هذيان رجل محموم في قنزة ونزة للروائي العراقي شوقي كريم حسن |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : حسن الموسوي
يواصل الروائي العراقي شوقي كريم حسن إصدار رواياته التي تعتمد على العناوين الغريبة و التي تجعل القارئ في لهفة لمعرفة معاني هذه العناوين .و يقول شوقي كريم حسن ان العنوان حيلة جاذبة ، فهو يراعي الجانب التسويقي خلال اختياره لموضوعة العنوان . فبعد الانتهاء من كتابة أي رواية و طباعتها يطمح الكاتب ، أي كاتب أن يسوق منجزه الأدبي في الأسواق من خلال عملية منظمة و تعد غرابة العناوين من الأمور التسويقية أيضا بالإضافة إلى الترويج من خلال الإعلان و المعارض . و عنوان هذه الرواية هو قنزة ونزة و هي كلمة سومرية و تعني مرض الانفلونزا أو الدوار ( الدوخة ) أو الكلام غير الموزون . و من الأمثال الشعبية العراقية ( ما بيها قنزة ونزة ) و تعني غير مصابة بالإنفلونزا . و هنا السؤال ، هل ان الكاتب كان مدركا لما يكتب أم انها تداعيات رجل مصاب بالقنزة ونزة ، و كانت الكتابة نتيجة لتداعيات ذلك المرض و ما رافقه من هذيان الحمى و هنا يكون الإنسان غير مدرك لما يقول ، و بما ان الكاتب صاحب رسالة فهو بالتأكيد يكون مدركا لما يكتب ، و لكن جاءت هذه الكلمات على لسان رجل محموم . و يشكل العنوان العتبة التي من خلالها نستطيع أن نلج إلى المتن السردي و هو يختصر المتن بأكمله بكلمة واحدة أو عدة كلمات . مقدمة هذه الرواية نجد مقطعا من الأوديسة ( أين ذاهب أنت أيها التعس ، شاردا فوق هذه التلال و غريبا في هذا القفر من الأرض و وحيدا ) و المقدمة من العتبات النصية . و أعتقد ان هذه المقدمة لها صلة بالهذيان المحموم الذي يطلقه الكاتب في وجه الأحداث المأساوية للمجتمع . نجد في الغلاف و الذي هو من العتبات النصية أيضا ، صورة لفتاة و بالقرب منها الدلة التي تصنع فيها القهوة و هنا إشارة إلى أن المصاب بالقنزة ونزة بحاجة إلى السوائل الساخنة التي تساعده على التغلب على المرض ، أما الغلاف الأخير فنجد ( في محنة العبور ممنوع التفكير بغير العبور نفسه ، الوراء الذي يثقل خطواتنا يحاول دائما ان يشدنا الى الوراء ، الأحلام لا يمكن أن تتجاوز الوراء هذا ، ثمة أكف تلوح فارة من ضيم مقابرنا العتيقة التي غدت لا تكترث لهذا الكم اليومي من التوابيت ) . يقول الروائي باولو كويلو ( الرجال لا يحلمون بالعودة أكثر مما يحلمون بالرحيل ) . انه الصراع من أجل الهروب و عدم النظر الى الخلف ، فالمعادلة دائما تكمن في ترك الماضي و محاربته رغم صعوبة ذلك ، و رغم حرص الماضي على أخذنا إلى حدوده المقيتة و عمله على تثنية العزيمة ، و هذا ما نجده واضحا في المقدمة ( أين ذاهب أنت أيها التعس ) و نجد في هذه الرواية الجمل الفلسفية التي اعتاد الكاتب على استخدامها في مواضع كثيرة من هذه الرواية ، حيث ان الفلسفة كانت حاضرة و بكثرة و في أكثر من حوار ، يقول الكاتب ( تعرفين جوليا ، الانسان كائن خلق من مستحيل ، لهذا السبب ترينه دائما يبحث عن مستحيل