السبت 2024/7/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 29.95 مئويـة
وحيد شلال: نظرات في حياته و منجزه الشعري
وحيد شلال: نظرات في حياته و منجزه الشعري
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

كمال أنمار

 هو مهندس و شاعر عراقي،ولد في بغداد سنة 1945 و فيها نشأ و ترعرع حتى وفاته في  11  يونيو  2020 و كانت محل ولادته المحمودية و هي أحد الأقضية التي تقع جنوب بغداد حيث أكمل فيها دراسته الابتدائية سنة 1958،و كانَ من الاوائل حينها.أما دراسته المتوسطة فقد أتمّها في بابل و بعد إكماله الإعدادية دخلَ وحيد كُلية الهندسة الجامعة التكنولوجية و بعد أن تخرج منها  إلتحق بالعمل الوظيفي مباشرةً.

و لما كانَ العراق في بداية نموّه الإقتصادي و التعليمي و الوظيفي حصلَ وحيد على العديد من البعثات إلى خارج القطر و زار بلدان عديدة منها أميركا ، تونس ، اسبانيا ، هنغاريا ، كوريا الجنوبية ،و حصل على الدبلوم العالي مرتين ، مرة اخذها من دراسته في فرنسا و الأخرى حصل عليها من اليابان. و اكتسب من شركات هذه البلدان خبرة واسعة أهّلته لاحقا ليكونَ مدير هاتف بغداد و عميد معهد الاتصالات العالي.

و نظرا لثقافته أخذ وحيد ينظم الشعر و قد أجاد قواعده و أصوله و له في هذا المجال خمسةُ دواوين اربعةٌ منها غير مطبوعة و واحدٌ قد طُبع بعد وفاته عنوانه " تراتيل الرحيل " و قد تلاقفته دراستين في الجامعات العراقية منها رسالة ماجستير في جامعة ذي قار و دراسة أخرى نشرتها مجلة الجامعة المستنصرية كلية الآداب.و لا يخُفى على مَنْ صاحَبَ وحيد تلك الثقافة الواسعة التي بدأت تنمو منذ نعومة اظفاره ، إذ حدثني عن نفسه و قال

"  كنتُ في فترة الدراسة المتوسطة اقرأ العديد من المجلات التي كانت تصدر في حينها و منها الهلال لصاحبها جرجي زيدان و مجلة سومر و كنت اقرأ لجرجي زيدان و ترجمات الكتاب اللبنانيين لبعض الروايات العالمية من الأدب الروسي و الانجليزي. "

 اما بداية كتابة وحيد للشعر فترجع لمرحلة مبكرةٍ من عمره و لكنه تركها نظرا لانشغاله  في السلك الوظيفي خاصة بعد المناصب الإدارية التي تقلدها و لكن و في فترة الحصار الدولي على العراق بعد غزو الكويت رجع وحيد لكتابة الشعر و لعمري فإن توقيت الرجوع هذا يشير إلى عمق الأزمة النفسية التي كان يتعرض لها المواطن العراقي عموماً و المثقف خصوصاً.

فمن جهة كان الحصار يفض جام غضبه على أحوال الناس و سبل معيشتهم حتى البسيطة منها و من جهة أخرى كان لابد رغم كُل هذه الظروف المنهِكَة الاحتفاظ بالعمل الوظيفي الذي لا يدرّ شيءً نظراً لارتفاع الأسعار و صعوبة التأقلم معها.

و لما عاد وحيد لكتابة الشعر ، تَعلّم العروض و أخذ يكتب الشعر العمودي بعد ان نهل من أمهات الكتب الأدبية التي حوتها مكتبته و اذكر منها على سبيل المثال : كتاب الآمالي لأبي علي القالي و نهج البلاغة اللذين أوصى بهما محمد مهدي الجواهري،و كذلك دواوين شعر كثيرة جدا منها اللزوميات لأبي العلاء المعري،و ديوان المتنبي و الفرزدق و جرير و امرؤ القيس و شرح المعلقات السبع و احمد شوقي و الجواهري و غيرها الكثير.و كان اغلبُ شعره عمودياً إذ دفعه طبعه الفريد و الملتزم لهذا النوع الكلاسيكي الأصيل حصراً رغم أنه كتب بعضاً من قصائده كشعرٍ حر  متأثراً بنازك الملائكة و بلند الحيدري إذ وجدتُ عنده قبل وفاته كتاب نازك الملائكة المعنون "قضايا الشعر المعاصر" لكن يبدو أنه لم يلائم طبعه بشكلٍ ما و بقي يفضّل الشعر العمودي دون تجربةٍ عميقة في الحر منه. 

