الإثنين 2024/4/29 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
قراءة نقدية تطبيقية في القصة القصيرة "عودة الروح" للقاصة التونسية نجاح عز الدين تحت عنوان: النص السردي الاحتفالي وجرأة الموقف
قراءة نقدية تطبيقية في القصة القصيرة "عودة الروح" للقاصة التونسية نجاح عز الدين تحت عنوان: النص السردي الاحتفالي وجرأة الموقف
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 د. خالد بوزيان موساوي

/ ناقد مغربي

تقتضي منهجية فراءتنا لهذا المتن مقاربة  العناصر المشكلة لِ"البنية الدالة المغلقة" التي تميز القصة القصيرة عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى، السردية منها على وجه الخصوص قبل القيام بعملية التجاوز منهجيا قبل تحليل هذه البنية الدالة في سياقات انفتاحها على محيطها لتكون إطارا مرجعيا لبناء الموقف.

1 ـ البنية الدالة:

أ ـ وصف المتن: ، مصدر المتن: المجموعة القصصية "كوخ من لبن النساء". ـ الكاتبة؟ القاصة نجاح عز الدين / تونس. ـ العنوان؟ "عودة الروح". ـ طبيعة الملفوظ ؟  نص نثري؛ ـ الجنس الأدبي؟ قصة قصيرة؛ ـ نوعية النص؟ سردي. ـ مستوى التبئير؟ "درجة الصفر" (السرد بضمير المتكلم الغائب / هيّ).

ب ـ المحتوى: موضوع الغواية؛ بطله رجل دين/ شاب واعظ مشهور يسقط في أحضان راقصة/ بائعة هوى أثناء حفل أقيم بمناسبة عقد قران  أحد أصدقائه.

ج ـ الخطاطة السردية:

ـ وضعية الانطلاق: بعد عقد قران أحد أصدقائه، يدخل الشيخ الشاب ألى قاعة الحفلات. ويجلس إلى طاولة تليق بمقامه.

ـ  عنصر الإثارة والاضطراب: " فجأة تقتحم المدعوين راقصة في لباس شفّاف لا يكاد يغطي إلاّ أجزاء من جسدها..."

ـ فقدان التوازن والمناعة وضبط النفس: " فالجميع يدخل في نوبة رقص تغيب أثناءها العقول..."؛ أمّا الشيخ الواعظ الشاب فلقد " تحرّكت سواكنه. ومدّ شيخنا عنقه، يتتبّع حركاتها، معانقا مشهد الرّقص، ثمّ انتفض يصفّق بلا توقف، وتعلّقت روحه بروحها، ولم يعد يعي بما حوله ولا هو يفهم ما يفعل...".

ـ وضعية النهاية (القفلة): الخضوع للغواية والارتماء في حضن الرذيلة:

" وينقادان إلى خارج الصالة لا يطلّ عليهما غيرالقمر، فينير بقعة الظلمة الحالكة، يتّحد الجسدان، في المقعد الخلفي للسّيّارة..."؛ لتنتهي القصة بهذه القفلة: ". يفتح النافذة، ثمّ يتفحّص وجهها جيّدا. ويدعوها للصعود بجانبه. وفي لمح البصر غابت السيّارة تطوي الأرض طيّا."

2 ـ البنية الدالة المنفتحة على المحيط:

يبدأ النص ويستمر في جو إحتفالي " إن أنهى شيخنا عقد قران صديقه، حتّى تعالت أصوات النسوة بالزّغاريد." ؛ لذا اقتبسنا صفة "الاحتفالية" من المسرح (المسرح الاحتفالي) لنضفيها على  هذه القصة باعتبارها فنا نثريا/ سرديا/ دراميا/ "احتفاليا" تلجأ في طياته القاصة نجاح عز الدين إلى استحضار وتوظيف الموروث الشعبي بأشكاله الفنية الشعبية الاحتفالية بُغيَة تسليط الضوء على تأثير هذا الإرث الشعبي (الموسيقى والرقص الشعبيين خاصة) على عقول عامة الشعب، بل وحتى على من يدعون تمثيل العقيدة الدينية  ..