ليهشم وجوده ، انا أمامك مثلا جئت لأهشم فحولتي بين أفخاذ بنات الغرب المسكين ) ص 127 . و في موضع آخر يقول ( مشكلتنا يا صاحبي و نحن نمارس لعبة التيه هو البحث عن منقذ .. لكن المدن التي دسناها و أدمنا صخبها لا تمنحنا منقذا ، لأنها لا تعرف له قيمة .. أبناء الفقر و الأكاذيب هم من يحتاجون الى منقذ يعيد توازن الكون ) ص128 . ان استخدام التنقيط يدل على التوقف القليل ، و من ثم معاودة الحوار في دلالة على واقعية الحوار ، و بالتالي يؤدي الحوار وظيفته المنشودة من ايحاءات حسية و حركية . و الحوارات الفلسفية هي من الأساليب التي اختص بها الروائي شوقي كريم حسن في أغلب أعماله الأدبية ، حيث يعتمد الفلسفة بابا كي يلج منها إلى عقلية القارئ و بالتالي الوصول إلى المتعة الحقيقية للقراءة . ، و ايضا تمرير رسائله بكل حرية . و يعتبر الحوار البنية الأساسية في السرد الروائي ، و من خلاله نستطيع أن نكتشف مكونات الشخصيات و مستوياتها الثقافية و طريقة التعامل مع الحياة ، و يعد الحوار من الأساليب التعبيرية في الرواية . و يقسم الحوار إلى قسمين داخلي ( المونولوج ) و هو الحوار مع النفس , و خارجي ( الديالوج ) و هو الحوار بين شخصيتين أو أكثر . و غالبا ما يؤدي الحوار بجميع أنواعه إلى نجاح الرواية أو فشلها تبعا لطريقة الكاتب في إدارة دفة الكتابة . نجد الحوار الداخلي ( المونولوج ) في أكثر من موضع في هذه الرواية ، و لعل المحاورة بين البطل و شيطانه هي الأبرز ، يقول الكاتب ( ـ قلت لك لنترك الأمر لمصادفة ثانية ، ـ و قلت لك قد لا تجيء مثل تلك المصادفة .. أنت تخون ما اتفقنا عليه .. الآخر الذي أدمن النفايات و الحدائق يريد الانتصار عليننا و هذا ما لا أسمح به ) ص212 . استخدم الكاتب اللغة الشعرية في كتابته لهذه الرواية و قد أجاد فيها ، و يعرف المختصون الجملة الشعرية على أنها ( الجملة التي تستمد عطاءها من التركيب النحوي و اللغوي و الاسلوبي و العروضي و البلاغي ) . تصنف هذه الرواية على أنها من الروايات الاجتماعية ، و تعرف الرواية الاجتماعية على أنها ( رواية أدبية خيالية تناقش في قصتها عبر شخصيات الرواية مشاكل اجتماعية سائدة في العصر ) . و تتحدث الرواية الاجتماعية عن التغييرات التي تطرأ على المجتمعات و مدى تفاعل الشعوب مع هذه الأحداث . ان المهمة الأسمى لأي كاتب تتمثل في تشخيص الأمراض الاجتماعية و إبراز هموم و مشاكل المجتمع من خلال شخصيات الرواية ، بغية معالجة تلك الأمراض التي تنخر بالمجتمع . في بداية هذه الرواية يتحدث الكاتب عن العلاقة السيئة بين أجداده و كل ما يرتبط بالمعابد بصلة و كأنه يفتخر بهذه العلاقة السيئة و يحاول أن يبين بأنه سائر على نهج أجداده . و من البداية يعلنها بكل صراحة حين يقول ( أجدادنا الأوائل خاصموا الآلهة ، لوثوا عروشهم بروث الجواميس و أعلنوا تمردهم الذي استمر لمواسم طويلة ، قطعوا مصبات الأنهار لكي لا يصل الماء الى المعابد و شبوا النار عن عمد في بيادر الحنطة التي كانت تمنح الأرباب سر