الأربعاء 2024/5/1 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 21.95 مئويـة
هذيان رجل محموم في قنزة ونزة للروائي العراقي شوقي كريم حسن
هذيان رجل محموم في قنزة ونزة للروائي العراقي شوقي كريم حسن
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

حسن الموسوي

 

يواصل الروائي العراقي شوقي كريم حسن إصدار رواياته التي تعتمد على العناوين الغريبة و التي تجعل القارئ في لهفة لمعرفة معاني هذه العناوين .و يقول شوقي كريم حسن ان العنوان حيلة جاذبة ، فهو يراعي الجانب التسويقي خلال اختياره لموضوعة العنوان .

فبعد الانتهاء من كتابة أي رواية و طباعتها يطمح الكاتب ، أي كاتب أن يسوق منجزه الأدبي في الأسواق من خلال عملية منظمة و تعد غرابة العناوين من الأمور التسويقية أيضا بالإضافة إلى الترويج من خلال الإعلان و المعارض .

و عنوان هذه الرواية هو قنزة ونزة و هي كلمة سومرية و تعني مرض الانفلونزا أو الدوار ( الدوخة ) أو الكلام غير الموزون .

و من الأمثال الشعبية العراقية ( ما بيها قنزة ونزة ) و تعني غير مصابة بالإنفلونزا .

و هنا السؤال ، هل ان الكاتب كان مدركا لما يكتب أم انها تداعيات رجل مصاب بالقنزة ونزة ، و كانت الكتابة نتيجة لتداعيات ذلك المرض و ما رافقه من هذيان الحمى و هنا يكون الإنسان غير مدرك لما يقول ، و بما ان الكاتب صاحب رسالة فهو بالتأكيد يكون مدركا لما يكتب ، و لكن جاءت هذه الكلمات على لسان رجل محموم .

و يشكل العنوان العتبة التي من خلالها نستطيع أن نلج إلى المتن السردي و هو يختصر المتن بأكمله بكلمة واحدة أو عدة كلمات .

مقدمة هذه الرواية نجد مقطعا من الأوديسة ( أين ذاهب أنت أيها التعس ، شاردا فوق هذه التلال و غريبا في هذا القفر من الأرض و وحيدا ) و المقدمة من العتبات النصية .

و أعتقد ان هذه المقدمة لها صلة بالهذيان المحموم الذي يطلقه الكاتب في وجه الأحداث المأساوية للمجتمع .

نجد في الغلاف و الذي هو من العتبات النصية أيضا ، صورة لفتاة و بالقرب منها الدلة التي تصنع فيها القهوة و هنا إشارة إلى أن المصاب بالقنزة ونزة بحاجة إلى السوائل الساخنة التي تساعده على التغلب على المرض ، أما الغلاف الأخير فنجد ( في محنة العبور ممنوع التفكير بغير العبور نفسه ، الوراء الذي يثقل خطواتنا يحاول دائما ان يشدنا الى الوراء ، الأحلام لا يمكن أن تتجاوز الوراء هذا ، ثمة أكف تلوح فارة من ضيم مقابرنا العتيقة التي غدت لا تكترث لهذا الكم اليومي من التوابيت ) .

يقول الروائي باولو كويلو ( الرجال لا يحلمون بالعودة أكثر مما يحلمون بالرحيل ) .

انه الصراع من أجل الهروب و عدم النظر الى الخلف ، فالمعادلة دائما تكمن في ترك الماضي و محاربته رغم صعوبة ذلك ، و رغم حرص الماضي على أخذنا إلى حدوده المقيتة و عمله على تثنية العزيمة ، و هذا ما نجده واضحا في المقدمة ( أين ذاهب أنت أيها التعس )

و نجد في هذه الرواية الجمل الفلسفية التي اعتاد الكاتب على استخدامها في مواضع كثيرة من هذه الرواية ، حيث ان الفلسفة كانت حاضرة و بكثرة و في أكثر من حوار ، يقول الكاتب ( تعرفين جوليا ، الانسان كائن خلق من مستحيل ، لهذا السبب ترينه دائما يبحث عن مستحيل ليهشم وجوده ، انا أمامك مثلا جئت لأهشم فحولتي بين أفخاذ بنات الغرب المسكين ) ص 127 .

و في موضع آخر يقول ( مشكلتنا يا صاحبي و نحن نمارس لعبة التيه هو البحث عن منقذ .. لكن المدن التي دسناها و أدمنا صخبها لا تمنحنا منقذا ، لأنها لا تعرف له قيمة .. أبناء الفقر و الأكاذيب هم من يحتاجون الى منقذ يعيد توازن الكون ) ص128 .

ان استخدام التنقيط يدل على التوقف القليل ، و من ثم معاودة الحوار في دلالة على واقعية الحوار ، و بالتالي يؤدي الحوار وظيفته المنشودة من ايحاءات حسية و حركية .

و الحوارات الفلسفية هي من الأساليب التي اختص بها الروائي شوقي كريم حسن في أغلب أعماله الأدبية ، حيث يعتمد الفلسفة بابا كي يلج منها إلى عقلية القارئ و بالتالي الوصول إلى المتعة الحقيقية للقراءة .

