وعاء الأدب والتاريخ الثقافي بين الجواهري ومعاصريه: وقائع حققها المؤرِّخ والأديب الناقد أ.د. عماد الجواهري |
مسرح |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : أ.د. صباح مهدي رميض جامعة بغداد / كلية التربية اِبن رشد
صُـدِرَ حديثاً عن (دار تموز ديموزي، 2024) في دمشق، الطبعة الأولى من كتاب المؤرِّخ الأُستاذ الدكتور عماد الجواهري: الجواهري ومعاصروه: مباحث في تاريخ العراق الثقافي مواقف وتجليات (1921 ــــــ 1958)، وزِّعت مادَّة الكتاب الأدبية والتاريخية على أحد عشر مبحثاً، بواقع أربعمئة واِثنتين وثلاثين صفحة، مُعزِّزاً بثلاث صور ورَدَت في بدايات الكتاب بخلاف ما هو مُعتاد أنْ تكون في ملاحقه، ولعلَّ للمؤلِّف في ذلك شأنًا؟ قـدَّمَ للكتاب الأديب والأكاديمي الأُستاذ الدكتور سعيد عدنان، ولعلَّ اختيار المؤلِّف لمن يقدِّم لمُنجزه هذا أكثر من اعتبار؛ منها مكانته في حقل اِختصاص اللَّغة العربية وآدابها، وصراحته ودِقَّـته العلميَّة الموضوعيَّة في التقييم والتقويم، فضلاً عن ذلك؛ قديم الصحبة والزمالة الأكاديميَّة بينهُما، واِستمرارهُما حتى اليوم، ولعلَّ ما تلزم الإشارة إليه في سياق ما وَرَدَ في التقديم بوصف المؤرِّخ الجواهري قوله (صحب انشغاله بالتاريخ انشغاله بالأدب، إذ أحبَّه شعراً ونثراً، وأقبل عليه بالقراءة والبحث، واِتَّضح أنَّ له بين الأدب والتاريخ وشائج لا تنفصم، وأنَّ الأدب لا يفهم حقّ الفهم من دون أنْ يوضع في سياق التاريخ، وأنَّ قطعًا من الشعر والنثر تظل محدودة المعنى من دون تسليط الضوء عليها)، ومن هنا جاء مضمون عنوان المقال أنَّ الأدب والتاريخ في وعاءٍ واحد ينهل بعضهم من بعض، وكما هو معروض في سياق مباحِث الكتاب. رافقَ الجواهري شاعر العرب الأكبر ولادة الدولة العراقية الحديثة التي بدأت تتَّضِح ملامحها منذ قيام ثورة العشرين، وما تلاها من متغيّرات، منها ظروف البيعة للملك فيصل الأول، وإرهاصات ميدان التعليم والمعارف، وظروف اِنقلاب عام 1936، وانتفاضة نيسان مايس 1941، وما أعقبها من أحداث شهدها العراق حتى قيام ثورة 14 تموز 1958، وبعدها أحداث العهد الجمهوري الأول والثاني وحكومات البعث المُتعاقِبة حتى وفاته عام 1997، ولا شكَّ أنَّ خارِطة تِلكَ الأحداث عبَّـرَ عنها الجواهري الشاعر بقصائِده أحياناً وهو الرد الغالب، أو في مقالة تتصدّر الصحف التي تولّى رئاسة تحريرها ومنها الاِنقلاب والرأي العام والفرات أحياناً أُخرى. ومــن المؤكَّــد أنَّ القصائِـد والمقـالات الصحـفـيـة سواء تِلكَ التي نظَّمها الجواهري الشاعر نفسه، أو معاصروه من الشعراء والكُـتَّـاب هي موارِد معرفيَّة أصيلة توثق تاريخ العراق المعاصر، وتستحق أنْ تـكـون مــــادَّة أســاسـيــة في منهج البحث التاريخي، كمادَّة أكاديمية تدرَّس على نحو الخصوص، إلَّا أنَّ هذا المفصل الحيوي في المنهجية التاريخية ظلَّ في إطار محدود بين المؤرخين العراقيين المُعاصرين، إلَّا أنَّ المؤرخ الدكتور عماد الجواهري تميّز وأبدع في توظيفه في عدد من مؤلفاته ولا سِيَّما في السنوات الأخيرة، ولا شكَّ أنَّ هذا الأمر ينطلق من ذائقته الأدبية وقريحته الشعرية التي نافست المُختصِّين في مجالات الأدب