المسرحيون يحاولون العبور بالهوية إلى عصر الذكاء الاصطناعي المسرح أداة للحفاظ على الهوية في سلطنة عمان |
مسرح |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : مسقط - تعد الهوية الثقافية أحد العوامل الأساسية التي تشكل ركائز التعبير الفني، ويتجسد ذلك بشكل خاص في سياق المسرح بكل توجهاته، بما فيها مسرح الطفل والمسرح المدرسي وغيرهما من الاتجاهات المسرحية في سلطنة عُمان.وتشكل تلك الهوية جوهر وجوده، وعينا من العيون التي تسقي تراثه الغني المتنوع، هذا ما أكد عليه عدد من المختصين في شأن المسرح، حيث تبلور أسس التكوين ومسارات التنفيذ والنتائج المترتبة على ذلك من حيث الأدوات الممكنة.
مسرح الطفل
حول هذه الفكرة تتحدث الأكاديمية كاملة بنت الوليد الهنائية، الباحثة في شؤون أدب الطفل، عن تأصيل الهوية الثقافية العُمانية في مسرح الطفل في سلطنة عُمان، من خلال الأسس والنتائج، وتقول “المسرح ابن بيئته ويستمد جميع منابعه من المصادر التي تمده بالإبداع من النص والممثلين والمخرجين من الهوية التي كونتهم، فلا انفصال بين ما يقدم في مسرح الكبار منه عن الذي تتم كتابته وإنتاجه في مسرح الأطفال إلا بخصوصية الجمهور المستهدف، بل على العكس مسرح الطفل العُماني تجذر في هويته”.وتبين أن في هذا الإطار كانت الحكايات من التراث العربي كحكايات ألف ليلة وليلة والحكايات الشعبية العُمانية التي استفاد منها الكُتّاب في كتابة نصوصهم، علاوة على الأغاني الشعبية العُمانية التي وظفوها هي عناصر رئيسة في ما ينتج لمسرح الطفل وهي من صميم المجتمع وعمق تراثه، واستفاد مسرح الطفل من الاتكاء على جدار الهوية الصلب وأنتج بدوره مشروعات مسرحية وضعت بصمات في مسيرة المسرح العُماني.وحول الأدوات الممكنة لذلك، تشير إلى أن المجتمع متماسك في سلطنة عُمان ينقل تجاربه وتراثه عبر الأجيال ويضع الأصالة في مقدمة تطوره ويتمسك بالقيم العليا التي تخرج في عناصر الإبداع التي يقدمها أبناؤه في مختلف التخصصات، وكان لمسرح الطفل نصيب وافر من هذه الاجتهادات حسب الدراسات، فعلى سبيل المثال في كتاب “مسرح الطفل في عُمان” وجدت زيادة في النصوص المكتوبة والعروض المقدمة من الفرق المسرحية الأهلية، فكما تنفتح الفرق المسرحية على التطورات التقنية لكنها تستند على الهوية العُمانية المميزة في رسائلها ومعانيها التي توصلها إلى جمهور الأطفال.وعن إمكانية أن تكون الهوية الثقافية في مسرح الطفل أداة تحصين في ظل الانفتاح على العوالم الثقافية، أوضحت أنه لا يمكن إنكار أن أطفالنا مستهدفون من هويات عابرة للحدود، وهذا التحدي يكبُر يوما بعد آخر. وفي ظل عدم وجود “هيئة عُليا للمرأة والطفل” مهمتها الرئيسة تأكيد الوعي الثقافي والفكري والفني، كما أن المؤسسات الحالية مهمتها الجوانب الاجتماعية والدعم المعيشي، فيتحتّم حينئذ وجود برامج فنية ذات إنتاج محترف تسهم في تعزيز القيم الرفيعة والهوية الأصيلة والأخلاق العالية.وتضيف “يعد مسرح الطفل الذي يقوم بأدوار كثيرة في هذا المجال مدرسة بحد ذاته، ونطمح إلى أن يكون هناك مهرجان وطني لمسرح الطفل، ويختار شعار في إحدى دوراته العبور بالهوية إلى عصر الذكاء الاصطناعي، فالأطفال هم مستقبلنا فمثل هذا الربط بين التطورات التقنية في هذا العصر وما يقدم لهم من مادة فنية تثقيفية وترفيهية وربطها بالهوية الوطنية يزيد من التمسك والفخر والاعتزاز بهذه الكنوز الرفيعة التي نملكها في سلطنة عمان”.
