الثلاثاء 2024/5/14 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
وجه آخر للقصة القصيرة في .. مخالب دراسة نقدية
وجه آخر للقصة القصيرة في .. مخالب دراسة نقدية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

                                    يوسف عبود جويعد

المجموعة القصصية (مخالب) للقاص جمال نوري، نحت منحاً معاصراً من حيث الأسلوب الذي اتخذه القاص سياق فني ورؤية فنية اعتمد فيها على فن صناعة القصة القصيرة والقصيرة جداً، كونه أبتعد عن التفاصيل والشيئات والمرويات التي يعتمد عليها القاص في عملية بناءها، وجعلها مادة أدبية خفيفة وقصيرة، مستنداً على الثيمة أو الفكرة بؤرة رئيسية ومركزية لسير العملية السردية التي تنضوي تحتها بقية الادوات والعناصر المرتكزات الاساسية للقصة القصيرة، فكلها تتحرك بشكل متوحد ومتزن في خدمة الثيمة وتنميتها وتفعيلها ضمن المسار الفني منذ نشأتها في متن النص السردي القصصي وحتى وصولها ونضجها ووضوحها في نهاية النص، دون الحاجة الى إطالتها أو مدها بتلك التفاصيل الدقيقة التي هي وجه آخر من عملية بناء الفن القصصي، حيث نجد النصوص التي ضمتها هذه المجموعة تكون بين القصة القصيرة التي تحمل بعداً فنياً آخر، والقصة القصيرة جداً، كون لا تتعدى كل قصة عن صفحة أو أكثر بقليل، لكنها مضغوطة ومكثفة توظف لخدمة حركة السرد، والتي تبعدها عن التقليد  اواالقوالب الجاهزة وكذلك عن الترهل او الزيادة أو الملل، وهي ضمن رغبات القارئ المعاصر، الذي يود دوماً انواع من السرد القصصي الخفيف والسريع والذي يمضي لتحقيق اهدافه ومبتغاه، ويحقق فيه الخطاب الادبي المطلوب والرسالة الانسانية التي يهدف الى تدوينها ضمن عملية الكتابة القصصية.

وفي القصة القصيرة ( مخالب) التي حملت المجموعة القصصية عنوانها، نجد تلك المخالب التي تعكر صفو الحياة وتبعد الصفاء واحساس بالطمأنينة والقدرة على اداء الواجبات الزوجية، بعد ان أخذ منه الوهن والكبر والعجز الكثير، وفي توليفة فنية متراكبة بين لوحة المرأة ، والاسد الذي لم يستطيع  كبح جماح اللبوات الخمسة اللواتي وجدنه غير قادر على حمايتهن أو القيام بواجباتهن، فهجمن عليه بمخالبهن وانقظن عليه، ليتنحي عن مهمته في قيادتهن وحمايتهن، ثم ينتقل القاص الى  الرجل الذي يدخن سيكارة تلو أخرى، بعد أن فشل في مهمته مع زوجته، وبات عاجزاً أمامها لينسحب من فراشه حزيناً:

" أطفأ الرجل سيكارته وأوقد أخرى وهو يتلمظ خيبته، مستشعراً بمخالب الليلة الماضية التي أخرجته من ساحة المنازعة مكسوراً ومهزوماً برغم أنه استعان بما يعيد له قوته وفحولته." (ص 8)

ويبدو لنا أن ينبة العنونة (مخالب) وبرغم من كونها عنوان لاحدى النصوص القصصية، وفيها رؤية فنية رمزية، حيث أن تلك المخالب لم تعد حاضرة بواقعيتها بل انها ترمز الى الكثير من الظواهر الحياتية التي تعكر صفو الانسان وتبعده عن صفاء سريرته، وكما وجدناه في القصة السابقة ان الوهن والضعف والعجز، هي تلك المخالب، فأن في القصة القصيرة (البيت الموعود) تنقلنا الى مخالب آخر من تلك المخالب الا وهو قلة الحيلة وضنك العيش وعدم القدرة على ايجاد سكن لزوج وزوجته الا في مكان منعزل وبعيد عن الناس لكونهما لا يستطيعان شراء سكن مريح لقلة المال وبلوغ الشيخوخة:

" ألم تجد مكاناً غير هذا؟ نحن في نهاية العالم..

فرد الرجل جازماً:

- لن تكفي نقودنا صدقيني ولكن هذه الارض أفضل من تلك فهي ما زالت رافلة بالصمت والهدوء..." (ص 12)

وعن المرض والوباء الذي استشرى وأطاح بارواح الكثير من الناس، هذا المرض والوباء هي مخالب اخرى تقض مضاجع الناس، وسنتابع في القصة القصيرة النوارس، معاناة احد الشباب وهو يحاول جاهداً الخلاص من الوباء القاتل الا أنه في النهاية لا يجد له بداً الا الاستسلام والتحليق فوق في السماء مع النوارس:

" أدرك تماماً بأنه أصبح كنسمة خرجت من ركود الغرفة، وتسللت بيسر من بين ظلال أشجار البوكالبتوس وفي طريقه سمع نشيجها ينبعث من غرفتها العلوية، وكأنها أدركت من دون الآخرين عزمه على التحليق عالياً مثل النوارس التي كان يعشقها." (ص 19 )

وتنقل لنا القصة القصيرة ( المغادرة....) نوع آخر من المخالب الا وهو النفوذ والسلطة، حيث نتابع سكان يسكنون بيوتهم الجديدة فرحين، ليتفاجئوا باحد المسؤولين المتنفذين قد اشترى هو الآخر بيت فخم معهم، وتبدأ معاناتهم حيث قسموا الحي السكني بالصبات والحواجز الكونكريتية وبالحراسات المشددة، والتفتيش الى غير ذلك من الامور التي ترافق المتنفذين في مساكنهم، اضافة الى فقدان الامن والامان بسبب تعرض هذا المسؤول الى محاولات هجومية بالقنابل في عقر داره، مما يضطر من السكان الجدد المغادرة:

" بعد أيام قليلة تفاجأ السكان بقطع الطريق المؤدي إلى بيوتهم وتدشين طريق آخر يفضي إلى بيوتهم بعد أن حوطوا البيت الجديد بالكتل الخرسانية الصماء وسيارات الشرطة ومد خط طوارئ خاص للكهرباء وإنشاء العديد من الكرفانات... تأثرت البيوت العشرة المجاورة لبيت المسؤول، وشرع أصحابها بمغادرتها إلى مناطق اخرى بعد أن باعوا بيوتهم بأثمان بخسة، قيل إن المسؤول ذاته قد اشتراها" ( ص 36 )

ضمت المجموعة القصصية (مخالب) للقاص جمال نوري العديد من النصوص القصصية التي لا تسع هذه الدراسة لعرضها، وهي نصوص سرية قصصية تناولت جوانب من الحياة المتعددة، برؤية فنية جديدة ومعاصرة، تؤكد تمكن القاص من اللحاق بركب الحداثة.

من اصدارات دار امل الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع – سورية- دمشق لعام 2023

 

المشـاهدات 70   تاريخ الإضافـة 28/04/2024   رقم المحتوى 44655
أضف تقييـم