استعمار ام استشراف المستقبل؟ |
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب الدكتور: هيثم هادي نعمان الهيتي معهد الدراسات العربية والإسلامية – جامعة اكستر |
النـص : في مقال لضياء كامل سردار( ) نشر بمجلة المستقبليات سنه 1993 بعنوان (استعمار المستقبل) - البعد الاخر للدراسات المستقبلية حدد فيه اتجاه دراسات المستقبليات النقدية التي تهدف الى خلق مستقبليات بديلة ناتجه من ايمان بعض الشعوب والافراد ذات الفكر الاستعماري الساعية لغرض هيمنتها على بقية الشعوب المستضعفةـ حيث حول سردار الفكر الاستعماري الى نوع من انواع الدراسات المستقبلية، حيث بذل العلماء الغربين المتخصصين بعلوم المستقبل جهودهم لجعل دراسات المستقبل حكراً لهم وهدفها استعمار العالم عبر تكريس فكرة ان يكون المستقبل حكراً لهم. حيث كانت نهاية الحرب العالمية الثانية خط سير جديد ارتكزت عليه الدراسات المستقبلية في الثقافة الغربية والتي تميل بشدة الى تطبيق طردي للدراسات المستقبلية على انها اداة لإقصاء الثقافات غير الغربية من المستقبل. وناقش سردار فكرة العنصرية الغربية في دراسات المستقبل دون الاشارة المباشرة لها، حيث ركز على مفهوم الاقصاء، اقصاء المفكرين والباحثين الغربين لكل الباحثين والمفكرين من غير الغربين، بل ان تعدى الى اقصاء النساء بصورة شبهه كاملة من خلال التسويق لعلماء المستقبل اصحاب البشرة البيضاء والذين وضعوا اولويات علم المستقبل وفقا لفطرتهم ومصالحهم. كما أكد سردار نظرة الغربين من المتخصصين بعلم المستقبل بانه نمط متقدم في مرحلته الاخيرة من الانجاز ليدخل ضمن العلوم الاكاديمية الاخرى وبالتالي سيكون علم المستقبل وسيله اكاديمية اضافية لاضطهاد الثقافات الاخرى غير الغربية وسحقها مثلها مثل دراسات الاستشراق التي رسمت صورة متحجرة وايدلوجية عن العرب والمسلمين. ومن هنا تركزت دراسات المستقبل وفق المتصور الغربي المتحيز الاناني الى ميدان الدراسات والاهداف العسكرية الميداني الثاني في المجال الفردي والثالث في المجال الاجتماعي والمؤسسي، وكان هذه الاختيار للميادين الثلاث لما يحترم المصالح الغربية ويقصي الثقافات الاخرى غير الغربية. وكان اهم الاهتمامات الغربية في المجال المستقبلي هو تطوير الدراسات المستقبلية وفقا للحاجات ونتيجة للدراسات العسكرية والامنية وبالتالي نتجت حاجة غربية لإبقاء الدول غير الغربية مجردة فكريا ضعيفة وموافقة على كل الإملاءات التي تخدم المصالح السياسية والاقتصادية الغربية. وكنتيجة للتقدم التكنولوجي الغربي الذي تطور الدراسات المستقبلية التي تنبأ بمخاطر المستقبل على كوكب الارض والذي دفع الباحثين الغربيين الى التفكير باستعمار المستقبل من خلال البحث عن عوالم اخرى واستعمارها لتكون مكاناً مؤهلاً للعيش في حالة مواجهة الارض الكوارث البيئية وما دراسات العيش في المريخ ومحاولات اكتشاف الكواكب الاخرى الانموذج على هذا الناتج من التفكير. ويشير سردار الى ان جذور علم المستقبل كمفهوم استحضره الغرب نتيجة للازمة التي صنعها من خلال السياسيات التي اثرت على البيئة وبالتالي خلق تصورات ايديولوجية لدى الغرب بان اهمية دراسات المستقبل هي نتيجة لتهديدات غربين. ولذلك فان الهدف الاساسي لدراسة المستقبل لدى الغربيين هو خلق مستقبل يمكن الغربين من استخدام دراساتهم من اجل سيطرة الغرب على الثقافات الاخرى. في المقابل يكمل هذه المقالة ويعززها كتاب نهاية التاريخ والانسان الاخير لفرانسيس فوكو ياما وهو كاتب امريكي من اصول يابانية وهو من اهم مفكري المحافظين الجدد في امريكا