لذا، لا يمكن تحليل هذا النص القصصي  كَ "بنية مغلقة" كما يوصي بذلك الشكلانيون  والبنيويون التقليديون (دراسة الخطاب اللغوي، والانزياحات الأسلوبية، والصور البلاغية، مع إقحام "هرم فريتاغ" في المراحل الدرامية القصة، و"النموذج العاملي" لِ غريماص لتحليل خطاطة شبكة الشخصيات أو الشخوص ك"ذوات عاملة" في مجريات أحداث القصة)؛ أي بمعزل عن المرجعية الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والسياسية... لذا استأنسنا بِمُقترحات رائد البنيوية التكوينية لوسيان غولدمان الذي دعا إلى فهم الأعمال كبنيات دالة أوّلاً، ثم ربطها بِبِنيات أوسع وأشمل، هي بالضرورة بِنيات اجتماعية تمثل رؤية العالم لجماعة بشرية ما. ويتعلق الأمر هنا في سياق هذه القصة بفضاء تؤثثه ساكنة سريعة الانقياد والاستلاب؛ تنقاد بسهولة وراء خطابات عقائدية دينية ("ثمّ تقدّم الضيف المبجّل بين جموع المدعوين نحو الصالة الكبرى والتحايا تنهال عليه من كلّ صوب وحدب، فلا أحد ممن في القاعة يجهل وعظه وتوجيهاته، وما نفع تلك القنوات إذا لم تنفع الناس وتنير سبلهم بخطابات شيخنا الشّاب؟")؛ بنفس الوتيرة أو النمطية التي تجعلها ترقص مُسْتَلَبَة مُنتشية بالموسيقى والأهازيج الشعبية ("، تنزلق الرّاقصة بين الجمل الموسيقية ذات الإيقاعات المختلفة فتدور في انسجام تام وتتطابق كلّ نقرة تحدثها حركة أصابع قدميها . فيشعر كلّ من حولها بالرّغبة في الرّقص، وتشدّ إليها العيون والأذهان معا.")؛ وكذلك بالسرعة ذاتها يستيلم الشيخ الواعظ الشاب لِغِواية الراقصة لينغمس في عالم اللذة ويستكين للعشق الممنوع؛"لقد قرّر الآن أن يحيا، لم يعد يستطيع أن يحمّل نفسه مالا طاقة له بها".

ومن هنا نطرح على النص عدة أسئلة منها:

ـ كيف استطاع الشيخ والراقصة معا مغادرة قاعة الحفل وهما محط أنظار الحضور؛ هو لمكانته كواعظ مشهور، وهي كراقصة تجلب كل الأنظار؟

ـ ألهذه الدرجة كانت تأثيرصخب الموسيقى الشعبية يشبه المخدر؟ أم هو عنصر "التكثيف" وهو أهم عناصر القصة القصيرة ما جعل القاصة نجاح عز الدين تقفز على بعض الجزئيات الثانوية؟

ـ لمّا قرّر اليشخ الواعظ الشاب أن "يحيا"؛ هل كان في جلباب الشيخ الواعظ لا يحيا؟

ـ هل معنى"الحياة" كما جاء في هذا السياق هو أن يستسلم لملكوت الملذات و"الرذيلة(؟ !)" بعيدا عن حياة النسك والزهد والتحريم؟

ـ هل الاستسلام للراقصة هو "عودة الروح" كما عنوان هذه القصة؟

يبدو أن القاصة التونسية المبدعة نجاح عز الدين كانت جريئة إلى أبعد حدّ في هذه القصة بسخريتها اللاذعة بمجتمع يذعن لغرائزه وينساق وراء أهواء الموسيقى والرقص كما وراء مخدّر، وبوضع الأصبع على الجرح بالتشكيك في أهلية ومصداقية خطاب بعض رجال الدين الوعاظ، وبوصف الموقف الحميمي (ممارسة الجنس في السيارة) بدقة الذي دار بين الشيخ والراقصة،

خاتمة: وظفت القاصة المبدعة التونسية نجاح عز الدين تقنية التعتيم في "القفلة" عن المصير المنتظر؛ نقرأ: " وفي لمح البصر غابت السيّارة تطوي الأرض طيّا"؛ هل هو تجاوز للواقع المعيش؟ أم هروب إلى الأمام؟

ولا يتبقّى لنا كقراء سوى الاكتفاء بإنزال الستار باعتبار النص القصصي ليس خطابا فلسفيا أو إيديولوجيا؛ وإنّما قصة/ جنس أدبي من وحي خيال يترتّب عنها موقف جريء عبر قنوات المجاز.

 

المشـاهدات 76   تاريخ الإضافـة 14/04/2024   رقم المحتوى 43617
أضف تقييـم