الخميس 2024/5/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 27.95 مئويـة
نعم، لا، ربّما
نعم، لا، ربّما
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

شعر : أديب كمال الدين

 

 

الذين يقولون: إنَّ أصلَ الحرفِ نقطة،

يفهمون في الأبجديّةِ فقط ولا يفهمون في الحُبّ.

ذلك أنّ أصلَ الحُبِّ نقطة،

أعني نقطة الباء.

*

في الكتابِ الذي أعدتُ كتابةَ مسودّته للمرّةِ الألف،

كتبتُ إهداءً قلتُ فيه الكثيرَ لكنّي نسيتُه.

النّسيانُ داءٌ عظيمٌ يصيبُ العشّاقَ والمجانين والمنفيين.

أعراضُه كتابةُ الشِّعرِ وطَرْق بابِ الحرفِ دونَ جدوى.

أحياناً،

وهذا سرّ أرجو أن لا يصدّقه أحد،

يطرقون بابَ الموت .

ليسَ مُهمّاً مَن هم الذين يطرقون بابَ الموت.

المُهمّ أنّني أسمعُ طَرْقَ البابِ الآن

لكنّني لن أفتحَ الباب

إلى أن أنتهي من كتابةِ هذه القصيدة.

*

انتقلتُ كثيراً من مدينةٍ إلى أُخرى،

أعني من قصيدةٍ إلى أُخرى.

كنتُ أنتقلُ بالباصِ أو الطائرةِ أو الحلم

بعينين تفيضان بالدمع،

وهذه عادةٌ سيئةٌ دونَ شكّ

لمَن يعاني مِن مصاعب في النومِ أو في السّرير.

مَن قال: إنَّ الحياةَ حلمٌ؟

لا أعرفُ، لكنّه لم يكنْ كذّاباً أبداً .

*

معَ أنَّ القصيدةَ غير مُرقّمة

فإنّني أحاولُ أن أضعَ الرقمَ الصحيحَ لها حتّى أتوازن

أي حتّى لا أتحوّل إلى حرفٍ طائر أو نقطةٍ تائهة.

*

ماتَ الشَّاعرُ الكُحوليّ

وكانَ يسقطُ من السّريرِ أثناءَ النوم.

أنا مثلهُ أسقطُ من السّريرِ أثناءَ النوم

معَ أنّني لا أشربُ الخمرَ أبداً.

هل في هذا ما يدعو إلى الضحك؟ ربّما.

*

بدأ الشَّاعرُ الكحوليُّ يقفزُ على السّريرِ من الفرح

وأنا أقرأُ له قصيدةً عن الجمرِ والخمر

لكنّه قالَ لي

وأنا أحاولُ عبثاً تمشيطَ شَعْري أمامَ المرآة:

ابْقَ هكذا يا صديقي، أنتَ تحاولُ والشَّعْر يرفض.

انتهى حوارُ الشِّعرِ والشَّعْرِ حينَ سقطتْ قذيفةٌ بيننا،

فذهبَ هو إلى أقصى النُّقطة ليموتَ وحيداً

وأنا ذهبتُ إلى أقصى الحرف

لأموتَ وحيداً أيضاً.

ولم يكنْ في موتنا فرْقٌ سوى فرْق التوقيت.

*

هذا كتابٌ عن الحُبّ

لكنّه غير مخصصٍ للعُشّاق.

العُشّاقُ الآن يشاهدون أفلاماً من الدرجةِ العاشرة

ليمارسوا فنَ القُبْلة.

في زمني كانَ الحرفُ هو السبيل إلى ذلك،

ولذا كانَ الحرفُ مُصاباً

بداءِ العاطفةِ المُلتهبةِ وبأغنياتِ السذاجة.

أنفقتُ أربعين عاماً

لأخلّصَ الحرفَ من العاطفةِ والسذاجة

حتّى تحوّلَ إلى صخر.

هل أنا صخرٌ؟ لا أظن.

*

الأنبياءُ كانوا عُشّاقاً أيضاً،

عُشّاقاً بعيونٍ زادها الكحلُ جمالاً.

كانوا يعشقون الحقيقةَ ويكتبون رسائلهم إلى الله

فيتقبّلها منهم بقبولٍ حَسَنٍ.

الآن أنا أعيشُ في زمنٍ لا أنبياء فيه.

إنّما فيه قِرَدة من كلِّ نوعٍ

تلوكُ الحروفَ والنقاط،

وترقصُ على المسارح،

وتلعبُ بالملايين،

وتطلقُ النّارَ بسرعةِ البرق

على كلِّ مَن يخالفها الرأي

حتّى لو كانَ على نوعِ الرقصةِ فقط.

*

الجملُ المبتورةُ، لا القصيرة، هي عمادُ القصيدة.

القصيدةُ خرجتْ عن المسارِ حتماً.

الفقراءُ يغرقون في البحرِ فيضحكُ الأثرياءُ من الأعماق

وهم يشربون الكونياكَ بالثلجِ والليمون.

وحينَ تسقطُ القنابلُ على رؤوسِ الفقراء

يسارعُ مذيعون أغبياء

ومذيعاتٌ أشدّ غباء

لنقلِ الأخبارِ السّعيدةِ في قنواتِ التلفزيون.

أنا سعيدٌ لأنّني لا أملكُ جهازَ تلفزيون

إذ بعتهُ قبلَ الحربِ بأيّام

وصرتُ أقضي الليلَ وحيداً

أتأمّلُ في بياضِ الجدارِ كأيّ فيلسوفٍ عظيم.

*

"الشّتاءُ كثيرُ الغيوم"

هذا هو عنوان قصيدةٍ كتبتُها قبلَ أربعين عاماً

ونشرتُها في مجلةِ صديقي الشَّاعر الذي هربَ سرّاً

إلى المجهول

ونسي، بالطبع، أن يردَّ على رسائلي.

ثُمَّ جاءَ مَن يكتبُ ليكتب كثيراً

عن شتائي وغيومي دونَ معنى

فقد كانَ خفيفاً أو مُؤدلَجاً حدّ اللعنة.

الآن تركَ الخفّةَ والأدلجة

بعدَ أن غرقَ بيتُهُ بالطوفان

فلم يعدْ يُميّز ما بين الحروف

بل لم يعدْ يُميّز ما بين الشّمس والغيوم.

*

كم تمنيتُ أن أرسمَ حروفي بالألوان

لكنّني أعيشُ في شقّةٍ ضيّقة

وقد منعني صاحبُ العمارة

مِن إدخالِ الألوانِ إلى الشقّة.

مع أنّه يعطفُ عليَّ

فيشتري نُسَخَاً مِن كتبي بسعرٍ رمزيّ،

ويرسلُ إليَّ كلّ إسبوع مبلغاً من المال

كي أدفعَه إليه كإيجار

أو كثمنٍ للهواءِ الذي أتنفسُّه باستمرار!

أليسَ هذا أمراً مُضحكاً؟

نعم، لا، ربّما.

المشـاهدات 64   تاريخ الإضافـة 20/04/2024   رقم المحتوى 44017
أضف تقييـم