وهو استاذاً للاقتصاد السياسي وكتاب يسير في نفس الاتجاه الايديولوجي الذي كشفه سردار في مقالته (استعمار المستقبل) حيث أشار الى ان انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط جدار برلين الذي انهى وجود المعسكر الشرقي شكلاً لنهاية التاريخ، ويقصد هنا ان التاريخ يوشك ان يصل الى النهاية بعد تفكك المعسكر الشيوعي وغياب حلف وارشو وتنبأ بميلاد عصر الديمقراطية، الليبرالية التي تعبر عن مرحلة نهاية الايديولوجي، وانبثاق الديمقراطية كبديل ويظهر ان فوكو ياما كان لديه تصور فردي ومتحيز لمستقبل العالم واستقرائه حيث تصور ان العالم قد تم استعماره كليا وان التاريخ قد انتهى وانه لا تغيرات بعد ذلك لذا انتهى التاريخ بأثبات الهيمنة الامريكية. الا ان ذلك يبدو اعتمد على تأكيدات غير حيادية نتيجة لعدة عوامل استنتجتها من خلال مراجعة نقدية وهذه العوامل هي: 1. الايديولوجيا: يبدو ان هناك ايديولوجيا عنصرية ذات نزعة فردية تنظر للثقافة الاخرى على انها عبئ واشكالية وعقبه تقف امام التقدم وان الحلول تأتي من خلال إنهاء هذه الثقافات ودحرها عبر الحروب وفرض انظمة سياسية ذات هيئة ديمقراطية الا انها دول فاشلة لا تمثل الاحلام الوردية واليوتوبيا التي اطلقها الكثير من الكتاب المؤجلين ومثال العراق كدولة فاشلة بعد الاحتلال وعودة طالبان ماهي الا امثله جازمه عن ذلك. 2. الذكاء الثقافي: يميل الكثير من الخبراء والكتاب الغربين الى حاله توصيف الثقافة الاخرى وفقا لفهمهم وزيارتهم واطلاعهم فهم متكامل وعميق ورغم ان هؤلاء الكتاب يمتلكون مهارات عالية في ابهار القارئ وصاحب القرار السياسي الغربي ودفعه للحروب واتخاذ قرار ما عبر لغة جذابه ومثيرة الا انه ما يكتبوه يعبر عن جهل فكري بالأخرى واطلاع يبقى اسير اخر الفهم الضيق ففهم الاخر معضله معقدة لان هناك مسافة ثقافية كبرى ومفاهيم وتاريخ وقيم ومعتقدات لا يمكن ان تعبر عنها عن طريق الطرق الاتصالية او التماس المحدود بالآخر. 3. اللوبيات: معظم اللولبيات تعمل لمصالح محددة وايديولوجية، ولهذه اللوبيات وسائل اتصال وقنوات مؤثرة ورسائل ذات قدرة على التأثير في متخذ القرار وبالتالي فهي محرك يغذي النخبة السياسية بالفهم الضيق الذي يخدم المصالح التي تسعى الجهات ايصالها والتي تقف خلف هذه اللوبيات، حيث صنعت هذه اللوبيات فهما خاطئ لدى متخذ القرار الامريكي من خلال دعم افكار وتسويقها عبر الاعلام والمحاضرات والتقارير، والمقابلات، ونشر الكتب، والمقالات. 4. تأثير الاستشراق: تعتبر بيانات الاستشراق ارث ثقافي وفكري تاريخي لدى الغرب لذا فهو مصدر رئيسي اساسي لبناء الافكار المتحيزة تجاه الاخر. مما يؤدي الى بناء قوالب جامدة وثابتة لدى الخبراء الذين يرغبون في كتابة تحليلاتهم السياسية بحجة شرح الواقع عن الاخر، ومن هنا يكون الخبير بمثابته عقل مقولب ينتج افكار ذات نمط ثابت مهما تأثر بمجريات واحداث جديدة ويدل ذلك على الاستشراق أصبح بمثابة ايديولوجيا نمطية تدفع بالغرب لبناء ارادة قبل دراسته الجديدة ويدفعه ذلك لصياغة دراسة ذات اتجاه غير منطقي. من هنا وجدنا ان حتى مؤلف كتاب نهاية التاريخ فوكو ياما تصلب على مواقفه السابقة المتحيزة منذ 2004 وأصبح اشد منتقدي الغزو الامريكي للعراق وبدلا من ان يكون جزءاً من المثقفين المعززين لمنهج المحافظين الجديد تحول الى اشد منتقديهم وأعلن براءته منهم وهكذا يمكن ان نجد ان المستقبل المرسوم او الذي انشئت لأجله الدراسات المستقبلية جاء بتاريخ معكوسة.
|
المشـاهدات 697 تاريخ الإضافـة 09/07/2024 رقم المحتوى 49184 |