و مما أضيف إليه أن شاعرنا لم يكتب أو يقترب أبداً من قصيدة النثر أو النثر بكافة أجناسه رغم أنه كان يكتب بعض الشذرات حول احداث حصلت له في حياته على صفحته في الفيسبوك.

أما عن الأغراض التي كتب فيها شاعرنا شعره،فهي متنوعة و غزيرة و لعله أجاد في الرثاء و الغزل و ما يتخللهما من وصف دقيقٍ متدفقٍ مع عاطفية الشاعر التي طبعت كُل ما كتب حتى في  الرثاء.و اذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر بعض القصائد ذات الطابع الغزلي العام :  " عيون العراقيات" " غرام اليابانيات "  " لقاء " و اللحن الصاخب" ،" عيون حلا "  و هو الذي قال في مقدمة قصيدة عيون العراقيات مقولةً ذات معنى عميق بوصف عيون العراقيات فقال " : جبتُ عواصم الدنيا وسُحْتُ بعيون نسائها لكنني لم اجد اجمل من عيون العراقيات."

و قصائده الرثائية كثيرة و متنوعة و مثيرة للدارس و القارئ معاً ، فهو يرثي بنت رسول الله بقصيدة " إلى بنت رسول الله هفا قصيدي " و الامام علي بقصيدته " تحية لأبي الحسين " و قصيدته " عظمتك يا أبا الأئمة اكبر من صعلكتهم" رداً على كتاب حسن العلوي المعنون " عُمر و التشيعّ" و قصيدته عن الامام الكاظم الرائعة " سلاما ايها الصبر".

" و يصف شاعرنا و يرثي المدن تبعاً لحالته النفسية و العاطفية التي خاضها فيها ،فهو قد وصف كنائس مدينة الموصل و وصف ما يحصل في العراق و الموصل خصوصا و قال:  

تـبـقـى لـنا رغــــم َ الـمـكـائـــد ِ والـــنـــــــو ى

 أمّ ُ الــــربـــيــعـــيــن ِ الـحـبـيــبـة ِ مــربــــعُ

و لا يخفى أنّ الشعراء دائما ما يتغنون بجمال بغداد و لم يكن وحيد شلال استثناءً فقد أخذ يصف جمال بغداد و روعة دجلة على جانبي المدينة...فقال : 

بنى المنـصورُ عتبة َ كـلُّ َ مجدٍ 

إذ اخــتـطـت يـداه لكِ الــمَـدارا

 عـشـقـتُ النهرَ يســقي جانبيكِ

 عـلـى الأيـام ِ عــزا ً وازدهـارا

فـمَـنِ أقداح ِ دجلة َ وهـو صـافٍ

 بغير ِ الـخـمـر ِ تحسـبـنا سكارى 

كما و انتقد في نفس القصيدة ما فعله سياسيو العراق حينَ رضخوا للمحتل تماماً و لم يكن لهم امرٌ و لا نهي فوصفهم بالسراق و القتلة و أن الآمال عندهم تقف و تخيب حتما.فوصفهم بدقة و براعة ...و هذا نص ما قاله ؛ 

سـرقوا من الأموالِ ما نبـني بها

 بلـداً بمـنظـورِ الحضـارةِ راقـيـا

اولاءِ منْ قادوا العـراقَ وأهـلـه

نحو الدمارِ ويـصنـعـون دواهـيا

و لم تغب فلسطين عن مخيلة الشاعر ففي ديوانه تراتيل الرحيل يرثيها  بقصيدة دامعةٍحزينة عنونها ب" فلسطين الشهيدة" 

ففلسطين الضحايا اكرم الخلق وئيده

سوف تبقى بجباهٍ  وصمة العرب الأكيدة 

كما و يذكر غزة في قصيدةٍ كاملة و يطلب أن تدُعم غزة بالمال و السلاح لأنها أصبحت قاعدة المقاومة الفلسطينية بعد أن نصبت امريكا و الاحتلال سلطةً تحت لوائهم و جعلوا من محمود عباس رئيسا لها بلا صلاحيات فقال :

