الأحد 2024/9/8 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 26.95 مئويـة
نيوز بار
تقاسيم على الهامش # عبد السادة البصري (( حين تلتقي أستاذك بعد فراق طويل ...!!))
تقاسيم على الهامش # عبد السادة البصري (( حين تلتقي أستاذك بعد فراق طويل ...!!))
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

كثيرون الذين يمرّون في حياتك ، لكن القليل منهم مَنْ يترك أثراً طيّباً لن يمحى من ذاكرتك أبدا ، فكيف إذا كان أستاذك في سِنِي عمرك الدراسيّة الغضّة، ومن الذين سقوا شجرة حبِّك للقراءة والكتابة وشجّعوك على ممارسة الكتابة الأدبية من خلال دعمهم ومؤازرتهم لك في ذلك الوقت لتكون ما أنت عليه الآن ؟! قبل يومين وأنا أتجوّل بين أروقة شارع الفراهيدي الثقافي التقيت أحد أساتذتي أيام الإعدادية ، ومن الذين سكنوا الذاكرة بشكل كبير ، إذ كان يشجّعني على الكتابة في كل وقت !! أستاذي مدرّس اللغة العربية ( محمد حسن ) ذلك الشاب النحيل في وقتها بشعره الأسود الفاحم وشاربه الغض، يقف أمامي اليوم بهيبته التي اعتدت أن أراها كل يوم في درس اللغة العربية وملحقاتها وأنا في الصف الخامس الإعدادي ( العلمي ) في السنة الدراسية ( 78 ــ 1979 )ولكن اصطبغ شعره وشاربه باللون الفضّي الأبيض ، لأعود بذاكرتي في تلك اللحظة إلى درس الإنشاء ( التعبير ) وكيف كان يأخذ بدفتري بعد كل موضوع ليقرأه أمام التلاميذ طالباً منهم التصفيق لي ومشيداً بموهبتي الكتابية ،لحظتها كنت أزداد إصراراً على مواصلة القراءة والبحث عن كل ما هو جديد ومفيد في عالم الأدب من أشعار وقصص وروايات ومسرحيات ، أخذ ينصحني أن أقرأ أكثر وأكثر من الروايات الأجنبية والعربية رغم أنني كنت أقرأ بنهم كل ما يقع بين يدي ،ويشدّ من أزري في كل لحظة !! وبعد انتهاء العام الدراسي طلب منّي أن يأخذ دفتر التعبير ( الإنشاء ) الخاص بي ليحتفظ به !! مرّت السنون وحدث ما حدث وجاء مَنْ جاء ورحل مَنْ رحل ، وأخذت أقدامي بالسير على درب الكتابة ( شعراً ونثراً بكل أشكاله )، دخلت أتون حربين مدمّرتين لأخرج منهما سالماً أحمل جراحات الأسى والألم ، كما صاحبتهما اعتقالات وسجون وتعذيب تركت في النفس شروخاً وهواجس شتى وخوف وقلق ما انفكّ يلازمني رغم كلّ شيء، وصرت احلم ببيت يؤويني وعائلتي في وطن أعطيته كل شيء وما أزال ، لكنّه لم يعطني سوى التشرّد والخوف والألم والتغرّب الداخلي ، ومع كلّ شيء انّه يسكنني عشقاً أبدياً خالصاً ( آه يا وطني ،، عذّبتني غربتي أمّاه في هذا الوطن ) !!! والتقي أستاذي محمد حسن الذي لم أنسَ دعمه وتشجيعه لي منذ أكثر من أربعة عقود ونيف ، كنت حينها جالساً على إحدى مصاطب الشارع أتبادل الحديث مع صديقَيَّ الروائي ياسين شامل والكاتب ماجد قاسم ، قمت له فرحاً ومرحّباً به رغم أنه لم يعرفني لحظتها ، لكن الصديق الكاتب عبد الكريم شلش حينما كان يتمشّى معه قال له لنسلّم على الأستاذ عبد السادة البصري ، فسأله الأستاذ محمد :ــ أينه أريد أن أراه ؟! قدّمته لصديقَيَّ وعرّفتهم به ، ثم وقفت أمامه كما كنت في تلك السنوات تلميذاً يقف أمام أستاذه بكل خشوع واحترام !! نعم خشوع واحترام لأن له قدسية كبيرة في النفس بثقل كلّ لحظة تدريسية أو كلمة تشجيعية قالها لي آنذاك !! تحدّث عن تلك الأيام وكيف كان منبهراً بما أكتبه من تعبير وصور جميلة ، وسرد حكايات وأحداث مرّت في حينها ليقول الواقفون معنا :ــ نِعْمَ الأستاذ ونعم التلميذ أنتما !! المعلّم والمدرّس الذي يزرع فيك روح المكابرة والبحث والخلق الأدبي والإبداعي يستحق أن تقف إليه إجلالا واحتراماً لأنه رسول نقل إليك وبأمانة رسالته التعليمية والتربوية التي صنعت منك رجلاً محبّاً للخير وزارعاً للطيبة ومشيعاً ثقافة المحبّة والتسامح ونكران الذات من خلال ما تكتبه من شعر ونثر في جميع المجالات !! شكراً لك أستاذي وستبقى شمساً سطعت بالخير والمحبّة في سني حياتي لن تغيب عن الذاكرة أبدا!! أتمنى أن يكون التعليم الآن كما في سنوات طفولتنا وصبانا ليصنع رجالاً يزرعون الخير كما زرع الأولون فينا ، وسأبقى أردد :ـ ( زرعوا فأكلنا ، ونزرع فيأكلون).

المشـاهدات 64   تاريخ الإضافـة 21/07/2024   رقم المحتوى 49813
أضف تقييـم