الهوية الثقافية
لا يبتعد الكاتب والمخرج المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس، الذي كان قريبا من المسرح العُماني في برامج شتى، عندما يقدم رؤيته حول الهوية في المسرح العُماني ومدى تأصلها وتأثيرها في الواقع الثقافي، وهنا يشير إلى أن الهوية الثقافية تعد أحد العوامل الأساسية التي تشكل ركائز التعبير الفني، ويبرز ذلك بشكل خاص في سياق المسرح العُماني، حيث تشكل جوهر وجوده، وعينا من العيون التي تسقي تراثه الغني المتنوع.ويبين أن المسرح العُماني أداة فاعلة للاستكشاف والتعريف بالهوية العُمانية بشكل عام، فهو يتغذى وفي الوقت نفسه يغذي بشكل نسقي تفاعلي قيم ومعارف الإنسان العُماني النوعية، وينهل من تقاليده وعاداته الأصيلة المتعددة، التي تميز المجتمع العُماني، وتمثل مصدر إلهام للمسرحيين كُتّابا ومخرجين ومصممي المناظر والملابس والإكسسوارات وملحني كلمات الأغاني المسرحية.ويشير إلى أن تأصل الهوية في المسرح العُماني تعود جذوره إلى العوامل التاريخية والاجتماعية والثقافية، وتبرز ثماره من خلال الاستعانة بالتراث الشعبي والتاريخ الوطني، حيث سلط المسرح العُماني ولا يزال الضوء على قصص وشخصيات وأحداث ومواقف وبطولات وملحمات تعكس هوية هذا الشعب الظاهرة – الزاهرة، وروحه العتيقة – الأنيقة، ويكفي أن نلقي نظرة على العروض المسرحية وعلى النصوص المكتوبة والدراسات التي تناولت المسرح، والكتابات النقدية لنأتي بما لا يحصى من التأكيدات والشهادات والأدلة.ولا يرى أن الأمر يحتاج إلى ذلك، لنخلص إلى أن المسرح العُماني عامل أساسي في تعزيز الشعور بالانتماء والفخر بالهوية العُمانية، ومع ذلك، فالهوية في المسرح العُماني ليست كيانا ثابتا، بل تتطور وتتغير مع تطور المجتمعات والتحولات الاقتصادية والثقافية والسياسية، ولم يبق المسرح في تعامله جامدا ولا متفرجا، بل انخرط في هذا التحول بشكل إيجابي إيمانا منه بأن الحاضر يرسم للأجيال المقبلة هويتها.ويختتم حديثه “عمل المرحلة وشعارها وإستراتيجيتها ‘لا للانفتاح المطلق، ولا للتحجر المتعصب ولا للشوفينية الضيقة’. هذا ما يؤمن به المسرحيون في سلطنة عُمان، وهذا ما خلصت إليه من خلال احتكاكي مع بعضهم، سواء بطريقة غير مباشرة، عبر الكتابات وما يعرض في مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال اللقاءات المباشرة في المهرجانات الفنية، ومن خلال زياراتهم للمغرب، وكذلك من خلال زيارتي لسلطنة عُمان وخاصة مسقط ونزوى”.ويضيف “هذا ليس بغريب على شعب خبر الأصالة ومارس الانفتاح الواعي منذ أزمنة بعيدة في تاريخه العريق الحافل. فسلطنة عُمان كانت على الدوام شجرة فروعها متجذرة وفروعها باسقة عالية متطلعة، مثمرة وسخية، يعمل المسرح فيها دون مهادنة ولا هوادة على تعزيز التواصل الثقافي والفهم المتبادل بين الشعوب ويسهم في تعزيز التسامح والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة”.أما الأكاديمية عزة بنت حمود القصابية الباحثة في شؤون المسرح العُماني فتتحدث في هذا السياق عن ترسيخ الهوية الثقافية الأدبية في الأعمال التي نراها ظاهرة على خشبة المسرح العُماني، والأساليب المتبعة لعملية الترسيخ، وتقول “لا بد من الاعتراف بأن المسرح العُماني هو من منظومة المسرح الخليجي، هذه الكتلة المتقاربة جغرافيّا واجتماعيّا وثقافيّا وتاريخيّا، لذلك فإن بدايات المسرح الخليجي جاءت متقاربة في السمات العامة، عندما انطلقت من المؤسسات التربوية من خلال الأنشطة التي تقام في كل عام، والتي تتضمن باقي الأنشطة مثل الإلقاء والإنشاد والموسيقى والفنون الجميلة”.