الثلاثاء 2024/4/30 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 26.95 مئويـة
هيلما.. سيرة مبتكرة التجريدية التي أخفت لوحاتها لعقود بعد موتها
هيلما.. سيرة مبتكرة التجريدية التي أخفت لوحاتها لعقود بعد موتها
فن
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

علي المسعود

حياة المبدعين مثيرة حقا، فالكثيرون منهم لا ينالون التقدير والاهتمام الكافيين في حيواتهم، بل وقد تطالهم السخرية والتهميش ومن ثم النسيان، ليتم الكشف عن أعمالهم ومواهبهم الفذة في وقت لاحق بعد رحيلهم بزمن، وهذا حال الفنانة السويدية هيلما أف كلينت، التي سرقت منها ريادة الفن التجريدي، وها هو مواطنها المخرج لاسي هالستروم يعيدها إليها مضيئا تفاصيل من سيرتها.‏منذ ما يقرب من قرن من الزمان، نسبت دورات تاريخ الفن الفضل إلى الرسامين الروس كازيمير ماليفيتش وفاسيلي كاندينسكي كمبتكرين لأصول الفن التجريدي. ولكن الآن، تبين أسبقية الفنانة التشكيلية السويدية هيلما أف كلينت في تجريب اللوحات التجريدية والتي سبقت الفنانين الروس. وقد تم تجاهلها لعقود ولم تسمح (حسب طلبها) بعرض أعمالها إلا بعد 20 عاما من وفاتها، لذلك لم يتم التعرف والإطلاع على أعمالها التشكيلية على نطاق واسع حتى ثمانينات القرن العشرين. ولم تؤخذ كلينت على محمل الجد كفنانة جزئيا ربما لأنها كانت امرأة.تم إصدار فيلم وثائقي عن مسيرتها الفنية بعنوان “ما وراء المرئي” إنتاج عام 2019 من إخراج هالينا ديرشكا وتناول أهمية كلينت الفنية وخيالها، وبعد ‏‏أول معرض فردي كبير‏‏ لها في الولايات المتحدة في متحف غوغنهايم في نيويورك، لنكتشف رسامة تجريدية سويدية رائدة تسبق أعمالها كاندينسكي وموندريان ولكنها منسية في التاريخ حتى وقت قريب.ويعرض فيلم آخر سيرتها الذاتية وهو من إخراج السويدي لاسي هالستروم مع زوجته لينا أولين وابنته تورا، حيث تمثلان شخصية الرسامة في أعمار مختلفة. ويركز المخرج المخضرم على الظلم الذي لحق بالرسامة بسبب جنسها في مجتمع ذكوري مهيمن.في أحدث أفلام المخرج السويدي هالستروم ‏‏”هيلما‏‏”، يحاول تحويل قصة حياة أف كلينت وكفاحها كفنانة إلى قصة ملهمة. هذا العمل هو اعتراف متأخر بعمل الفنانة هيلما أف كلينت وريادتها للفن التجريدي. تبدأ الدراما في ستوكهولم عام 1944 حين تستعيد هيلما المسنة (لينا أولين) شريط حياتها أثناء رحلتها في عربة الترام في شوارع ستوكهولم وهي تحدق من نافذتها. يقطعنا التصوير إلى لقطة مقربة. تملأ عينان متأملتان ومعبرتان الإطار بينما يعود صاحبهما إلى عام 1880، هيلما الأصغر سنا والأكثر راحة (تؤديها الممثلة تورا هالستروم ابنة المخرج بجدية وتفكير – تلعب الغميضة مع أختها الصغيرة هيرمينا (إيمي تجيرنستروم) في أوقات قصيرة الأجل وأكثر سعادة. في بداية نشأتها، كانت هيلما تعتبر نفسها عالمة وتعتقد أن كل شيء في العالم بما في ذلك الطبيعة والفن مترابط.‏الشابة هيلما مفتونة بالعلم وكذلك جمال الطبيعة وزهورها والغوص في أعماق البحر التي قام جدها بقياسها ورسم خرائطها. وهي ترى الفن وسيلة للبحث وفهم العالم. ينظر إلى كلا الشقيقتين على أنهما فضوليتان بشأن العالم الطبيعي من حولهما، ويرغبان في استكشاف ورسم خارطة لكل شيء حرفيا في العالم بأسره.منذ البداية، تعرضت هيلما إلى الانتكاسة الأولى بسبب وفاة أختها الصغرى، تأثرت في فنها بوفاة أختها الصغيرة المفاجئة كما تأثرت بميولها الروحية.