الخميس 2024/5/16 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 30.95 مئويـة
الهايكو الوهم غير المتواضع...خيال النثر لا حقيقة الشعر
الهايكو الوهم غير المتواضع...خيال النثر لا حقيقة الشعر
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

د. وليد عويد حسين

إن العمل الأدبي يسعى إلى  تهذيب الجنس البشري من طريق العواطف الصادقة والأخيلة الجميلة ،وهو عماد تقويم حياة الإنسان، إذ يسمو به إلى عالمٍ آفاقهُ ممتدّةٌ بالفكر والخلق الحسن، وهذا هو الأصل في نظم القصيد، وعندما نعود لأقوال علمائنا الأفاضل حول الفن و الأدب كالجاحظ والمبرِّد وابن قتيبة وغيرهم  ممن قعدوا القواعد الأصيلة التي تصلح لكل زمان ومكان نجد مفاهيمهم الأدبية تدعو إلى أولوية الشعر في القيمة والأثر في النفس، إلا أنّنا نلحظ في وقتنا الحالي ضياعًا أصاب القصيدة العربية شكلاً ومضموناً من مسميات مناقضة لأصلها وجذورها التي لا تنتمي إليها بأي فرع من فروعها ولا تتقارب منها بأي شكل من الأشكال، وتوالت هذه  المسميات إلى أن وصلنا إلى ما لا يحتمل قبوله، مسمىً آخرُ أطاح بهيبة المعنى والغاية التي تُنظم من أجلها القصيدة، مسمى (الهايكو) المتهالك في المبنى والمعنى والموسيقى القائم على الحشو المضطرب غير النافع الذي يرمي إلى قتل الوقت بسفاسف الحروف، ونشر الابتذال في الكلمة، إذ يخلو هذا المسمى في حشوه من معالجة الحياة اليومية التي يجب توافرها في أصل القريض، و لا يسمو هذا  الحشو المركب -الهايكو- بالقارئ إلى السماء للتّخلص من شوائب الأرض، ولا يرمي إلى توسيع مدارك الأجيال لفهم الحياة والكون والمجتمع، ولا يدعو إلى الحقّ والعدل والخير والجمال، إذ لابد أن يحمل الأدب لغة فصيحة  تحمل قارئها على السعي للبحث عن نفسه الضّائعة بين دروب هذه الدّنيا التي نحن من أفرادها .. فالأدب رسالة سامية هنيئاً لمن كان أهلا لحملها ..والأدبُ كما في ( تاج العروس) الذي يتأدّبُ به الأديبُ من النّاس، سُمّي به، لأنّه يؤدّبُ النّاسَ إلى المحامد، وينهى عن القبائح .فالشعر قائم على الحسن والقبح المحتكم الى العقل المتذوق هوالذي عليه الفكر المعتزلي الذي ولد النقد الأدبي من رحمه، إذ لابد أن يشهد العقل بصحة كل لفظ حامل لمعنى مؤثر في الذات الإنسانية، وقد أجمع كبار النقاد من العرب القدامى وغير العرب بأن الشعر قائم على الفضيلة، وهذه الفضيلة مقياس ثابت لا علاقة له بتغيير الأزمنة والبيئات، وهذا ما ذهب إليه ابن قتيبة في مبدئه القائم على الثبوت. لذا كل أدب يخلو من إصابة الحس والحسن يكون خواءً لا يسمن ولا يغني من جوعٍ  ولا يفضي الى خلق جمال... وإذا ما أردنا الوقوف عند الأوزان فإننا سنلحظ ذلك التهجين الذي هرع إليه الكثير عندما أرادوا قسرًا إدخال ما يسمى (بقصيدة النثر) تحت مظلة القصيدة التي ذهب كبار النقاد إلى أن الوزن أعظم أركان الشعر فيها، وما تسمى بقصيدة النثر بعيدة كل البعد من أن تدخلها موسيقى الأوزان المعروفة، لذلك لا يمكن أن نلوي عنق المفاهيم الثابتة بسننها وأعرافها المتواترة، وكما لا يمكن قبول ما يسمى بقصيدة النثر بأنها قصيدة ذات وزن داخلي!!! فلابد أن يعي المتلقي بأنَّ الإنسان بطبيعته يرغب بإقامة حوار بين اللسان والقلب والأذن، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الكلام المنظوم الذي يرغب المتلقي من خلاله بتذوق الكلمة المسموعة التي تستهويها الأنفس المجتمعة مع المعنى الهادف، فالنص الشعري كما قال مالك بن دينار عن المؤمن مثل: (( اللؤلؤة أينما كانت كان حسنها معها)). فالقصائد لا يمكن أن تحمل صفة أشياء تبتعد من قواعدها المتواترة، لذا لا يمكن أن نخلع عمامة الفرزدق، والناشئ الأكبر، والبحتري، والشريف الرضي، والمتنبي، والباخرزي ونرتدي (فستان) سوزان بيرنار .... فالعمامة عمامة (والفستان فستان) .... ويمكن تقبل ما ذكر آنفا من مسميات تحت مظلة الشعرية – الجمالية - لا الشعر، فالشعرية كما تلقيناها على يد أستاذنا الكبير الدكتور يوسف إسكندر - أستاذ الأدب الحديث في جامعة بغداد - مصطلح مرن يصلح أن يطلق على كل شيء جميل خاص بقواعده لا قواعد غيره . ختامًا.. اترككم مع هذه القصيدة للشاعر إبراهيم موساوي التي ربما تختزل معنى ما أردنا قوله وبيانه والوصول إليه.