، و ايضا تمرير رسائله بكل حرية .

و يعتبر الحوار البنية الأساسية في السرد الروائي ، و من خلاله نستطيع أن نكتشف مكونات الشخصيات و مستوياتها الثقافية و طريقة التعامل مع الحياة ، و يعد الحوار من الأساليب التعبيرية في الرواية .

و يقسم الحوار إلى قسمين داخلي ( المونولوج ) و هو الحوار مع النفس , و خارجي ( الديالوج ) و هو الحوار بين شخصيتين أو أكثر .

و غالبا ما يؤدي الحوار بجميع أنواعه إلى نجاح الرواية أو فشلها تبعا لطريقة الكاتب في إدارة دفة الكتابة .

نجد الحوار الداخلي ( المونولوج ) في أكثر من موضع في هذه الرواية ، و لعل المحاورة بين البطل و شيطانه هي الأبرز ، يقول الكاتب ( ـ قلت لك لنترك الأمر لمصادفة ثانية ، ـ و قلت لك قد لا تجيء مثل تلك المصادفة .. أنت تخون ما اتفقنا عليه .. الآخر الذي أدمن النفايات و الحدائق يريد الانتصار عليننا و هذا ما لا أسمح به ) ص212 .

استخدم الكاتب اللغة الشعرية في كتابته لهذه الرواية و قد أجاد فيها ، و يعرف المختصون الجملة الشعرية على أنها ( الجملة التي تستمد عطاءها من التركيب النحوي و اللغوي و الاسلوبي و العروضي و البلاغي ) .

تصنف هذه الرواية على أنها من الروايات الاجتماعية ، و تعرف الرواية الاجتماعية على أنها ( رواية أدبية خيالية تناقش في قصتها عبر شخصيات الرواية مشاكل اجتماعية سائدة في العصر ) .

و تتحدث الرواية الاجتماعية عن التغييرات التي تطرأ على المجتمعات و مدى تفاعل الشعوب مع هذه الأحداث .

ان المهمة الأسمى لأي كاتب تتمثل في تشخيص الأمراض الاجتماعية و إبراز هموم و مشاكل المجتمع من خلال شخصيات الرواية ، بغية معالجة تلك الأمراض التي تنخر بالمجتمع .

في بداية هذه الرواية يتحدث الكاتب عن العلاقة السيئة بين أجداده و كل ما يرتبط بالمعابد بصلة و كأنه يفتخر بهذه العلاقة السيئة و يحاول أن يبين بأنه سائر على نهج أجداده .

و من البداية يعلنها بكل صراحة حين يقول ( أجدادنا الأوائل خاصموا الآلهة ، لوثوا عروشهم بروث الجواميس و أعلنوا تمردهم الذي استمر لمواسم طويلة ، قطعوا مصبات الأنهار لكي لا يصل الماء الى المعابد و شبوا النار عن عمد في بيادر الحنطة التي كانت تمنح الأرباب سر قوتهم ) ص 9 .

و حيثما كانت المعابد كانت السلطة ، فالعلاقة بين الحاكم و المحكوم هي من أقدم أنواع العلاقات ، فحيثما كان هناك تجمع للبشر في أي مكان من هذا العالم ، كان هناك حاكم و محكوم .

و غالبا ما يسيطر المعبد على سلوك الإنسان ، و وفقا لنظرية المعبد فإن الأرض هي ملك للإله و على البشر أن يخدموا فيها ، و هم العبيد المسخرين لأداء هذه الخدمة .

كانت ثيمة الموت حاضرة في أغلب أعمال شوقي كريم حسن و كأنه لم يغفل يوما عن الموت لذلك نراه يقول و باللهجة العامية العراقية ( صدك عود ليش نموت .. و اشفنة من عمرنا .. ليش نموت كي يحيا الجنرال ) ص 10 ، يقول القاص ناجي التكريتي ( اننا نهوى خلودا في الحياة و نباري و نماري للنجاة ، غير ان العمر محدود السمات و كل شيء سائر نحو الممات ) .

و يقول الكاتب في موضع آخر من هذه الرواية ( يقول نابليون .. حيرة ، ـ بل أجده المعنى الوحيد الذي يستطيع ان يجيب عن الأسئلة التي تدوخ رؤوسنا ) ص 48 .

و هنا اعتراف من الكاتب بأن الموت هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة كل الأسرار التي قام الفلاسفة بطرح أسئلتهم عنها .

ليس هناك خوف من الموت ما دامت حياة الإنسان تنتهي به ، و من يؤمن بهذا فقد نال الطمأنية و راحة البال ، يقول فيكتور هيجو ( ليس هناك ضرر في الموت ، المرعب حقا هو أن لا نعيش ) .

و جدلية الحياة و الموت كانت حاضرة في أغلب أعمال شوقي كريم حسن ، و في هذه الرواية أخذ الكاتب بطرح عدة أسئلة فلسفية ، و هذه الأسئلة المتعلقة بالحياة و الموت قد حيرت عقول الفلاسفة  و لم يجدوا لها حلا مقنعا .