يا ذرى غـزََّة َ مخـضـــوبَ اللـواء

  بـالـتــحــدّي بـدمـاء ِ الـشـهــــداء

 بالـمنايا الـحمر ِ يــوري قـــدحها

فتية ُ الـحـقّ ِ بـمـيـدان ِ اللـقــاء

 كـي نــَرُدَّ المـوتَ عــن أطـفــالـها

 جــَهِّـــزوهــا بـــِســلاح ٍ وغــــذاء

 لـيــسَ عـــدلاً بيدَ ْ أعدائنا

 كــلُ الآتِ الــــدمـــار ِ والـفـــنـــاء 

كما و ردّ وحيد شلال وفقا لمبادئه و عقائده على العديد من الشخصيات على هيئة قصائد اوصل مضمون اعتراضه فيها ، فهو قد رد معارضا قصيدة الشاعر المصري مصطفى الجزار التي مطلعها :

كفكف دموعك و انسحب يا عنترة

فعيون عبلة أصبحت مستعمرة

 فكانت قصيدة وحيد " لا تنسحب يا عنترة " مطلعها : 

لاتـنـسحـبْ لا تـنـسحـبْ يـا عـنـتـره

فـديــارُ عـبلـة َ واللـيـالي مـــقـــمــره

رد الشاعرً و بشكل ساخطٍ هذه المرة كما فعل غيره من الأدباء و الكتاب في ذلك الوقت على الشاعر العراقي المغترب سعدي يوسف و كان الرد هذه المرة على هيئة نصَ هجائي عنيف و هو قليل في شعر وحيد و عنون نصه هذا بعنوان " سعدي الباحث عن هوية " و كانت ابيات هذه القصيدة شديدة الوقع عليّ ّ شخصيا اذ فيها هدم لكل منجزات سعدي يوسف المعروفة و إساءة لشخصه و تراثه الشعري العميق و الفريد في الادب العربي و فيه أيضا تقليل من شأن ما قدمه سعدي للأدب العراقي شعرا و نثرا و ترجمة.و لعل هذه القصيدة ضد سعدي كانت سقطة أو انفعال في نفس وحيد شلال لم يكن ليقدر أن يكبته نظرا لما نشره سعدي من نصوص أساءت بشكل مباشر إلى نفوس الكثيرين ممن لم يحتملوا اي نقاش أو تفهم لكتاباته.

و نلاحظ في شعر و كتابات الشاعر وحيد شلال اهتمام عميق بالقضايا الوطنية و العربية ، و لاسيما أثر الإعلام و الدعاية فقد قال إن " إن الإعلام العراقي الممنهج دمر الإنسان أكثر مما دمره الإرهاب ".و كذلك موضوعات الدين و رسالته و التاريخ و موضوعاته و الغرب و كذب ادعائه الديموقراطية و قضية الاحتلال و السياسة بنظرة أوسع و أكثر حكمة و خصوصا اذا علمنا أن في كثير من شعر وحيد حكمة بالغة لا تنبع الا من فكرٍ راشدٍ و عقلٍ مجرب و إن كنا لا نتفق تماما مع مضمون بعض القضايا المطروحة طبعا .

وصف وحيد الغرب بالنفاق و انتقد كذب المبادئ التي يدعيها سياسيوه و وصف مجتمع امريكا " بالمجتمع الهش " و لعمري إن في هذا كثير من الصحة خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار معدلات الإنتحار ، و الجنس العشوائي المفرط و آثاره ،و الكحول و الفقر و غلاء المعيشة.