وتضيف “المسرح العُماني في بداياته لم يُعرف كفن، ولكنه كان جزءا من النشاط الثقافي، والتراثي والتاريخي، ورافق المسيرة التربوية ما بعد سبعينات القرن الماضي، وما قبل ذلك كان من خلال المدارس السعيدية الثلاث، وحدثت النقلة النوعية للمسرح العُماني ما بعد ثمانينات القرن الماضي، عندما بدأت تترجم الأعمال المسرحية العالمية، وتعمين وإعداد بعض المسرحيات العربية، وتشكيل أول فرقة مسرحية، ثم سرعان ما بدأ الكُتّاب العُمانيون في كاتبة نصوص تحمل روح وهوية الشارع العُماني بما فيه من قضايا وموضوعات تستحق أن تطرح على خشبته، وكان للمسرح جمهوره الذي يحرص على التفاعل مع عروضه البسيطة”.وتوضح “بمرور الزمن، توالت العروض المسرحية العُمانية التي وثقت للمسرح العُماني، وبرزت من خلالها الهوية الثقافية، وخاصة العروض الجماهيرية، وتلك المستوحاة من التراث العُماني ومن التاريخ العُماني”.وعن آليات الترسيخ تقول “إن معالجة الأعمال المسرحية أولا لقضاياه الحاضرة والتفاعل مع الشارع العُماني، ومحاولة تقديم عروض عُمانية تعبر عن رأيه، وتجعله يتعاطف معها، فهذه الموضوعات وسيلة المسرح لاستقطاب الجمهور، الذي يشكل القطب الثالث في عملية التواصل والاتصال مع العروض المقدمة، وهناك الكثير من الأعمال المسرحية وكذلك السينمائية التي استوحيت حكاياتها من القصص الواقعية، وعرضت بعد إعادة كتابتها في قالب مسرحي أو تلفزيوني”.وتتابع أن عند التأصيل لمسرح عُماني، أو لأي فن من الفنون الإبداعية، سنجد الهوية الثقافية فيه مطلبا أساسيا، وهي عنوان وشعار نعتز به، أما فكرة استضافة عروض مسرحية لا علاقة لها باهتمامات الإنسان في سلطنة عُمان، فلا تضيف أي جديد، لذلك من الضروري توظيف مفردات البيئة العُمانية لصنع خصوصية وهوية وطنية تشمل مقومات وخصائص تنفرد بها عن الثقافات الأخرى، لذلك علينا أن نسخّر كافة مؤسساتنا الثقافية والفنية لصناعة الهوية العُمانية في كافة المجالات الإبداعية البصرية والكتابية والفنية مثل المسرح والاستعراض الفني والغناء المعبر عن مفردات وعناصر الهوية العُمانية، أما الثقافة العالمية فهي إرث مشاع، ولا يتقيد بالخصوصية.
تحديات العولمة
أما المسرحي بدر بن سيف النبهاني فيتطرق إلى تجسير واقع الهوية العُمانية والتواصل الثقافي بين الأجيال من خلال المسرح المدرسي في سلطنة عُمان، والأدوات المفيدة للعمل عليها وتحقيق نتائج إيجابية تتعلق بشأن هذا التجسير.يقول “منذ عقود من الزمن ونحن نتحدث عن التداعيات التي خلفتها وتخلفها العولمة باعتبارها واحدة من أهم الظواهر الحضارية من جهة، وكونها ظاهرة تؤثر على هوية الإنسان وتجعله نسخة مشابهة للإنسان الآخر في مختلف أبعاد حياته، ما يلقي بظلال قد تكون خطيرة على مستقبله”.ويضيف “على الرغم من أن للعولمة جوانب إيجابية ظاهرة من قبيل سهولة التواصل، وسرعة التعلم، والوصول إلى أي معلومة بيسر وسهولة، وقياسا على ذلك الوصول إلى المهارات التي باتت الشغل الشاغل لكل البشرية، إذا ما سلّمنا بأن العالم الحديث يعتمد على المهارة أكثر من المعلومة ذاتها على مختلف الأصعدة، فمن يملك مهارة البحث عن المعلومة بسرعة وبطريقة صحيحة بات في منزلة أفضل من ذلك الذي يحفظها على سبيل المثال، إلا أننا بتنا نشاهد نسخا مشوهة نتيجة التقليد المبتذل لكل ما هو جديد وإن كان مخالفا لثوابت إنسان تقوم عليها هويته التي تميزه عن الآخر، ما يجعله نسخة مشوهة عن آخر لربما لم ينشأ في بيئة صحية سليمة”.