلا يجد بداً الا النجاة بنفسه والبحث عن ملجأ آمن يأوي اليه، ووسيلة تخرجه من هذا الضنك وهذا الموت الذي يطارده في بلده. استخدم الروائي اسلوب المتابعة والرصد والمراقبة للمشاهد اليومية التي يعيشها بطل الرواية مازن وهو يخوض غمار عملية الهروب، من الحدود العراقية المتاخمة لايران، كما أنه نقل التفاصيل الدقيقة من المرويات والشيئيات التي مر بها خلال رحلته المضنية، حيث يلقى القبض عليه من قبل السلطات هناك، فيطلب اللجوء من جور ما حدث له في بلده، الا أنه يصر أن يكون لجوؤه الى باكستان، وانصياعاً لرغبته ينقل الى الحدود الباكستانية، وهناك يطلب اللجوء الا أن السلطات الباكستانية اودعته السجن لحين التأكد من صدق اقواله، ونتابع المقارنة بين السجون الثلاث حيث المعاملة السيئة والقاسية في سجن البلد وكذلك الحال في سجن ايران، ثم المعاملة الحسنة والاحترام في السجون الباكستانية، بعدها يطلق سراحه، ليعيش داخل باكستان لمدة سنتين من ضنك العيش وقلة المال والطعام، بعد ان قدم طلب لجوء آخر الى النرويج، وتتم الموافقة على طلبه ويغادر باكستان الى النرويج ليستقر في ربوعها وخضرتها وجزرها وشلالاتها وجوها الممطر البارد دوماً. كذلك اعتمد الروائي على المشاهد السردية الروائية الحوارية في عملية سير الحركة السردية، وابتعد عن الوصف بشكل واضح، والمعروف أن الوصف يعد حالة استراحة من حركة السرد المستمرة، واعادة تهيأته لمواصلة المتابعه. بدت لنا اللغة السردية في هذا النص الروائي غير مستقر ومطعمة بأكثر من اسلوب حيث طغت عليها اللغة الانشائية واحياناً تكون متكلفة مصطنعة ثم تعود الى اللغة السردية، لغة الحكاية. وبعد أن يستقر في النرويج يفاجأ بمكالمة هاتفية من أخيه الذي وصل تواً الى اوكرانيا، هارباً من جور وظلم السلطة في البلاد هو الآخر، فيسر لهذا الخبر ويسافر الى اوكرانيا ليلتقي اخيه، وهناك وخلال حضورهم الصلاة في المسجد يلتقي بناتاشا ووالدها ويبهر بجمالها الاخاذ فيعجب بها، وتبادله نفس المشاعر لنتابع علاقة عاطفية نشأت بينهما، تتصاعد مع مسيرة الحركة السردية والاحداث: " عدتُ أدراجي مع أخي إلى شقته.. كان الطريق الذي سلكانه، بحيث كنا نسير خلفهما، مما جعل ناتاشا تكرر التفاتتها نحوي عدة مرات مطلقة سهام عينيها الساحرتين، مثيرة أحاسيسي ومشاعري بجمالها الأخاذ الذي لا يضارعه جمال. حتى نسيت أنني أسير مع أخي.. كنت مشدوداً لالتفاتتها، مسمّراً نظراتي بوجهها المشرق، المملوء بهاءً وحياءً.. لقد أطاحت بعقلي وفكري.. وشغلتني كثيراً بعينيها الضاحكتين.. حتى أدركت، أنها أعجبت بي.. حد التعلق، غير أنني أكثر تعلقاً منها في ذلك، لزمت الصمت سائراً جنب أخي مطرقاً، بعد أن انعطف الأب وابنته في أحد الأزقة، التي لا تبعد عن العمارة التي تقع فيها شقتنا ." (ص 74 ) وهكذا تتوطد تلك العلاقة من خلال اللقاءات المستمرة بينهما، وكذلك تتوطد علاقة مازن واخيه بأسرة ناتاشا، الاب والام والاخت الصغرى، ويزداد التعارف اكثر ويحكي مازن حكايته ومعاناته في بلده، كذلك الحال لاٍسرة ناتاشا. وبالرغم من المبالغة الواضحة والتكرار في العملية السردية لاكثر من مرة في الحضور الى المطاعم، وظهور النادل وهو يحمل المشويات والاكل، وكذلك تناول الفطور وتناول الطعام في بيت ناتاشا، وشقة اخيه، وهي مشاهد مكررة لا ضرورة لها وكان على المؤلف ان يبتعد عنها والاهتمام بحركة الاحداث وتنميته اكثر: " راحت الملاعق تعانق الصحون برغبة وشهية .. لكننا رحنا نتناول الطعام باستحياء وأدب، حيث لأول مرة تدعونا عائلة أجنبية. وكلما تناولت الملعقة لأضعها في فمي، ارفع بصري.. أرى ناتاشا تنظر إليّ من طرف خفي.. تعانقها الابتسامة." (ص92 ) ونتابع حركة مازن واهتمامه من أجل الارتباط بناتاشا، حيث يهيأ كل المستلزمات الضرورية لأتمام الزواج، ولم يجد أي صعوبة أو اعتراض من أسرة ناتاشا ورغبة الاب والام بهذا الارتباط. ليتم هذا الزواج. رواية " رصاصة عبر الهاتف" للروائي كاظم السعيدي، قدمت لنا وجه آخر من حياة ابناؤنا الذين هربوا من جور السلطة والظلم في البلد، ليعيشوا حياة الغربة والحرمان من احضان الوطن الدافئة، ويعملوا على ان تكون تلك الحياة بديلة لابد منها عن الحياة في البلد. من اصدارات الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق لعام 2023
|
المشـاهدات 415 تاريخ الإضافـة 24/03/2024 رقم المحتوى 42522 |