الأحد 2024/10/6 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 22.95 مئويـة
القصة القصيرة جداً.. التكثيف والمفارقة قراءة في كتاب
القصة القصيرة جداً.. التكثيف والمفارقة قراءة في كتاب
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

زيد الشهيد

أصدرت دار الشؤون الثقافية العامة ضمن اصدارات عام 2024  كتاب غاية في الأهمية حمل عنوان( التكنيك السَّردي في القصة القصيرة جداً- رؤى وتطبيقً) للناقد والباحث علوان السلمان... ويأتي هذا الكتاب الذي يُعد مَرجعاً لهذا النوع السردي الذي صار يوازي القصة القصيرة في أهميتها والذي صار يستقطب الكثير مِمَّن يعشقون السَّرد ويعدّونه الوسيلة المثلى للتعبير عمّا في داخل الذات وما يدور خارجها.

ولأنَّ الناقد والباحث السلمان من كتَّاب القصة القصيرة جداَ فقد توجَّ لإعطاء رؤيته لها، مستعيناً بمعرفته بها، ومتبحِّراً في تجارب كتّابها، عبر تحليل قصص كتبوها منشورة في المجلات والصحف المحلية والعربية.... ويشير السلمان في معرض حديثة عن كتابة السرد في مقدمة مطولة إلى أنَّ (( النص السردي شهد على المدى التاريخي تحولاً بنيوياً في أجناسه؛ كونه نصّاً متمرداً على الثبات والنوع. ابتداءً من انطلاقته الحكائية وانتهاءً بالقص القصير جداً آخر حلقات التحوّل. إذ ينطلق القص فيه من لحظة وعي يحققها الكاتب فيتجاوز الواقع وتقلباته صوب مُطلقه)) بينما يرى في القصة القصيرة جداً موضوع بحثه أنّها ((تتحدث عن التركيز والايجاز والاختزال والتكثيف في الشخصيات والاحداث والزمكانية.))؛ وهي(( تدور حول حدث ينمو بسرعة في اتجاه واحد ضمن حبكة مركزة صوب النهاية. ولا وجود للذروة البنائية لأنها تتمحور في نهايتها حيث التأزم والضربة، والمفاجأة، ولحظة التنوير؛ لتترك انطباعاً مؤثِّراً في نفس المتلقي)).

ويتتبع السلمان كباحث جذور فن القصة القصيرة جداً فيعزوها إلى مسارين؛ أولهما(( الجذر الممتد في التراث والذي ينحصر في فن الخَبر كما هو عند الجاحظ في كتابه (البخلاء)؛ وثانيهما يرده(( إلى ال|أدب الغربي وتحديداً مع ترجمة (انفعالات) ناتالي ساروت الفرنسية؛ اضافة إلى مجموعة ارسكين كالدويل التي ضمت 550 قصة قصيرة جداً))

ويتبارى السلمان في تتبعه لما نشر من قصص ومجاميع قصصية قدّمها كتاب القصة المُهمين والمعاصرين على الساحة السردية العراقية بفنية يراها ((تجاوزت التفصيلات واعتمدت التكثيف والاختزال كي تجعل المتلقي مشاركاً لتحقيق الكشف عن هدف النص ومضمونه.)) فيذكر مجاميع قصصية قدمها كتاب مثل عبد الرحمن مجيد، وابراهيم أحمد، وحنون مجيد، وحسب الله يحيى، وقصي الخفاجي، ومحمد سمارة، وهيثم بهنام بردى، وزيد الشهيد، وصلاح زنكنه، وعبد الستار ابراهيم ، وعلوان السلمان، وجابر محمد جابر، ورحاب الصائغ؛ بعد أن يشير إلى قصاصين كتبوا هذا النوع السردي قبلهم مثل أحمد خلف، وبثينة الناصري، وخالد حبيب الراوي.

بعد تقديم رؤيته لفن القصة القصيرة جداً وكتابتها يقدم السلمان رؤىً توالدت من قراءاته ومتابعاته لهذا الفن المُستحدَّث إلى جانب قراءات لمجاميع قصصية لكتّاب ما زالوا يبدعون في هذا النوع من القص؛ ويبدو من خلال المجاميع العديدة التي تناولها بقراءاته أنّه متتبع جيد، ومُلاحِق لما يُنشر باهتمام واخلاص. فقدَّم (40) قراءة احتواها الكتاب؛ تنقل فيها باحثاً بدقة، ومتابعاً لا يغفل عن نأمة ولا تفوته لمحة بحيث تبدو كلّ قراءة من هاته القراءات درساً مُهمّاً للقارئ والدارس.

يتنوع السلمان وهو يقرأ الفن القصصي القصير جداً لدى القصاصين في اختيار عناوين قراءاته؛ ما يدلل على  تقديم اكتشافات متعددة للمجاميع التي يدرسها ويدخل إليها بعدّته البحثية وأدواته النقدية، فلا يقتصر على مسار واحد أو مسارين، بل مسارات تتوافق ورؤيته لكلِّ مادة يضعها على منضدة تشريحه القرائي.. فمن عنوان" تخطّي المشاعر إلى وصف الانفعالات"، إلى" القص القصير جداً في ذاكرة المقهى"، إلى" القصة القصيرة جداً في غرف"، إلى" رقابة الذات"، إلى" اختراق الانفلونزا"، إلى " فوبيا"، إلى" الومضة القصصية"، إلى" شاعرية القص"، إلى" الواقعية التسجيلية"، إلى" تفجير اللغة واكتناز  المعنى"، إلى" جزئيات التجربة السردية"، إلى" أنسنة الحيوان والجماد"، إلى" اللعب بإيحاء الألفاظ"، إلى" السرد الومضي"، إلى" المغامرة الجمالية، إلى" المفارقة المحركة للذاكرة"، إلى" جنون الضحك، وتكثيف الحكي، إلى" الجملة الموجزة  والمحمول الانفرادي"، إلى" المعايير الكمية والكيفية"، إلى" التنوع الحكائي"، إلى" النص الشذري ومكنون الذات".

ولقد أثار اعجابي اللغة النقدية التي اتبعها في الكتابة ما جعلني أشعر أنَّ قراءته تشكل نصوصاً أخرى تثير متعة القارئ وتجعله يسعد في قراءةٍ تمنحه شذا وعطراً يتناميان في مسارب روحه كلما انتقل من قراءة لأخرى. هذا إضافة إلى مقولات استوحاها من كتّاب هذا الفن وهم يشيرون إلى جمالية التعبير وحسن الاستخدام وأهمية السرد القصير جداً.

وهكذا تتبدى اهتمامات السلمان فتترك لدى المتلقي شعور أنّه ألمَّ  بالقص القصير جداً كنوع سردي يُقبل عليه الكثير من القراء بمتعةٍ واستعذاب.

المشـاهدات 150   تاريخ الإضافـة 07/07/2024   رقم المحتوى 49067
أضف تقييـم