الأحد 2024/9/8 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 26.95 مئويـة
نيوز بار
الوجع النبيل في قصص " حكايات الرمل"
الوجع النبيل في قصص " حكايات الرمل"
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

  ابراهيم سبتي

 

القصة القصيرة عالم من الهواجس والبوح وإثارة للأسئلة  في حيز يتراوح بين المستهل الموجز ، مرورً بالحدث المراد إظهاره بتركيز وعمق السرد الدال على المعاني والصور. والقصة القصيرة هي الجنس الأدبي الأقرب الى مواكبة التطورات الهائلة التي إتسّمت بالسرعة والإختزال المنطوي على إظهار إشكالات الواقع بكل تفاصيله رغم هوس الجري خلف المستجد اليومي المُشكل لظاهرة النسيان في خضم صراع الإنسان مع حياة لم يتعوّد عليها ..  فتقوم القصة القصيرة ، على اقتناص اللحظة الراهنة وتوظيفها في هذا الحيز المكوّن لمفهوم القصة  . في مجموعتها القصصية "حكايات الرمل " للقاصة عالية طالب ، كانت اللحظة الحاضرة قد سحبت معها الزمن الذي مرّ وانطوى خلف الذاكرة مما تطلب منها ان تستحضر تجربة كادت ان تتلاشى فأمسكت بها وطوّعتها بأسلوب شيّق . فجمعت بين الرمزية الباذخة ذات المدلول الفني العالي المرتبط بما جرى ويجري في الواقع والمتعالق معه ، وبين الواقعية المعبّرة عمّا جرى فعلاً بفهم واضح  مع الإبقاء على الرمزية تسير مع النصوص وهي ركيزة مهمة في صنع للقصة القصيرة . فعبّرت قصص المجموعة عن عكس ما حدث في واقع أليم ملتهب خارج نطاق المعقول احياناً لشدته وهوله ومأساويته . وإنّ هذا الإنعكاس جاء متوائماً مع صدق المحاولة والتعبير والبوح بتجرد ودون مُداهنة او تصنّع ، وبالتالي طغت نقاء العاطفة والمشاعر بين السطور التي اختلطت مع خيوط الأحداث . في المجموعة لا يمكن إلَّا ان تتسابق مع الوقت للقراءة ومعرفة مآلات كل حدث والى اين سيصل بك المطاف في النهاية كترجمة للإثارة والرغبة في معرفة ما يدور بين ثنايا السرد. هي مجموعة حكايات كُتِبت بإسلوب حرصت الكاتبة على ان يكون اكثر صدقاً وعفوية ، لأنه يتعلق بمجريات حدثت وصارت جزءا من حياة اي واحد منا وباتت تاريخاً لا يمكن تجاوزه . انها حكايات عبّرت عن المخزون في الذاكرة وتحتاج في كل الأوقات لمن يطلق سراحها لتكون سجلاً تاريخياً مرّ في واقعنا وصار لصيقاً بالتفاصيل اليومية التي لا تغادر رؤوسنا والتي واكبتها وعانت بقسوة بفعل مجرياتها ومعطياتها . وهذا ما أعربت عنه الكاتبة في مجموعتها التي اسمتها "حكايات الرمل" الذي لم يكن هذا العنوان موجودا ضمن عناوين قصص المجموعة ، بل منحها بعداً رمزياً فيقسر احتضان الرمل للأثر المؤلم الذي لا تذروه الريح فأوصل القارئ الى ان كل ما موجود من قصص فصيرة في المجموعة هي سمات وحالات وإشارات وقعت فعلاً  وإمتزجت بخيال الكاتبة التي منحتها دفقة من الأمل رغم دهاليز الظلمة التي رزحت فيه اجواء القصص . شكّلت عناوين قصص المجموعة ، اولى العتبات الموصلة الى التعمق والتركيز في النصوص وفهم ثيماتها فكانت مُرشدا ودلالة على المقصود السردي داخل كل قصة . لا ادري لماذا شكلت عندي قصة "السرداب"وهي القصة السابعة في المجموعة ، حالة من الشدّ والإثارة والترقب والاندهاش والمواصلة ، والتي اعتقد  لأنها وضعتني وايضاً القاريء امام إمتحان المشاعر والأحاسيس الصريحة الأمينة التي لا يمكن لبشر ان يتجاوزها بسهولة بل ستعيد حساباتنا العاطفية والموجعة . انها قصة الزمن الذي مرّ بنا وترك بصمة من الحزن والأسى والإستياء .. انه ألم الفقدان الذي ينخر في نياط القلب ، فقدان الأبن الوحيد في الإنفجار وما فعله الأب في المقبرة وإنثيالات الذاكرة وهو يتكلم معه كأنه يسمعه ويشعر به وبوجوده.

( واين هو بيتك الموعود ؟ اجابه بتحد ضاحكا : سيكون قريبا من هنا لأزورك دون انقطاع ) ص49 . ولكن خيبة ما جرى جعل الآمال تتبخر وتزداد اللوعة والاسى مثل ندبة باقية لا تزول ( لكن الزمن اختفى ولم يتحقق ايجاد شبر يقترب من هذا المكان الممتلئ بالغبار والاسى وصمت الاحبة ) ص 50 . ان الفقدان الذي عاناه الأب لا يتمثل برحيل ابنه حسب ، انما في الحلم الذي طار وتلاشى معه ولم يتحقق اللأمر الذي كانا يحلمان به وهو شراء بيت قريب . ولكن الذي جرى هو ان السرداب المدفون فيه الإبن هو البيت الموعود وهو الأمل الذي اراده الأب ان يكون قريباً من ابنه "باسم " فيه . انه ألم الذاكرة الذي لا يمكن ان يُنسى بسهولة ولا يمكن لأي بشر ان يتخطاه ما دام يرتبط مع القلب المحب الذي لا يدانيه حب .

( لا تقلق حبيبي غادرتني الحمى منذ خمسة ايام . دوائي هو يدك التي لا مستني . لا تقلق . اغلق البوابة وراءه واجتاز الاجساد بلا عناء متأبطا يد " باسم " التي ما غادرت جبهته منذ لا مستها .) ص55 . ان المعطى العام للقصة القصيرة ، لا يقتصر بالإسلوب ومديات اللغة في المعالجة وصنع الشكل الفني ، بل يضاف اليها مدى التأثر والتأثير ومداعبة المشاعر المخزونة في دواخل كل قاريء .. انها مهمة القصة القصيرة التي اقتربت من الهم الإنساني واخرجته الى حيز الصورة الواضحة المؤثرة لتكون شاهدة على سجل الخيبات التي مرّت وشكّلت عالماً من الألم الذي اصاب من اصابه وعمل على اثارة كل من مرّ به . ان مجموعة "حكايات الرمل" قد اوصلت رسالة مفادها بان الحياة لا يمكن ان تتوقف عند حادثة ما وتتلاشى عندها الأمنيات وتتطاير الأحلام في فضاء العدم ، بل انها تعمل على بث الشعور الدائم في مواكبة الزمن القادم بكل ما يحمله من عناصر اخرى ربما لم تكن موجودة في زمن الفقدان والخسارات التي سجلتها عدسة القاصة عالية طالب وبرعت في تصويرها في مجموعتها القصصية " حكايات الرمل" الممتلئة بحالات من المكابدات والخسارات والوجع النبيل . حكايات الرمل مجموعة قصص عن دار اور للطباعة وبواقع 90 صفحة من القطع المتوسط .                

المشـاهدات 96   تاريخ الإضافـة 07/07/2024   رقم المحتوى 49065
أضف تقييـم