قوتهم ) ص 9 . و حيثما كانت المعابد كانت السلطة ، فالعلاقة بين الحاكم و المحكوم هي من أقدم أنواع العلاقات ، فحيثما كان هناك تجمع للبشر في أي مكان من هذا العالم ، كان هناك حاكم و محكوم . و غالبا ما يسيطر المعبد على سلوك الإنسان ، و وفقا لنظرية المعبد فإن الأرض هي ملك للإله و على البشر أن يخدموا فيها ، و هم العبيد المسخرين لأداء هذه الخدمة . كانت ثيمة الموت حاضرة في أغلب أعمال شوقي كريم حسن و كأنه لم يغفل يوما عن الموت لذلك نراه يقول و باللهجة العامية العراقية ( صدك عود ليش نموت .. و اشفنة من عمرنا .. ليش نموت كي يحيا الجنرال ) ص 10 ، يقول القاص ناجي التكريتي ( اننا نهوى خلودا في الحياة و نباري و نماري للنجاة ، غير ان العمر محدود السمات و كل شيء سائر نحو الممات ) . و يقول الكاتب في موضع آخر من هذه الرواية ( يقول نابليون .. حيرة ، ـ بل أجده المعنى الوحيد الذي يستطيع ان يجيب عن الأسئلة التي تدوخ رؤوسنا ) ص 48 . و هنا اعتراف من الكاتب بأن الموت هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة كل الأسرار التي قام الفلاسفة بطرح أسئلتهم عنها . ليس هناك خوف من الموت ما دامت حياة الإنسان تنتهي به ، و من يؤمن بهذا فقد نال الطمأنية و راحة البال ، يقول فيكتور هيجو ( ليس هناك ضرر في الموت ، المرعب حقا هو أن لا نعيش ) . و جدلية الحياة و الموت كانت حاضرة في أغلب أعمال شوقي كريم حسن ، و في هذه الرواية أخذ الكاتب بطرح عدة أسئلة فلسفية ، و هذه الأسئلة المتعلقة بالحياة و الموت قد حيرت عقول الفلاسفة و لم يجدوا لها حلا مقنعا . لماذا جئنا إلى هذه الحياة بغير ارادتنا ؟ و لماذا نغادرها مسرعين و بغير ارادتنا أيضا ؟ يقول الكاتب ( علمونا في المدارس الميتة الفكر ان الحياة محصورة بين بابين تدخل من هنا لتخرج من هناك .. ما فائدة دخول و خروج اذا لم تترك أثرا .. و من يهتم بالأثر الذي تترك .. هنا كل أثر له حساب ، و كل قول له معنى محدد و واضح ) ص129 . و هنا مفارقة عجيبة في هذا العالم ، فدائما نجد أن الجنرال يضحي بجنوده المساكين من أجل تنفيذ مخططاته المشبوهة و المسومة بجنون العظمة ، و دائما ما يكون الفقراء و المساكين هم ضحايا مغامرات الجنرال . يتحدث الكاتب عن الحروب العبثية و تداعياتها ، فالخوف قد أصاب الجميع ، حيث المعارك الطاحنة التي لا تبقي على أحد ، و حتى لو فكر الجنود بالهرب ، ففرق الإعدامات بانتظارهم ، و مهمة فرقة الإعدام هي تصفية كل من يكون متواجدا خلف القطعات ، و إذا كتب لأحد الجنود النجاة ، فإنه سيتم اعتقاله أما في الطريق أو بمداهمة بيته حين وصوله و النتيجة هي رميه في أحواض التيزاب . كذلك طفت على السطح ممارسات غريبة تمثلت بقتل الآباء لأبنائهم بسبب هروبهم من الخدمة العسكرية طمعا في تكريم الدكتاتور له ، و قيام الأم المفجوعة بولدها بزج أبناءها الآخرين في أتون الحرب المستعرة طمعا بالجائزة و التي كانت تمنح لضحايا مغامرات الدكتاتور الرعناء . أي معادلة رخيصة ، حياة الإنسان