دولُ الـــغــربِ كــمــا نـعــــرفــهــا

  تـمـنـحُ الأعــداءَ مـوثـوقَ الـــولاء 

تــذرفُ الــدمــعَ عــلـى أشـلائــِنـا

دمــعَ تـمسـاح ٍ بـخــبـث ٍ وريـاء ِ

هــَـل رَأيْـتـمُْ  جمعَـهـمْ كيفَ بـدَا  ؟

يـمَْـنـحَُ الـجـلادَ ثــوبَ الأتـقــيــاء ِ

و ينتقد دور دول الغرب في خراب بلدان الشرق الأوسط و يقول انها " اصابع بارع " تهدف للتخريب.و هذا ما اثبتته لنا الشواهد و التجارب فما من ثورةٍ و حركة إحتجاجية إلا و تلك الاصابع تقف خلفها و لعمري إن الواقعية السياسية التي تتضمنها هذه نصوص  تشير إلى شاعرٍ عارفٍ بالسياسة و متابع لها.و لعل  ما حصل مع سقوط بغداد حين سمح الجنود الأميركان لبعض العراقيين أن يسرقوا و يدمروا أمام الكاميرات قد هزّ الشاعر وجدانيا و حركه ليكتب بتلك الحرقة و يصور ذلك كله في نص دقيق يقول فيه : 

لا تـنكـروا تـلكـمْ أصـابـعَ بـارعٍ 

يتقمـصّ الأســلامَ ثـوبـاً واهـيا

أيـدٍ لصهـيـونٍ تحـرّكُ خلســـةً

 تلك البهائمَ والوحوشَ ضواريا

و ينتقدُ الشاعر ساسة الخليج لما كان منهم من تراخٍ و خنوعٍ للغرب عموماً خصوصا و إنهم وقفوا مع العقوبات التي فرضها الغرب على العراق دونَ أن يذكروا كُل تلك السنين من الصداقة و الأخوة فإذا بهم ينهشون لحم هذا الشعب دون أسف.و هذا جاء في نصه المعنون "دماءُ غزة " : 

سـفـراءُ الــبغـي ِ يـجـري طردَهم

 وبــلادي تــحـتـفـي بـالـسـفـــراء ِ

سـاسـة َ الـعـربِ وهــذا دَأبــُــكــم

  بـالـمخـازي تـرفــلـونَ والـثـــراء ِ

 ليسَ فـيـكـم غـيـر عــبـدٍ خــانــع ٍ

لـيـسَ فـيـكـم غـيـر دجّـال مـرائي

إنّ نظراتنا النّقدية و الفاحصة تشير إلى أنّ الشاعر إنما شعتّ روحه العاطفية تماماً على النصوص التي تهتم بالقضايا التي تتطلب مناّ إعمال المنطق،و لذا فهي قد جاءت إما سوداوية الملامح أو بيضاء مرهفة بالمثالية الرائقة.فما كتبه عن الغرب يعكس القراءة النفسية لجيلٍ بل و لأجيال كاملة خُدعت بذلك المنظر الفضفاض  -عمليا-  للمنهج الديموقراطي و تجربته،و لا أدري ما السبب في تلك النظرة إلا رغبةً في وجود مخلّصٍ خصوصا فترة الحكم الصدّامي الهائج.و فيم يخص القصيدة اعلاه حول الخليج فإنما تشير بجوهرها إلى حقيقة سياسية واقعة و هي عمق التآزر السياسي بين الحكام الخليجيين و الغرب عموما،و إنّ المدى البعيد لكثير من الإتفاقيات بينهم يشير إلى أبعد من العلاقة الاستراتيجية حتىّ .

و بعد حياةٍ مليئةٍ بالاحداث و التجارب التي سُك شعره منها،و بعد وجودٍ انسانيٍّ ملأ محيطه أدباً و خلقاً و حكمة توفي وحيد شلال إثر جلطة دماغية تخللها الكثير من الحوادث المرضية قبلها.و مما يذكر هنا إن الشاعر و قبل أسابيع من وفاته و في فترة عصيبة- ألا و هي فترة كورونا- تعرض لكثير مما أحزنه و اثقل على مرضه مثل سماعه وفاة الكثير من معارفه و اقربائه و لعلّ ذلك أثّر في نفسه.و كانت اخر قصائده هي قصيدة رثاء بحق صديقه الشيخ عبد علي نعيم البياتي التي مطلعها: 

ابا محمد مهلا ً ائها العلمُ

ينتابني الحزن في ذكراك والألمُ

لقد عهدناك فذاٍ كل اوٓنةٍ 

في كل مكرمةٍ تسعى بك القدمُ

 

المشـاهدات 144   تاريخ الإضافـة 09/06/2024   رقم المحتوى 47561
أضف تقييـم