الأحد 2024/9/8 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
نيوز بار
القاصة مآب عامر تقدم قصصا تتحدث عن الهزائم الصغيرة وفيها الصبغة المحلية
القاصة مآب عامر تقدم قصصا تتحدث عن الهزائم الصغيرة وفيها الصبغة المحلية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

حمدي العطار المجموعة القصصية (تنورة جينز قصيرة) للقاصة الشابة مآب عامر والتي جاءت بالمرتبة الثانية في مسابقة الأدباء الشباب الدورة الخامسة 2024 ، تضم المجموعة (16) قصة قصيرة ، معظمها تتحدث عن الهزائم الصغيرة في حياة شخصياتها وهي قصص تقترب كثيرا من الواقع ويمكن ان نطلق عليها – على شخصيات القصص- بالشعبين فهي لا تخفي تلك البساطة ونوع الحاجات الضرورية لحياة الانسان في تلك النصوص، كما انها تحاول التحرر او كسر القيود التي تفرضها تابوات (الجنس) والتعبير عن موضوعاتها بفطرية فهي مشغولة بالحياة وتهتم كثيرا في التفاصيل ولا تخلو قصصها من (طفولة ماكرة) وهي قصص فيها صبغة محلية وهي ميزة لمجموعتها. *القارئ يغرق بالتفاصيل لعل من سمات تجربة القاصة مآب عامر انها تهتم كثيرا بالتفاصيل غير الضرورية والتي لا توظف فنيا فمثلا وصف البيت لمرأة عجوز تجسد العزلة الوصف لا يخدم هذه التقنية لأن التفاصيل لا تعكس عزلة العجوز وصف بيت عادي ! وبذلك يكون الوصف على حساب العناصر الاخرى للقصة، واذا كانت الرواية هي فن التفاصيل فإن القصة القصيرة ليست كذلك، الوصف للبيئة وللشخصيات المحيطة بالحدث قد يؤثر احيانا سلبا على عنصري التركيز والاختزال. *عبوة ماء هذه القصة الاولى في المجموعة تتناول معاناة شخصية شعبية يطلق عليها (السكن) وهو الفتى الذي يجمع اجرة الركاب في الباص (الكية) وخلف هذه القصة معنى عميق غير الظاهر في القصة فهذا نموذج لآلاف المراهقين يعيشون على هامش الحياة لا تعليم ولا مدرسة ،عمل متعب وممل حسرة عليه ( عبوة ماء) تحمل تنمر السائق والركاب، وهدف هذا الفتى في هذه القصة هو جمع مبلغ الاجرة من الركاب ويجب ان يكون كاملا غير ناقص اما حاجته الذاتية فهو بحاجة الى جرعة ماء ، تبدأ القصة بهذه العبارة العائمة والتي يكتشف القارئ فيما بعد بإنها لازمة للبناء الفني للقصة "رأيناه يتلاشى ويتسرب بين أعين الجالسين، يصارع للحاق بهم، إلا أنه ظل يتضاءل كلما تقدمنا للأمام" كلمة ( يتضاءل ) قوية التعبير كدلالة إلى اختفاء مثل هؤلاء بسرعة! السارد بضمير الغائب (القاصة) وهي تبدو جالسة مع الركاب في الباص !لذلك هي تستعرض كل مكونات الحدث القصصي لتخلق بانوراما لركاب الباص ، فهي تضف الطقس(تملأ الفضاء شمس يوم ربيعي ما تزال خجلة) وتصف ملابس الفتى بالتفصيل وحركاته وصراخه (بياع..بياع) وقلقه لأن الاجرة ناقصة (ربع دينار) ثم تنتقل بالوصف الى كل الجالسين في الباص "طالب جامعي خلف السائق يفتح كتابا ويستغرق بتصفحه. في الزاوية اليمنى الاخيرة فتاة ترفع صوت الموسيقى كلما سمعت همسة تخترق سماعاته . امرأة أمامها تحدق عبر النافذة بتركيز وكأنها في عالم آخر يصعب اختراقه، عجوز طاعنة بالسن جانبها تتصفح أدعية في هاتفه المحمول. وعلى المقاعد المتحركة فتيات يجلسن بالتتابع ينظرن إلى أقدامهن كتماثيل لا تتحرك أبصارهن"ص8 كل هذه التفاصيل اخذت الحجم الكبير من القصة حتى تصل القاصة الى الاعلان عن هدف الفتى (يهمس الفتى للسائق قليلا من الماء) ولا يحصل من السائق على الماء ولا من امرأة عجوز التي كانت لديها علبة ماء تناولت منها ،لوح لها الفتى طالبا ما تبقى من الماء..اعتذرت كونها مريضة!