‏ هذا الفقدان المأساوي جعلها مهتمة بشدة بالعالم الروحاني، ويكبر بدخولها إلى الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في سن الـ20، في الوقت الذي تقترح والدتها (آنا بيورك) على هيلما العثور على زوج، لكن هيلما المشاكسة تصر على أنها لم تذهب إلى مدرسة الفنون للزواج، تتمنى والدتها الغاضبة أن تقوم هيلما مرة واحدة فقط “بفعل شيء تفعله الفتيات”.في الأكاديمية يبرز التميز الجندري حين تمنع الطالبات من الدخول إلى المدرسة من الباب الأمامي المخصص للرجال فقط. تخلق صداقات وثيقة مع نساء أخريات في الفصل. تلتقي بزميلتها الطالبة آنا كاسيل (‏‏كاثرين تشالك‏‏) التي تشاركها اهتمامها بهذه القوى غير المرئية. جنبا إلى جنب مع ثلاث نساء أخريات، يشكلن مجموعة تسمى مجموعة الخمسة.في مدرسة الفنون – المقسمة حسب الجنس – تلتقي هيلما بسيغريد (ميف ديرمودي)، وماتيلدا (ليلي كول)، وكورنيليا (ريبيكا كالدر)، والأهم من ذلك آنا (كاثرين تشالك)، اللاتي يشاركنها اهتمامها بالروحانية ويشكلن مجموعة “الخمسة”، يستخدمن الطقوس للتواصل مع الموتى واستخدام الأرواح بمساعدتهم، بدأت في إنجاز أعمال تجريدية ضخمة وملونة.فقدان أختها الصغيرة جعلها تميل إلى الاهتمام الكبير بالتواصل مع عالم الروح وإلى جلسات مع وسيط روحاني. إنها تربط توجيه الوسيط لعالم الأرواح من خلال الكتابة التلقائية بالصور التجريدية النابضة بالحياة للحلزونات والدوائر التي تخلقها وتصر على أن خيالها ليس هو الذي ينتج هذه اللوحات ولكن ما تراه. إنها تفكر في نفسها كعالمة وباحثة، مع اعتبارها الفن “أداة بحثية” أو “خارطة لكل شيء”.تدرس هيلما أعمال فيلسوف نمساوي بارز يدعى رودولف شتاينر (‏‏توم ولاشيها‏‏) وهو أيضا له تأثير على كاندينسكي والفنان الهندسي التجريدي بيت موندريان، تشير الفنانة التجريدية أف كلينت في أكثر من مناسبة إلى الفيلسوف شتاينر على أنها متأثرة به وبأفكاره وهو متجذر في روحها وتدعوه لرؤية أعمالها الفنية ومشاهدة اللوحات الكبيرة التي ترفعها النساء إلى العوارض الخشبية، ويكشفن عن دوائرهن التجريبية بألوان ملفتة للنظر. بالرغم من أن الرسامة كانت خائفة ومترددة في عرض أعمالها بعد أن تلتقي شتاينر الذي كان في زيارة لمدينة ستوكهولم. إنه مشجع في زيارته الأولى لمشغل الفنانة هيلما لكنه يرفض فكرة العمل التجريدي.على الرغم من أن شتاينر معجب ومشجع في البداية، إلا أنه رفض لاحقا عمل هيلما ولم يشجعها على الأسلوب التجريدي باعتباره يفتقر إلى الاتصال بروحها. ومع ذلك، يخبر هيلما أن “الفن يجب أن يأتي من روح الفنان”، وأن الرسم وفقا للمعلمين الروحيين ليس “خلقا”. تصريحات شتاينر تدمرها لأنها يائسة للحصول على موافقته.يتم تجاهل امرأة رائعة سابقة لعصرها إلى حد كبير على الرغم من المساهمات الكبيرة في مجالها، بينما تسلط الأضواء على نظرائها من الرسامين الذكور الأضواء وكل المجد. في هذا الصدد، كانت أف كلينت نفسها هي التي اخترعت فكرة الرسم التجريدي قبل سنوات من فاسيلي كاندينسكي، أحد أكثر الحداثيين والرسامين التجريديين احتراما في كل العصور.يخلق المخرج هالستروم توازنا لطيفا بين سهولة الوصول والغموض في عرضه للسيرة الذاتية، ويحصل على قدر كبير من المساعدة من أداء ابنته تورا الممتع والدافئ في أول دور بطولة لها في شخصية الرسامة ( هيلما) في فترة شبابها.