لماذا جئنا إلى هذه الحياة بغير ارادتنا ؟

و لماذا نغادرها مسرعين و بغير ارادتنا أيضا ؟

يقول الكاتب ( علمونا في المدارس الميتة الفكر ان الحياة محصورة بين بابين تدخل من هنا لتخرج من هناك .. ما فائدة دخول و خروج اذا لم تترك أثرا .. و من يهتم بالأثر الذي تترك .. هنا كل أثر له حساب ، و كل قول له معنى محدد و واضح ) ص129 .

و هنا مفارقة عجيبة في هذا العالم ، فدائما نجد أن الجنرال يضحي بجنوده المساكين من أجل تنفيذ مخططاته المشبوهة و المسومة بجنون العظمة ، و دائما ما يكون الفقراء و المساكين هم ضحايا مغامرات الجنرال .

يتحدث الكاتب عن الحروب العبثية و تداعياتها ، فالخوف قد أصاب الجميع ، حيث المعارك الطاحنة التي لا تبقي على أحد ، و حتى لو فكر الجنود بالهرب ، ففرق الإعدامات بانتظارهم ، و مهمة فرقة الإعدام هي تصفية كل من يكون متواجدا خلف القطعات ، و إذا كتب لأحد الجنود النجاة ، فإنه سيتم اعتقاله أما في الطريق أو بمداهمة بيته حين وصوله و النتيجة هي رميه في أحواض التيزاب .

كذلك طفت على السطح ممارسات غريبة تمثلت بقتل الآباء لأبنائهم بسبب هروبهم من الخدمة العسكرية طمعا في تكريم الدكتاتور له ، و قيام الأم المفجوعة بولدها بزج أبناءها الآخرين في أتون الحرب المستعرة طمعا بالجائزة و التي كانت تمنح لضحايا مغامرات الدكتاتور الرعناء .

أي معادلة رخيصة ، حياة الإنسان مقابل قطعة أرض أو مقابل سيارة دفع ثمنها ملوك و أمراء الدول المجاورة ، يقول الكاتب ( أية أمومة هذه التي تحول ابن .. فلذة كبد الى سيارة أو قطعة أرض ، وطن لا يمنحك بيتا ان لم تعمد عرش سلطانه بدم ) ص 130 .

و التضحية بدماء الفقراء و المساكين عادة منتشرة منذ بدء الحضارات ، حيث كان يتم التضحية بالأبناء في معابد الكهنة ارضاء لنزوات الملوك و الجبابرة .

يكون حيوان الكركدن من ضمن الشخصيات التي تدير اللعبة السردية لشوقي كريم حسن في أغلب أعماله الأدبية .

و الكركدن حيوان ضخم الجثة لكنه غبي جدا ، و هنا المفارقة ، فالشخصية السلبية التي تتمتع بالسلطة و الغباء في آن معا يكون اسمها الكركدن .

و في هذه الرواية أيضا يكون الكركدن أحد الشخصيات .

اللعبة تكمن في أنسنة الحيوان و بالتالي يكون الكاتب بعيدا عن المساءلة القانونية و لا يستطيع أي كان من رجال السلطة باتهامه بالسب و القذف و الطعن ، يقول الكاتب ( هز الكركدن رأسه برضا و حبور ، ثم تقدم بخطوات عسكرية رصينة ، لم أنتبه لحقيقة ما يجري ، كان الكركدن قد وشم كتفيه بنجوم صفر و نسر عجز عن اختراق جموده و خيط أحمر ) ص 192 .

و رغم أن الكاتب قد تطرق لأحداث و ممارسات في حقبة زمنية مهمة من تاريخ العراق الحديث و ، و ذكر أحداث لازالت راسخة في الذاكرة الجمعية إلا أنه أعترف أخيرا بأنه  كل ما قاله ناتجة من هذيان رجل محموم ، يقول الكاتب ( حقيقة ان كل ما دونته هو سفه و لا يمكن الارتكان إليه ، سفه ثرثرات موحشة و وحشية صنعتها الحرب التي منحتني فرصة للهروب الذي خلق مني كائنا غارقا بالدناءات و الشر ) ص 222 .

و كعادة الكاتب شوقي كريم حسن في المزاوجة بين الرواية و المسرحية ، فقد استخدم الحوار المسرحي في أكثر من منطقة في هذه الرواية ، و هذه الميزة انفرد بها الكاتب عن بقية الكتاب ، يقول الكاتب ( راحت الستارة تنزاح ببطء ، لتكشف عن حقيقة موجعة ، جعلتني أصاب بالذهول فأستكين غير عارف بما يمكن أن أفعله ........ ميري ، و ما لبثت الأصداء ان تعالت بتردد أقرب الى الاحتجاج ، لم تأبه المرأة لتوقفي و بغتة اختفى المشهد ) ص 222 .

 بقي ان أشير إلى أن هذه الرواية هي من اصدارات دار ميزوبوتاميا في بغداد و تتكون من 223 صفحة و من القطع المتوسط

المشـاهدات 87   تاريخ الإضافـة 05/04/2024   رقم المحتوى 43324
أضف تقييـم