، وتنتقل القاصة لتعطي وصفا للشارع والازدحام ومرور طلبة المدارس بالقرب من الباص حتى تصل الى قرار الفتى ان ينزل من الباص لغرض شرب الماء والعودة اليه سريعا قبل ان ينتهي وقت الوقوف! "ترقب الى ابتعادهم- الاولاد الثلاثة- وقفز إلى الشجيرة، أشرع يديه ليمسك بعبوة ماء بقي ربعها، فتحها على عجل تجرع القليل منها، فتح الزحام قليلا فداس السائق بكل قوة على عتلة البنزين وعاد ينظر الى الفتى بسخرية !" مرتين تشير القاصة الى عدم اهتمام السائق بهذا الفتى الذي يعمل معه فهو لا يلبي طلبه ويعطيه الماء ولا يكلف نفسه السير ببطئ ليلحق به الفتى ويصعد الى الباص! لذلك تأتي اهمية العبارة الاستهلالية ومعناها وتأثيرها في القصة وهي "تركه يركض، رأيناه يتلاشى بين أعين الجالسين، وهو يصارع اللحاق بنا، إلا أنه ظل يتضاءل كلما تقدمنا للأمام"ص9 *الكحول ممنوعة قد يحتار القارئ في العثور على تصنيف ثابت لهذه النصوص لان فيها نوع من السيرة الذاتية والذكريات الذاتية لكنها لا تتناسب وعمر القاصة (مآب عامر) فهي لا تملك تاريخا شخصيا يملأ مثل هذه الاحداث ! هي قصة ناضجة تمثل ( النفاق الاجتماعي) في الملبس وفي التعاطي! في قصة (الكحول ممنوعة) المكان مقهى (اركيلة) وتمارس فيه ما يحدث في الملاهي عدا (الكحول ممنوعة) لنطلع على هذا استهلال المثير "تعتلي امرأة فاتنة سلالم مبهرجة بإنارة ساطعة ملونة، تعمد إلى خلع شالها الخفيف وعباءتها الخليجية المتربة عند حوافها السفلى- هذه الملابس الفوقية هي للتمويه فالفتيات يخرجن من بيوتهن الى الشارع مستورات بالحجاب والعباءة وعندما تصلن الى العمل في المقهى تخلعن الملابس الفوقية- لتظهر بهذا الشكل المثير التي تصفه القاصة "يلتصق على جسدها فستان أحمر مذهب عند الأطراف، قوامها منحوت وممتلئ بإثارة شهية، إذ يبدو أن طبيب النحت بالغ بشدة وضخ دهون غزيرة في أردافها"ص47 منتهى النفاق الاجتماعي! ثم يأتي وصف اجواء المقهى ، كاميرات المراقبة ونوع الاغاني وكلماتها عن العشق ، ثم وصف (الستيج) " وخلفه منسق ال(ديجي) لتصل الى هدف كل فتاة تعمل في المقهى "حولهما تتراص الطاولات، يجلس عليها شباب يافعون، بجانب كل شاب نصبت "أركيلة" وفتاة يافعة تؤنسه" وتعلن الفتاة البطلة عن املها (لعل طاولة تدعوها للجلوس) ولا بد ان تفعل شيئا لأثارة الشباب "بتعمد تظهر زنديها عبر فتحة الجاكت على جانبي الفستان، تطلق خطواتها صوت قرقعة خلخالها الذهبي" لا يقتصر هدف القصة على رغبة البطلة بالحصول عى زبون فقط بل العنوان يشير الى غير ذلك وهو (الكحول ممنوعة) لكن الممارسات الاخرى غير الاخلاقية مسموحة !"الشاب لهث يوقف النادلة، هامسا في إذنها برغبته بمشروب كحولي، أجابته النادلة الكحول ممنوعة هنا إذا أحببت لدي شيء آخر وسارت مبتعدة، قفز خلفها الشاب وتتبع النادلة إلى الحمامات، حاول التقرب منها ومداعبة جسدها، أعطته حبة وقالت بهمس (هذا هو الشيء الآخر) . ابتلع الشاب الحبة وأعطاها خمسين ألفا"ص50 وهذا بيت القصيد ان ترويج حبوب الكرستال والمخدرات هي البديل عن (منع الكحول) - نفاق اجتماعي اخر- اما ما يحدث في القصة للفتاة ورغبتها في الحصول على زبون فليس بإهمية هذا المفصل ولو لا تلك النهاية المدهشة (هذا هو الشيء الاخر) لكانت قصة عادية ! توفر المجموعة التشويق كما يوجد الخيط الرابط الذي تنظم فيه القاصة قصص هذه المجموعة ، الا ان ملاحظتنا النقدية تخص حجم التفاصيل -وصعوبة التوظيف الفني لها ! في القصص المتصلة بحياة الشخصيات وحاولت القاصة ان تجد التواشج بين الذاتي والموضوعي وبين الشخصية والعالم الخارجي والافلات من رقابة صارمة في مجتمع محافظ فيما يتعلق بإثارة الجوانب الجنسية الحساسة ، وعلى الرغم من واقعية القصص الا انها لا تخلو من الخيال ،وهي من وجهة نظري تخطو بشكل صحيح في مجال القصة القصيرة وعليها أن تجتهد أكثر.

المشـاهدات 53   تاريخ الإضافـة 21/07/2024   رقم المحتوى 49815
أضف تقييـم