الجمعة 2024/5/10 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 21.95 مئويـة
من الشريف الحسين وفيصل الأول مروراً بعبد الناصر وعبد الكريم قاسم وعود الأقوياء وقوانينهم سراب الضعفاء وكارثتهم
من الشريف الحسين وفيصل الأول مروراً بعبد الناصر وعبد الكريم قاسم وعود الأقوياء وقوانينهم سراب الضعفاء وكارثتهم
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب حسين فوزي
النـص :

لست مؤرخا موهوباً فيً القدرة على توثيق و تحليل الماضي وتأثيره على رسم حاضرنا مثل أ. د. مؤيد الونداوي، لكني أحاول بقدرات متواضعة تسليط بعض الضوء على ماضٍ رسم الحاضر، علنا نستطيع رسم مستقبل أفضل بلا سراب الشعارات.سواء راق لنا أم لم يرق، فأن الغرب الرأسمالي كان وسيظل زمناً طويلاً مركزاً رئيساً من مراكز المعرفة والعلوم والتقدم الحضري قبيل الحربين العالميتين الأولى والثانية، مقارنة بالإمبراطورية العثمانية الآفلة المعتمدة على النظام شبه الاقطاعي المنتقل بخطوات بطيئة نحو التطور الرأسمالي، التي "أزاحها" الضابط الشجاع الراحل مصطفى علي رضا (مصطفى كمال اتاتورك) رسمياً عام 1923.وسواء راق لنا أم لم يرق فأن مفهوم الأمة جاءت به الثورة الفرنسية العظمى الرأسمالية لإلغاء الاقطاعيات الملكية، وإقامة سوق موحدة تستوعب تنامي الإنتاج الصناعي، وكنا في الشرق، ضمنه الإمبراطوريتان العثمانية والفارسية، متلقين لمفهوم الأمة والقومية، التي تعدهما المفاهيم الإسلامية خروجاً مارقاً على طبيعة الإسلام "الأممية".وقد تلقف الشريف الحسين أمير مكة وابناؤه المفهوم القومي للأمة ممزوجاً ببعض التعاليم الإسلامية، في طموح للاستقلال وإقامة دولة عربية موحدة. وسعى الحسين لتحقيق حلمه إلى التواصل مع أعداء العثمانيين، من خلال مراسلاته مع هنري مكماهون المندوب السامي البريطاني في القاهرة. فيما كان البريطانيون والفرنسيون يسعون لتخفيف الضغوط العسكرية عليهم، بمشاغلة الجيوش العثمانية في الأراضي العربية وبقية الشرق، أو بالأقل تثبيتها، كي لا تتحول إلى مساندة الهجمات الألمانية في أوربا.وهكذا أعلن الشريف الحسين الثورة العربية في حزيران 1916، وكله ثقة وابناؤه في وعود بريطانيا بإقامة الدولة العربية المنشودة، ضمن تخادم لمصالح بريطانيا وحلفائها في دحر العثمانيين والالمان، ثقة بصدق نوايا الحلفاء. وهي الوعود التي كشفت موسكو السلطات البلشفية كذبها، حين أعلنت النصوص الكاملة لمخطط تقسيم البلاد العربية المعروفة باسم اتفاقية سايكس بيكو.وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وتكبد المانيا والعثمانيين أعباء مالية كبيرة وخسائر بشرية كبيرة، بدأ الشريف حسين يطالب البريطانيين تنفيذ وعودهم في إقامة الدولة العربية الكبرى، ووصل الحد به تصور قدرته على أن تشمل مملكته العربية الكبرى فلسطين، لكن "غدر الغادرون" كان بالمرصاد، فهم يمتلكون قوة المال والسلاح والجيوش المنظمة، فيما لم يكن يملك الشريف حسين، ملك نجد والحجاز بعدها في اذار 1924، سوى الوعود وقوات من القبائل البدوية وبعض الضباط العرب ممن تخرجوا من الحربية العثمانية وتنوروا من الخبرات الألمانية.كانت بداية الكارثة، اطلاق يد عبد العزيز آل سعود في محاربة الملك الحسين واجباره على التنازل عن العرش، من بعد احكام "الاخوان" بقيادة السلطان عبد العزيز تطويقهم لمكة والطائف، ونجاحها في  دخول الطائف ومكة عام 1924. فأجبر الملك الحسين في 5 تشرين الأول 1924 على التنازل الشريف عن العرش لنجله الأكبر علي، و نقله البريطانيون "متكرمون" إلى منفاه البائس في قبرص.هذه المحنة التي قوضت طموحات الثورة العربية الكبرى في إقامة الدولة العربية الموحدة، اجترحت في عقول الأميرين فيصل وعبدالله ومعهما الملك المخلوع علي درساً مؤلماً بشأن حقيقة ما تعلنه القوى الكبرى من مبادئ ووعود وما يترشح ويصفو منها في الواقع العملي عند التعامل مع الضعفاء في البلدان المتخلفة لوالنامية.