الخميس 2024/5/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
اختلال منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية في العراق مشكلة خطيرة بحاجة إلى التأمل والدراسة والبحث
اختلال منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية في العراق مشكلة خطيرة بحاجة إلى التأمل والدراسة والبحث
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.م.د. صدام العبيدي
النـص :

القيم مصطلح يشير إلى مجموعة من المقاييس والقوانين الصادرة عن جماعة ما يتخذونها معايير للحكم على التصرفات ويكون لها قوة الإلزام ويعد الخروج عليها بمثابة الانحراف عن قيم الجماعة ومثلها العليا، والمجتمع العراقي على مر الأزمان كانت تحكمه مجموعة من القيم الاجتماعية والأخلاقية من أبرزها الصدق والأمانة والعفة والغيرة والشهامة والحياء والمروءة والنجدة والتسامح والايثار وغيرها من القيم والمبادئ التي أتصف بها العرب على مر العصور والأزمان وجاء الإسلام ليرسخ هذه المبادئ والقيم في نفوس الناس جميعاً، فالإسلام دين الخلق والحياء والعفة والمروءة والشجاعة والكرم، إلا أن منظومة القيم هذه تعرضت خلال العقود الأخيرة خصوصاً بعد الاحتلال الأمريكي للعراق للاختلال، فهذا الاحتلال كان له دور كبير في استهدف عناصر هذه المنظومة القيمية التي كانت المجتمع العراقي يتبناها ويعتز بها حيث شجع هذا الاحتلال الفساد الإداري والمالي ودعم الفاسدين حتى أصبح الاختلاس والرشوة وسرقة المال العام قلما تخلو منه دائرة أو مؤسسة حكومية، فصار أخذ الرشوة أمر طبيعي وسمة بارزة في علاقة الموظف بالمواطن، وأصبح الاختلاس وسرقة المال العام شطارة، والنزاهة رجعية وتخلف، حتى كادت النزاهة ونظافة اليد أن تكون عملة نادرة، حيث تنامت في المجتمع العراقي نزعة الحصول على المال بأي طريقة بغض النظر عن مصدر المال، المهم الحصول لي ولو كان عن طريق السرقة والاختلاس وخيانة الأمانة، في حين كان المجتمع العراقي سابقاً ينظر إلى الموظف المرتشي والمختلس والسارق نظرة احتقار وازدراء ويعد هذه السلوكيات نوعاً من الانحراف وفقدان الشرف في وقت كانت هذه السلوكيات قليلة جداً ومحدودة وليست بهذا الحجم الواسع. كما عُرف المجتمع العراقي بالغيرة والنخوة والدفاع عن المرأة واحترامها في حين أصبح التحرش الجنسي في وقتنا الحاضر ظاهرة مستفحلة في المجتمع حيث أحتل العراق المرتبة الثانية بمعدلات التحرش بالنساء بين دول المنطقة، فصار التحرش بالنساء ظاهرة ماثلة للعيان حيث تتعرض النساء للتحرش في الشوارع والمتاجر والمولات والمدارس والجامعات والمستشفيات والمؤسسات على نطاق واسع، فالعراق يمر بأسوأ مرحلة في تاريخه الطويل فالتحرش اللفظي والجسدي غدا ظاهرة مستشريه تمارس علناً في الأماكن العامة من غير حياء ولا خجل ولا خوف. ومن جانب أخر كان العراق من أنظف البلدان من المخدرات، إلا أن الاحصائيات أشارت في السنوات الأخيرة إلى انتشار المخدرات وتعاطيها في العراق بشكل مخيف جداً، ففي احصائية لمستشفى ابن رشد للأمراض النفسية في بغداد أظهرت وجود ثلاثة مدمنين على المخدرات من بين كل