مقابل قطعة أرض أو مقابل سيارة دفع ثمنها ملوك و أمراء الدول المجاورة ، يقول الكاتب ( أية أمومة هذه التي تحول ابن .. فلذة كبد الى سيارة أو قطعة أرض ، وطن لا يمنحك بيتا ان لم تعمد عرش سلطانه بدم ) ص 130 . و التضحية بدماء الفقراء و المساكين عادة منتشرة منذ بدء الحضارات ، حيث كان يتم التضحية بالأبناء في معابد الكهنة ارضاء لنزوات الملوك و الجبابرة . يكون حيوان الكركدن من ضمن الشخصيات التي تدير اللعبة السردية لشوقي كريم حسن في أغلب أعماله الأدبية . و الكركدن حيوان ضخم الجثة لكنه غبي جدا ، و هنا المفارقة ، فالشخصية السلبية التي تتمتع بالسلطة و الغباء في آن معا يكون اسمها الكركدن . و في هذه الرواية أيضا يكون الكركدن أحد الشخصيات . اللعبة تكمن في أنسنة الحيوان و بالتالي يكون الكاتب بعيدا عن المساءلة القانونية و لا يستطيع أي كان من رجال السلطة باتهامه بالسب و القذف و الطعن ، يقول الكاتب ( هز الكركدن رأسه برضا و حبور ، ثم تقدم بخطوات عسكرية رصينة ، لم أنتبه لحقيقة ما يجري ، كان الكركدن قد وشم كتفيه بنجوم صفر و نسر عجز عن اختراق جموده و خيط أحمر ) ص 192 . و رغم أن الكاتب قد تطرق لأحداث و ممارسات في حقبة زمنية مهمة من تاريخ العراق الحديث و ، و ذكر أحداث لازالت راسخة في الذاكرة الجمعية إلا أنه أعترف أخيرا بأنه كل ما قاله ناتجة من هذيان رجل محموم ، يقول الكاتب ( حقيقة ان كل ما دونته هو سفه و لا يمكن الارتكان إليه ، سفه ثرثرات موحشة و وحشية صنعتها الحرب التي منحتني فرصة للهروب الذي خلق مني كائنا غارقا بالدناءات و الشر ) ص 222 . و كعادة الكاتب شوقي كريم حسن في المزاوجة بين الرواية و المسرحية ، فقد استخدم الحوار المسرحي في أكثر من منطقة في هذه الرواية ، و هذه الميزة انفرد بها الكاتب عن بقية الكتاب ، يقول الكاتب ( راحت الستارة تنزاح ببطء ، لتكشف عن حقيقة موجعة ، جعلتني أصاب بالذهول فأستكين غير عارف بما يمكن أن أفعله ........ ميري ، و ما لبثت الأصداء ان تعالت بتردد أقرب الى الاحتجاج ، لم تأبه المرأة لتوقفي و بغتة اختفى المشهد ) ص 222 . بقي ان أشير إلى أن هذه الرواية هي من اصدارات دار ميزوبوتاميا في بغداد و تتكون من 223 صفحة و من القطع المتوسط |
المشـاهدات 87 تاريخ الإضافـة 05/04/2024 رقم المحتوى 43324 |
وزارة الدفاع و ممثلية بعثة حلف الناتو يؤكدان مواصلة العمل لرفع كفاءة جميع الصنوف في القوات المسلحة العراقية |
استثنت الإشارات المرورية من القطع المبرمج وتربطها على خطوط الطوارئ الكهرباء تطمئن العراقيين: الغاز الايراني سيزداد مع ذروة الاحمال الصيفية |
أهمية التوثيق أنه يحفظ إنجازات العقل البشري المخرج العراقي خيون: السعودية تعيش زمناً ثقافياً ناهضاً |
وزارة الإتصالات: البريد العراقي يوقع إتفاقية إصدار وشحن بطاقات الدفع الإلكتروني مع الشركة العالمية للبطاقة الذكية |
المركز العراقي لمحاربة الشائعات يدعو لمنع تسريب الاخبار المتعلقة بحالات الانتحار والقتل ونسب الطلاق |