 

هان القريضُ ، وما في الرُّكحِ مُنتفضٌ

 

لمَّا اعْتلى صَهوة الأشعارِ غيرُ أبي

 

.ورامَها دونَ أن يَرقى مَدارِجها

 

غِرٌّ  تَحاذقَ دونَ المُضنِياتِ غَبي

 

وأضرَبتْ فئةٌ عن ضربهِ وأتَت

 

بالشَّكلِ والخَزْلِ والتَّسبيغِ والخَربِ

 

لم  تَدرهِا وهي بالأوزانِ جاهلةٌ

 

لَم تفْهمِ العَقصَ بعد العَضْبِ والعَصبِ

 

حتَّى البحورُ غدتْ في عُرفها عبثًا

 

إذ لمْ تعِ الفرقَ بين الرَّمل والخَببِ

 

حارتْ مفاعيلها  في شأنها حرضًا

 

فما تُفرِّقُ بين  الوِتدِ  والسَّببِ

 

معْ كلِّ ذا  تَنبري الأقلامُ تَنعتُها

 

بغيرِ مااكْتسَبتْ ظُلما ، فواعَجبي

 

لم تكفِها غمَّةُ التَّرميزِ فابْتدَعتْ

 

بِدعًا  من الَّلغوِ  لم يَصدُرْ عن العربِ

 

تُديعهُ  ولها  رأي  تَدلُّ بهِ

 

ما أقبَحَ  الرأي مِمَّن سارَ في الذَّنبِ

 

يا ويلتَى ، أيصيرُ  الشِّعرُ مَرجحةً

 

يَموءُ فيها غُريرٌ في القصيدِ صَبي

 

وتَحتفي إليةُ الشُّعرورِ  راقصةً

 

وقَد  علَا دكَّة الألقابِ  والرُّتبِ

 

ويَغتدي الشَّاعرُ الموهوبُ تَلفحُهُ

 

حُمَّى القوافي ، كما الموبوءِ بالكلَبِ

 

ياليتَ شعري أيطوي البعضُ سِلعَتهُ

 

حتَّى يزولَ كسادُ الشِّعر والأدبِ

المشـاهدات 223   تاريخ الإضافـة 30/04/2024   رقم المحتوى 44751
أضف تقييـم