لذلك تبنى الملك فيصل الأول عند أعتلائه عرش العراق مبدأ "خذ وطالب"، خذ ما يقدمه لك السادة الأستعماريون من القوى الكبرى، ووظف الضغط الشعبي للمناورة في الحصول على المزيد، دون الانزلاق إلى مواجهات تحسمها موازين القوى، وإن كان "الطوب احسن لو مكواري" في مواجهات 1920، أجبرت البريطانيين على تعجيل الحكم المحلي العراقي برئاسة حاكم عاقل وصحب من الضباط الحجازيين موثوق استيعابهم لدرس الثمن الباهض لأحلام الملك الحسين الوردية.هذا الدرس ومعادلاته، مكن فيصل الأول من بناء أسس دولة العراق الحديثة، في ظل خيمة الحماية البريطانية، مزرعة لإنتاج حبوب رخيصة وأرض شاسعة مكتظة الاحتمالات النفطية. وعلى هذا النهج الموضوعي المتوازن سار نوري باشا السعيد وفاضل الجمالي، وكان الأمير عبد الإله الوصي على عرض فيصل الثاني، قد استوعب مبكراً افول نجم الأمبراطورية البريطانية، فكان يسعى لتوظيف بناء علاقات وطيدة مع الإدارة الأميركية ومبادئ روزفلت، من اجل تعزيز فرص بناء العراق وطموح دولة عربية موحدة، تكون نواتها العراق وسورية.لكن الصراعات الدولية بين القوتين العظميين اللتين افرزتهما الحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي، والصراع الخفي حتى قبيل اندلاع الحرب الباردة علناً بينهما، وفي ظل ميل المواطنين العراقيين، وقواهم السياسية اليافعة، إلى الاندفاع وراء الشعارات البراقة، وطموح خوض معارك التحرير بأي ثمن، في ظل غياب منفذ مباشر من الطرف المواجه للغرب، أدى إلى تصاعد مشاعر العداء للغربيين، ومواجهات متعددة، سواء باسم الثورات أو الثورات التصحيحية، فيما برزت إسرائيل العصا الغليظة لضرب كل من يتجرأ على الأصطفاف خارج ما رسمته سايس بيكو. وكان نظام الشاه في الوقت نفسه طرفاً في معادلة الضغط على الثوار العرب من أجل إعادة رسم خارطة الأمبراطورية الفارسية.وفي ظل الحماس والشعارات، ظلت مصر وسورية والعراق والجزائر ساحات مواجهة ودماء، حيث حلم السيادة العربية والدولة الكبرى، فيما ظلت محميات الخليج العربي: الكويت ومشايخ الامارات العربية المتحدة لاحقاً، وقطر وحتى سلطنة عمان، سالمة من المجازر والحروب والدمار في استنزاف الثروات والخسائر البشرية، لتصبح "دويلات" يتمنى مواطنو الثورات العربية ان يكونوا مثلها؟!!وهكذا أفل نجم الملك الشريف الحسين وحيداً في منفاه، وسفك دم فيصل الثاني ونوري باشا السعيد وعبد الكريم قاسم ومات عبد الناصر مهموماً متعباً، في ظل الفشل في وعي المواطنين والحكام معادلة "خذ وطالب" التي ابتدعها عقل باني العراق الحديث فيصل الأول، حيث كانت عصا إسرائيل والمنازعات الدامية محلياً أدوات الإمبريالية في "تأديب" كل من يتجرأ على مصالحها الاستراتيجية بدون تحسب لنتائج موازين القوة.واسمح لنفسي القول إن الدولة الفارسية، وسلطات إيران الحديثة، كانت وستظل مستوعبة لموازين القوى بدون وهم تغليب الشعارات، فهي تعرف متى تتقدم، ومتى تنسحب، حين يلوح الغرب بموازين القوى الشاملة، لذلك ظلت إيران تبني حتى بعد الثورة الإسلامية، فيما نحن قد هدمت بناننا التحتية حروب عبثية وشعارات خيالية ووهم انتصار المبادئ بدون مقومات ترفدها بالقوة. وهي مفاهيم استوعبها لينين في إقامة الدولة السوفيتية حين هادن الألمان وسلمهم جمهوريات البلطيق الأربع في صلح بريست ليتوفسك في أذار  1918.. وأدركها ماوتسي تونغ فركب المعدات الأميركية معص خصمه شن كاي شيك لمحاربة اليابانيين لدحرهم ، ومن ثم اعتمد العون السوفيتي في محاربة كاي شيك الذئب الذي تحالف معه ضد اليابانيين برعاية أميركية سوفيتية. وأدركه هوشي منه حين اعتمد الدعم السوفيتي في محاربة الفرنسيين، ومن بعدها الدعم لطرد الأميركيين...ويظل موطننا في المقاهي يتحدث بسهولة في وصم السياسيين بالعمالة، دون وعي أن التخادم الدولي وحده من ضمانات النصر الأساسية، فطمن عبد الناصر وعبد الكريم قاسم الغربيين عشية تحركهما التزام النظام الجمهوري بكل المواثيق الموقعة مع الغرب.وفيما نحن نعيش لذة الشعارات الحدية يواصل حفنة من مغذي هذه الشعارات نهب البلاد ودفعنا للوراء نحو الطائفية والعشائرية والجهوية.

 

 

المشـاهدات 95   تاريخ الإضافـة 27/04/2024   رقم المحتوى 44539
أضف تقييـم