الخميس 2024/9/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
الرئيس الإيراني بزشكيان في بغداد: أبعاد الزيارة ودلالاتها
الرئيس الإيراني بزشكيان في بغداد: أبعاد الزيارة ودلالاتها
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناجي الغزي كاتب سياسي
النـص :

 

تأتي زيارة الرئيس الإيراني بزشكيان إلى العراق على رأس وفد سياسي واقتصادي رفيع إلى بغداد, استجابة لدعوة رسمية من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الشهر الماضي. وتأتي هذه الزيارة كواحدة من أهم التحركات الدبلوماسية الهامة في المنطقة, لكونها تحمل في طياتها العديد من الدلالات والرسائل التي تتجاوز حدود البلدين, لتصل إلى المجتمع الدولي والإقليمي وعلى رأسهم الولايات المتحدة وهي زيارته الأولى خارج إيران منذ توليه المنصب أبعاداً متعددة تعكس تداخل الملفات الاقتصادية والأمنية والسياسية. إذ تعكس هذه الزيارة رغبة إيران في تعزيز حضورها الإقليمي, وتأكيد علاقاتها الوثيقة مع العراق في ظل توترات دولية وإقليمية متعددة, منها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتحديات التوتر مع بعض الفصائل العراقية المسلحة القريبة من إيران. وتعكس هذه الزيارة استراتيجية إيران في التعامل مع العراق كحليف استراتيجي في ظل العقوبات والضغوط الدولية المفروضة عليها.

 

الأبعاد الاقتصادية: تحالف استراتيجي في ظل الضغوط

 

لعب الاقتصاد دوراً محورياً في زيارة بزشكيان إلى العراق, حيث تم توقيع 14 مذكرة تفاهم بين البلدين شملت مجالات متنوعة مثل الأمن والسياحة والتجارة. في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران, تسعى طهران إلى تعزيز علاقتها الاقتصادية مع العراق, الذي يعتبر منفذاً حيوياً لها لتخفيف تأثير هذه العقوبات. الهدف هنا ليس فقط تعزيز التبادل التجاري, بل أيضاً خلق جسور اقتصادية تضمن استدامة العلاقات بين البلدين، وخاصة في مجال السياحة الدينية التي تعد مصدر دخل هام لكلا البلدين. كذلك تمت مناقشة ملف المياه الشائك, حيث اتفق الجانبان على ضخ كميات أكبر من المياه من إيران إلى العراق خاصة في المناطق المتضررة من الجفاف, ما يعكس رغبة البلدين في تجاوز العقبات المشتركة وتطوير التعاون في هذا المجال الحيوي.

 

الأبعاد الأمنية: تطبيق الاتفاقيات وتعزيز الاستقرار

 

لم تقتصر محادثات بزشكيان مع المسؤولين العراقيين على الاقتصاد فحسب، بل تناولت أيضاً قضايا أمنية ذات أهمية قصوى.  ففي ظل التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة, كانت قضية أمن الحدود العراقية الإيرانية وهي أحد المحاور الرئيسية في المباحثات, بما تشكله من هواجس متشابكة بين البلدين اللذين يشتركان في حدود تمتد على مسافة 1458 كيلومترا, وأن ضبط الحدود المشتركة يتطلب تعاونا وثيقا. وأن طهران تتحدث عن تقارير بشأن نشاط الموساد ضدها انطلاقا من إقليم كردستان, كما تجدر الإشارة إلى أن هناك إتفاقية أمنية موقعة بين البلدين في مارس 2023 والتي تلزم العراق بإغلاق مواقع الفصائل الكردية الإيرانية المعارضة تسليم أسلحتها الى قوات البيشمركة الكردية. كما أكدت بغداد التزامها بهذه الاتفاقية من خلال تنفيذ بنودها بشكل دقيق, حيث قامت بإغلاق نحو 77 موقعاً للفصائل المعارضة, ومن ابرزهم  (جماعة كوملة الانفصالية) وإجلاء مقراتهم  وقواتهم من منطقة زرجويز الحدودية إلى منطقة سوراش قرب مدينة دوكان على بعد 40 كيلومترا شمال المنطقة السابقة. وتقسيم عناصرها إلى 6 مخيمات تحت سيطرة الحكومة العراقية موزعة بين اربيل والسليمانية. هذا الالتزام يعكس جدية العراق في التعامل مع القضايا الأمنية المشتركة ويعزز من ثقة إيران في شريكها العراقي.