عشرة أفراد في العراق، فيما أكدت احصائية لمكتب المخدرات ومتابعة الجريمة التابع للأمم المتحدة عن عدد تقريبي لنسبة المدمنين بين الشباب العراقي بعد 2003، حيث ذكر تقرير الأمم المتحدة أن من بين كل عشرة أشخاص تتراوح أعمارهم بين (18- 30) سنة يدمن ثلاثة. كما عُرف المجتمع العراقي سابقاً بالحياء والخجل فكانت كلمة عيب تترد كثيراً على أفواه الآباء والامهات وأولياء الأمور على سبيل التوبيخ والتقريع والنصح لا بنائهم إن صدر منهم شيء لا ترتضيه العادات والتقاليد والأعراف، لهذا كان يوقر كبير السن ولا يرد عليه وإن صدر منهم إهانة لمن هو أصغر منه، فيمتنع الصغير عن الرد لأن الرد على الكبير عيب، وكانت المرأة تحترم وتكرم في الأماكن العامة والطرق ووسائط النقل فكان الرجل يقوم لتجلس المرأة مكانه في السيارة، وتقدم في الطابور ولا يرد عليها الرجل وإن تجاوزت عليه بالكلام أو بدر منها اساءة له، لأن التجاوز على المرأة عيب، ناهيك عن النظر إليها والتعرض لها والتحرش بها، كان الرجل العراقي رجل بمعنى الكلمة في تصرفه وكلامه وفعله وشكله ولبسه، فلا ميوعة ولا تخنث ولا تشبه بالنساء في الملابس والحركات والكلام، أما اليوم صرنا لا نميز في بعض الأحيان بين الشباب والبنات، فتقليد البنات ووضع المكياج ولبس الإكسسوارت (السلاسل والأساور) سمة بارزة تُميز الكثير من الشباب، كان الرجل والشاب في المجتمع العراقي سابقاً معروفاً بالوقار والهيبة والرزانة أما اليوم فالخفة سمة من سمات الكثير من الشباب فتراه في المناسبات والأفراح وحفلات التخرج يرقص كالنساء بل أن بعضهم قد تفوق على النساء في الرقص وهز الخصر، وكم رأينا عبر وسائل التواصل الاجتماعي شباب يرقصون رقص لا تجيده حتى النساء! وقد ظهر أحد الخريجيين في حفلة تخرج يضع قطعة من القماش على خصره وهو يرقص أمام زملائه الشباب والبنات من غير خجل ولا حياء وغيره الكثير، حتى أصبح الرقص في حفلات التخرج من قبل الشباب أمراً طبيعياً وغير مستنكر وكأن حفلات التخرج لا تقام إلا بالرقص! في حين كان من المفترض أن تكون هذه الحفلات على درجة من الرقي والحشمة كما كانت عليها حفلات التخرج في السابق، كون هؤلاء المتخرجين يمثلون النخبة المتعلمة والمثقفة في المجتمع فهم قادة المستقبل وبناة الدول، فرقص الشباب ظاهرة جديدة على المجتمع العراقي لم يعرفها سابقاً إلا في نطاق ضيق جداُ، لأن الرقص كان يعتبر من خوارم المروءة ونواقض الرجولة، أما اليوم فأصبح رقص الشباب أمراً طبيعياً وغير مستنكر، هذه نماذج على اختلال منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية في العراق وهذا الاختلال لمنظومة القيم لا بد أن يحظى بالاهتمام من قبل الباحثين والمختصين من علماء النفس والاجتماع ورجال القانون وعلماء الشريعة فيتولون دراسة أسبابه لعلهم يستطيعون تشخيصه وإيجاد العلاج الناجع له من خلال الإرشاد والتثقيف وتشريع القوانين وربط الناس بدينهم الذي ينكر هذه السلوكيات وبالتي إعادة المجتمع إلى مثله وقيمه التي كان عليها سابقاً.

 

المشـاهدات 99   تاريخ الإضافـة 30/03/2024   رقم المحتوى 42893
أضف تقييـم