ويشدد على أن هذا التقليد والرغبة في التشبه بالآخر على الرغم من أنه مخالف لهوية الإنسان، فإنه ينذر بمشكلة تتفاقم بشكل سريع ما يجعل التربية تواجه تحديات صعبة تحتاج إلى مواجهتها هذه أن تستخدم كل الأدوات والوسائل والطرق المؤثرة في النشء للعودة بهم إلى الاعتزاز بالهوية العُمانية وتقديمها بشكل لائق ومتوافق مع روح العصر الحديث.ويؤكد “مما لا شك فيه أن المسرح المدرسي إحدى هذه الأدوات الفاعلة، لإيماننا الشديد بأن المسرح أقوى القنوات الثقافية المؤثرة على الإنسان على مر العصور، وبما أن جميع المدارس العُمانية تفعّل المسرح المدرسي كنشاط طلابي فإن هذه الأداة لربما تكون رائدة الأدوات التي من الممكن للمؤسسة التربوية مكافحة التأثيرات السلبية للعولمة من خلالها”.ويوضح أن التاريخ العُماني يزخر بقصص الأبطال والملاحم التاريخية التي سطرها العُمانيون على مر العصور، ولا شك أن تقديم هذه النماذج القريبة للغاية من تكوين الطالب العُماني سيكون أكثر تأثيرا وأقرب للذهن، لكن الذكاء سيكون في كيفية تقديم هذا الموروث بصورة عصرية تنسجم مع عقلية هذا الجيل الذي يقضي وقتا طويلا خلف شاشات الهواتف المحمولة وغيرها.ويبيّن “على الرغم من حساسية الحديث عن عصرنة الموروث، وضرورة توخي أقصى درجات الحذر عند الشروع في ذلك، إلا أن هناك الكثير من العصرنة على الأزياء والموسيقى على سبيل المثال، كما يجب تقديم الهوية بروح عصرية من خلال المسرح المدرسي، بما يضمن قبول النشء لها وتمثلهم إياها بروح عصرية”.ويلفت إلى أن ما يميز المسرح كفن عن باقي الفنون أنه جامع لها، وهذا ما دفع إلى تسميته بأبي الفنون، فتجد تكاملا بين النص والفن التشكيلي، والموسيقى التصويرية، والإضاءة، وتصميم الأزياء وغيرها الكثير من الفنون التي تجتمع لتتكامل وتقدم عرضا مسرحيّا غايته التأثير بشكل ناجح لتحقيق الوعي المنشود بالقضايا المصيرية للإنسان في أي مجتمع، والتفكير في تكامل هذه الفنون لتعزيز الهوية العُمانية لدى النشء، وليس ذلك بأمر مستحيل إذا ما آمنا بأن الموروث ذاته لم يكن على شكله الأخير حينما وصل إلينا، فبلا شك أن الأزياء قد مرت بالكثير من التطورات بعضها كان ضرورة والآخر كان بغرض التجميل ومواكبة العصر.ويؤكد أن طبيعة الحياة التي يعيشها الإنسان في سلطنة عُمان دفعت إلى تطوير زيّه بكل تأكيد، ومن الممكن أن يقاس ذلك على باقي المكونات المتأثرة بشكل أو بآخر بمؤثرات تجعلها تتطور، فالموسيقى العُمانية تأثرت بموسيقى السواحل الأفريقية، ولا غرابة في أن نسمع فنّا عُمانيّا بحريّا، كلماته تكون بلغة سواحيلية أو غيرها من اللغات.ويقول إن الإيمان بمبدأ أن الحياة تتطور والهوية باقية لكنها توائم هذا الإنسان وتميزه ولا تلغيه بل تعزز وجوده وتفرده، يجب القبول به إذا ما أردنا أن ننجح في استخدام أدوات تتسم بالتأثير في العمل المسرحي المدرسي، وأن فكرة التأثير وبث روح التمسك بالهوية العُمانية لا يمكن أن تقع على عاتق المسرح المدرسي ومسرح الطفل فحسب، بل يجب أن يكون هذا الأمر مشروعا ضخما تشترك فيه الكثير من المؤسسات، وأن المسرح بشكل عام والمسرح المدرسي بشكل خاص أحد هذه الأعمدة التي قام عليها هذا التغيير، وذلك نظرا إلى كون الطالب في هذه المرحلة في طور تشكّل لبنات شخصيته الأولى، والتأثير عليه أسهل بكثير من التأثير عليه في مراحل أخرى.
|
المشـاهدات 308 تاريخ الإضافـة 27/05/2024 رقم المحتوى 46668 |