‏‏‏‏تلعب والدتها الحقيقية لينا أولين دور هيلما الأكبر سنا. يركز هالستروم بشكل خاص على وصول هيلما إلى مدرسة الفنون كفنانة جائعة وطموحة للحياة البرية والأصداف البحرية والزهور. يطلب منها هي والعديد من الطالبات الأخريات المتحمسات بشكل مثير للغضب استخدام المدخل الجانبي هناك في أكاديمية الفنون، بصحبة أربع نساء أخريات؛ كورنيليا (ريبيكا كالدر)، ماتيلدا (ليلي كول)، سيغريد (ميف ديرمودي) وكاسيل (كاثرين تشالك).تشكل هيلما مجموعة تسمى “الخمسة”، وهي مجموعة روحية تدرس الفلسفة معا وتخلق الفن بشكل جماعي وتشكل رابطة أخوية من نوع ما. هيلما عبقرية حقيقية بقيت رؤيتها الغامضة مخفية لعقود حتى أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر شهرة. يقول الفنان الأميركي جوزايا ماكلهاني، مشيرا إلى تأثر وأخذ فنانين كثر من أعمال كلينت واستلهامهم منها، إنها “فنانة معروفة بلوحاتها التجريدية واسعة النطاق ورسوماتها النباتية. لم تشارك أبدا أعمالها التجريدية مع معاصريها، وأرادت إخفاءها عن العالم حتى يصبح المجتمع جاهزا لذلك. كانت كلينت هيلما ثورية وجريئة بالمعنى الفني الحقيقي للكلمة، وتعد أول فنانة أصرت على أن تستخدم موديلا عاريا من الذكور، وبدأت في الضغط ضد المعايير التاريخية للفنون في وقت مبكر وانتقلت إلى متابعة نموها الفني حتى أخصلت للتجريد”.‏كان تعطش هيلما للمعرفة العلمية وفهمها الواسع للعالم يشكلان مزاجها الفني. لكن اللحظة الحاسمة في حياتها هي الموت المبكر لأختها الصغيرة الحبيبة هيرمينا، والتي قادت هيلما إلى الاهتمام المستمر بالتصوف والروحانيات. تتحدى هيلما عائلتها وتسجل في مدرسة الفنون، ترتبط برباط أخوي مع مجموعة من الفنانات والمفكرات اللواتي يشكلن مجموعة، يتعاونّ في تنفيذ أعمال فنية تجريدية ضخمة وملونة أثناء استكشافهن للروحانية والفلسفة والتصوف.أثرت هذه المجموعة النسائية بشكل كبير على كلينت في فنها ويعتقد أنها ساعدتها في تحقيق “لوحات للمعبد”. ‏تظهر هيلما كيف أن التحيز الجنسي وصلابة المؤسسة الفنية في وقتها جعلا من الصعب على شخصية غريبة الأطوار وغريبة الأسلوب أن يتم الاعتراف بها وتقديرها. كانت جريئة وسابقة لعصرها وروحا حرة، وهذا بلا شك، ساهم في انزعاج المؤسسة الفنية وفصلها.يقدم الفيلم الوثائقي العديد من الصور للوحات هيلما أف كليمنت الضخمة والملونة‏ إلى جانب عينة غنية من الصور الفوتوغرافية والمرئيات الأخرى والتي غالبا ما يتم وضعها جنبا إلى جنب مع صور مماثلة لفنانين حديثين معروفين جاؤوا لاحقا. ويوضح الفيلم الوثائقي أن لوحات هيلما كلينت الجريئة والرائعة كانت رائدة وسابقة للوحات كاندينسكي وبيت موندريان وبول كلي وآخرين.يعطي السيناريو مساحة واسعة للمتعاونين مع هيلما، حيث تتناغم النساء ويتصادمن بمرور الوقت. هناك مساحة قصيرة هنا للرجال أيضا، كمنتقدين لا يرحمون ومؤيدين غامضين لعمل هيلما. في الفئة الأولى يوجد رودولف شتاينر الفيلسوف النمساوي الذي يحاول أن يطمس موهبة الرسامة هيلما ويحبط شغفها الفني.في حديثه عن المشروع، قال المخرج هالستروم “إنه استلهم صنع هذا الفيلم عن حياة كلينت لأنها تغلبت على الكثير من العقبات وخلقت فنا تجريديا قبل ست سنوات من كاندينسكي، كانت متقدمة عليهم جميعا، لكنها لم تقدم أي معرض”.

المشـاهدات 55   تاريخ الإضافـة 14/04/2024   رقم المحتوى 43713
أضف تقييـم