النـص : كتب ـ فراس الحمداني
تصوير ـ ابراهيم الحداد
تعتبر مدينة كركوك العراقية احدى ابرز المدن التي تحتضن خليط سكاني اهلها لان تكون مدينة للمحبة والتاخي والسلام وتسمى بالعراق المصغر وذلك من منطلق وجود العرب والتركمان ( سنة وشيعة ) والكرد والمسيحيين والصابئة المندائيين والايزديين والكائيين وحتى اليهود الذين كانوا يسكنونها في حقب زمنية ماضية قبيل هجرتهم .ومن القصص المأثورة التي لا يزال يشار اليها بالبنان هي قصة الشيخ الجليل الحاج عابد القادري .. ذلك اليتيم اليهودي الذي نال هذا الاسم بعد ان هاجرت عائلته من العراق وتركته وحيدا لسبب صادم سنعرفه من تفاصيل القصة الني رواها لنا احد احفاده وورثة مسيرته الدينية الاسلامية وهو محمد العابد والذي قال " ان " الشيخ الحاج عابد عبدالله القادري قد ولد عام ١٨٩٨ من والدين يهوديين في محافظة كركوك وتحديدا" في المنطقة التي كانت تسمى بذلك الوقت منطقة ( تورات محلاسى او حارة اليهود ) والتي تعرف الان بمنطقة بريادي في كركوك . وقد توفيت والدته بعد ولادته مباشرة وهو ما دعاهم للتشائم منه وقتها وذلك لكون اليهــود بطبيعتهـم يتشــائمـون من الوليــد الذي تتوفى والدته عند الولادة ويعتبرون ذلك نذير شؤوم وهو ما دعا الى عدم تقبل قرينات الوالدة من اليهوديات لرعاية الطفل او حتى الاعتناء به بين الفينة والاخرى . ليجبر والده يوسف اليهودي على استعطاف بعض النسوة المسلمات من سكنة المنطقة .. حتى قبلت به وبكل كرم عائلة كركوكية معروفة تعرف ببيت السيد (حسن ساقي) وزوجته السيدة (زبيدة خانم) التي عاملته كأبن لها وارضعته واعتنت به وفقا" لرحابة ديننا الاسلامي وكم الرحمة التي فيه . لكن عائلته اليهودية ما لبثت حتى هاجرت وتركت الصبي وحيدا" كونه قد رضع وترعرع في بيت اسلامي .وحول المرحلة اللاحقة قال محمد العابد " ان الشيخ الحاج عابد القادري بدء بالتعرف على تعاليم الدين الاسلامي منذ صغره حتى اصبح عابداً تقياً ورعاً و مؤذنا في الجامع الذي حمل اسمه في ما بعد و الذي اعاد بنائه بنفسه وانشأ قبته ومنارته على نفقته الخاصة وبمساعدة بعض محبيه في المنطقة .وكان الشيخ الحاج عابد القادري رحمه الله حريصا على ادامة مجالس الذكر وتنظيم دورات تلاوة وحفظ القران المستمرة في التكية والجامع الى الان وكان الشيخ مصدر الهام لكل اهالي المنطقة والمناطق المجاورة وكان منذ ريعان شبابه ملازما" للشيخ طاهر بن محمد افندي و تتلمذ على يده سالكا" طريق التصوف .وكان في كل يوم أحد ويوم اربعاء من كل اسبوع يقرأ قصيدة البردة الشريفة بكامل فصولها العشرة وإلى هذا اليوم لاتزال سفرته دائمة بالخير وقد رزقه الله حج بيته الحرام ثلاث وثلاثين مرة بواقع ست مرات منها برا" وستة اخرى بحرا" واحدى وعشرين مرة جواً مع خيرة مشايخ محافظة كركوك وايضا لاتزال أعماله الخيرية التي ساهم بها كترميم بعض التكايا والمساجد تذكر بمجالس الخير في كركوك حتى يومنا هذا . واختتم بالقول " توفي الشيخ الملا عابد عبدالله القادري عام ١٩٩٢ ودفن في نفس الجامع الذي حمل اسمه وهو زوج عمتي الذي اتشرف به وبسره العظيم مع الله سبحانه وتعالى واتشرف بان اكون احد احفاده الذين ورثوا مسيرته في خدمة الجامع وهذه القصة يتناولها الناس هنا في الغراق بفخر واعتزاز كونها من اعظم قصي التعايش السلمي في مدينة كركوك التي يطبق اهلها الاصلاء قولها تعالى ( إن أكرمكم عند الله اتقاكم).
|