الأحد 2024/5/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 26.95 مئويـة
تقاسيم على الهامش # عبدالسادة البصري (( حين يُهدى لي كتاب ..!! ))
تقاسيم على الهامش # عبدالسادة البصري (( حين يُهدى لي كتاب ..!! ))
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

كلّما أعود الى البيت محمّلاً بمجموعة من الكتب ترفع صوتها زوجتي قائلة :- أين ستضعها ،والبيت امتلأ كتباً فضاق بنا المكان ؟

أجيبها :- سأقرأها وأتركها في المخزن ، تردّ علي قائلة :- حتى المخزن لم يبق فيه مكان ابدا .

أقف حائراً حينها مقلّباً طرفي بين أرجاء البيت وعشقي للقراءة واقتناء الكتب ،وهذا حال أغلب الأدباء العراقيين وأنا واحد منهم طبعاً ، الذين ما نزال نرزح تحت وطأة الإيجارات مالها وما عليها ، يوم أمس حين فتحت المخزن بحثاً عن كتاب طلبه منّ بيير أحد الأصدقاء عدت بذكرياتي حيث طفولتي وصباي في أوائل سبعينيات القرن المنصرم حين بدأت أتلمّس طريقي في القراءة والبحث عن الكلمة والحدث والصورة الشعرية من خلال شرائي للكتب واستعارتي من مكتبة المدرسة أو المكتبة العامة في قضاء الفاو ، وعندما اتفق أبي ( يرحمه الله ) مع أحد معارفه من النجارين ليصنع لي مكتبة صغيرة على شكل كومدينو بدأت أصفُّ كتبي فيها وأتباهى بها أمام أقراني ، أخذت مكتبتي تكبر شيئاً فشيئاً إذ اتفقت مع صاحب مكتبة أهلية أن يزودني بكل جديد يصل مكتبته من الكتب والمجلات ،ومنها انطلقت أولى شرارات الشعر والكتابة بعدما تملّكتني حرفة الأدب وصاحبني الفقر ، لكنّ فرحي لم يكتمل حيث اشتعلت نار الحرب العراقية الإيرانية فاضطررنا الهروب قسراً من بيوتنا تاركين كل شيء سوى ما خفّ حمله فقط ، لتظلّ كتبي عرضة للنهب والخراب ، وأنا أغادر بيتنا في ذلك الصباح المخضّب بالرطوبة والدموع والحسرات والأسى والزفرات اغتسلت وجنتي بالدمع على مكتبتي ،حينها صرت أنحب بصوت عال لاعناً الحرب ومَنْ أشعلها ، ضاعت مكتبة طفولتي وصباي وبعض شبابي لتبدأ رحلة أخرى مع الكتب ، إذ بدأت أعيد تكوين مكتبة جديدة فصارت أكبر وأكثر عدداً وما تزال تكبر يوماً بعد آخر رغم كل شيء  ، لكنني في كل مرّة تغرورق عيناي بالدموع  وأنا انظر كتبي تأكلها الرطوبة والأرضة بسبب الخزن غير النظامي والانتقال من مكان إلى آخر بحثاً عن مأوى وان كان بالإيجار حتماً ، وقبل أيام سألني أحد الأصدقاء عن كتب مسرحية تضمّها مكتبتي وطلب أن أبيعها له ، أجبته :ــ ثق لا استطيع أن ابحث عن كتاب ما لأنني رزمتها في أكياس وكارتونات ووضعتها في المخزن  حيث التراب والغبار المكدّس عليها وكل ما يصلني من جديد أقرأه وأضعه في المخزن أيضاً حيث تراها وكأنها تلال يعلوها التراب، ألحّ علي أن ابحث والآن ما أن فتحت باب المخزن ونظرت كتبي والتراب يغطّيها حتى انهمرت دموعي فبكيت وخرجت مسرعا أغلقت الباب ورائي وتوقّفت عنده ابكي ، جاءت زوجتي مندهشة ومرعوبة من بكائي فسألتني عن السبب أخبرتها لتقف صامتة وهي تحدّق بي لاعنة الإيجارات وما عليها ، ولاعنة الزمن والأقدار وكلّ مايجعل الناس في قلق وحزن دائمين !!

لو كان عند أي مبدع جميل يعيش حالتي بيتاً يملكه ويعيش باستقرار وراحة بال دون قلق وتعب وانفعالات التنقّل ما بكيت أنا ، ولا وقف آخرون من زملائنا وأصدقائنا محرجين أمام مكتباتهم التي انشؤوها من مصروفهم اليومي وقوت عيالهم ومن اهداءات زملائهم الأدباء الآخرين ؟!

على الحكومة أن تلتفت إلى هذه الشريحة التي ما تزال تعاني الأمرّين بسبب الإيجارات وتقدّم لها ما يليق بها  من سكن وغير ذلك دون شروط وعراقيل يضعها المسؤولون عن السكن وما الى ذلك بوضعهم عبارة ( حسب الضوابط ) المقرفة التي حددت وتحدد كل شيء وأن تكون التفاتتها منحة للأدباء بسكن يليق بكل ما يقدّمونه من إبداع ، لأن المبدعين في شتى المجالات هم ثروة الوطن وتأريخه الخالد دائما أما المسؤولين فزائلون مع الزمن وما يقدّمونه من خير للناس والوطن هو الكفيل ببقاء ذكرهم الطيّب ، وستبقى اهداءاتنا لبعض هي آصرة التواصل فينا بيننا رغم كل شيء.

 

المشـاهدات 65   تاريخ الإضافـة 05/05/2024   رقم المحتوى 45148
أضف تقييـم