العربي الحديث. وعلى أساس هذه الرؤية؛ اِحتوى وعاء الأدب والتاريخ مضامين هذا السفر الثقافي الكبير وقـدَّمَ مادَّة غزيرة للباحِثين المُختصِّين في تاريخ العراق المُعاصِر ولا سِيَّما حقبته العهد الملكي والعهد الجمهوري الأول والثاني، فضلاً عن كونه مادَّة مهمة للباحِثين في شؤون الأدب العربي شِعراً ونقداً. حفل الكتاب بثنائيَّاتٍ عديدة قاربت بين التاريخ والأدب، بقصائد الشعر ومقالات النثر ومنها بعض القصائد العصماء (تمثال العبوديات، والأُم حياة، والشاعر المغترب، وأوتار العود، والملجأ العشرون، والمومس العمياء) وغيرها الكثير التي وَرَدَت في مباحِث الكِتاب، فهي بدلالات معرفيَّة تُـشكِّـل في حقيقتها وقائِع تاريخ العراق المُعاصِر، وظَّفها المؤرِّخ الجواهري بحِرفيَّة عالية وحفَّـزَ بها ذِهنيَّة القارِئ، ووضع فرضيَّات مقبولة، وساقَ استنتاجات تستحق الوقوف عندها عند كِتابة تاريخ العراق المعاصر، برؤية موضوعيَّة جديدة بعيدة عن أساليب التكرار والسَّرد الرتيب، ومن ثم فإنَّ هذه دَعوة للباحِثين في توظيف منهج الأدب والنقد في تعزيز ومعرِفة أسباب الأحداث والوقائِع التاريخية ونتائِجها. لا شكَّ أنَّ من يقرأ الكتاب بـدقَّة، يلحظ أنَّ اِختيارات الجواهري المؤرِّخ ذكيَّة للشخصيَّات الأدبية من الشعراء والنقَّاد، وبالدِقَّـة ذاتها تـمَّ اِختيار نوع القصيدة من الدواوين والمجموعات الشعريَّة، إذ امتازت شخصيَّاته بالتنوّع والرقي في مُستوى العطاء الأدبي، على الرغم من الاختلاف والتباين في مُستوى التوجُّهــات الفِكــريَّة والعـقـائِـديَّة والسِّياسـيَّة والمناطـقـيَّة، إلَّا أنَّ الوعـاء الأكبر الجامع لـهـم هـو (الوطن)، ولعلَّ اِستعراض بعض الأسماء التي وَرَدَت بين دِفَّتي الكتاب تُعزِّز مصداقيَّة القول، منهم: محمد رضا الشبيبي، والسيد كمال الدين، ومعروف الرصافي، والزهاوي، ومحمد عزة الأعظمي، وفائق بيكس، وعبدالله كوران، وعز الدين مصطفى رسول، ومن أعلام الشعر الحر عبد الوهاب البياتي، وبدر شاكر السياب، وبلند الحيدري، ونازك الملائكة، وأسماء عديدة أُخرى، وبحُرفيَّة متقدمة أوجد المؤرِّخ الجواهري ثنائية التوافق بينهم وبين الجواهري شاعر العرب الأكبر. هكذا قـدَّم الكتاب سياحة فِكريَّة وثقافية وأدبية (شعر، نثر، نقد) ووقائع وأحداث في تاريخ العراق المعاصر، وبالنتيجة سيكون لهذا الجهد العلمي والفِكري المُميَّز موقعه في أدراج المكتبة العراقية المُعاصِرة، بوركت جهود المؤرِّخ الأُستاذ الدكتور عماد الجواهري، ويستحق أنْ يوصف بالأديب الناقد والمؤرِّخ الحصيف، نرجو له مزيداً من العطاء والإبداع. وأختم بقولهِ تعالى {{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}}. (يُوسُــفْ: 76).
|
المشـاهدات 169 تاريخ الإضافـة 13/08/2024 رقم المحتوى 51293 |
جامعة بغداد تبحث في التغيرات الهرمونية والمناعية للمصابين بامراض الكبد المزمنة |
إصدارات جديدة عن دار الشؤون الثقافية طالب كريم مقدمة في النقد الأدبي للأستاذ الدكتور علي جواد الطاهر |
التناقض بين الأقوال والأفعال وأزمة فقدان الثقة! |
المستثمر العراقي بين استغلال امواله وتهميش دوره الريادي |
صلاح يكشف الفارق بين كلوب وسلوت |