 

الأبعاد الإقليمية والدولية: رسائل إلى الخصوم والحلفاء

 

تأتي زيارة بزشكيان إلى العراق في وقت يشهد فيه الإقليم تصاعداً في التوترات سواء بين إيران والولايات المتحدة أو بين إيران ودول الخليج. وقد حرص الطرفان خلال الزيارة على توجيه رسائل سياسية متعددة إلى الأطراف الإقليمية والدولية. من بين هذه الرسائل تأكيد العراق وإيران على دعمهما للقضية الفلسطينية, وخاصة لحركة حماس, وهو موقف يعكس رغبة البلدين في توحيد مواقفهما تجاه القضايا الإقليمية الكبرى. كما أن اللقاء الذي جمع بين بزشكيان ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كان بمثابة إشارة إلى أن العراق يسعى للعب دور الوسيط بين إيران والدول الأخرى في المنطقة, خاصة في ظل الجهود العراقية السابقة في إعادة العلاقات بين الرياض وطهران.ومن بين أبرز الرسائل التي حملتها زيارة بزشكيان, كانت تلك الموجهة إلى الولايات المتحدة. فبغض النظر عن العقوبات والضغوط الدولية, أكدت طهران من خلال هذه الزيارة أنها ماضية في تعزيز علاقاتها مع العراق، وأنها مستعدة لملئ أي فراغ قد ينشأ نتيجة انسحاب القوات الأمريكية من العراق. وفي هذا السياق كان توقيت الإعلان عن الزيارة ذات دلالة خاصة, حيث جاء بعد إعلان بغداد عن تفاهم مع واشنطن بشأن انسحاب القوات الأمريكية من العراق. بزشكيان أراد من خلال هذه الزيارة توجيه رسالة واضحة إلى واشنطن مفادها أن إيران تعتبر العراق حليفاً استراتيجياً, وأنها مستعدة للتعاون معه لتعزيز استقراره وسلامته الإقليمية.

 

الوضع الداخلي في العراق: دعم الحلفاء وتعزيز التحالفات

 

على الصعيد الداخلي تأتي زيارة بزشكيان في ظل تصاعد التوترات بين قادة "الإطار التنسيقي" ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني, وهي توترات تهدد بتفكك التحالف الذي يحظى بدعم إيراني كبير. لذلك، من المتوقع أن يسعى بزشكيان خلال هذه الزيارة إلى تعزيز موقف الأطراف العراقية القريبة من إيران, والعمل على ضمان استمرار التحالفات التي تعتبرها طهران ضرورية للحفاظ على نفوذها في العراق.كما شملت زيارة بزشكيان أيضاً أربيل والسليمانية، حيث التقى بحكومة اقليم كردستان مع السيد نيجيرفان بارزاني والزعيم السيد مسعود بارزاني ورئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني بافل طالباني لبحث ملف تواجد المعارضة الكردية الإيرانية في إقليم كردستان. هذا الملف يعد من القضايا العالقة بين البلدين، خاصة في ظل الاتهامات الإيرانية بوجود نشاط إسرائيلي في الإقليم. اللقاء بين بزشكيان وبارزاني سيكون بمثابة فرصة لإيران للتأكيد على ضرورة تطبيق الاتفاقيات الأمنية المبرمة بين البلدين، وكذلك لمناقشة القضايا المتعلقة بالأمن الإقليمي. كما اعلن القنصل الإيراني في محافظة البصرة علي عابدي, عن زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لمحافظة البصرة, التي تعزز من التعاون الاقتصادي والامني بين حكومة البصرة الحدودية والجكهورية الايرانية.

 

اللقاء مع رئيس مجلس القضاء العراقي

 

ومن اهم اللقاءات التي جرت خلال زيارة بزشكيان هو اجتماعه مع رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان. هذا اللقاء أثار تساؤلات عديدة حول الهدف من هذا الاجتماع, خاصة في ظل الاتهامات الأمريكية لزيدان بالتعاطف مع إيران. من المتوقع أن يسعى بزشكيان من خلال هذا اللقاء إلى توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأن إيران لا تزال قادرة على التأثير في المشهد العراقي, وأنها قادرة على حماية مصالحها من خلال تعزيز علاقاتها مع مختلف المؤسسات العراقية.

 

ختام الزيارة: في النجف وكربلاء

 

في إطار جولته الشاملة داخل العراق، اختتم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان زيارته إلى محافظة النجف, إحدى أهم المدن الدينية في العراق والعالم الإسلامي, بما تحمله من رمزية دينية وثقل روحي. حيث التقى بزشكيان بعدد من المسؤولين الحكوميين, وجرت مناقشات حول تعزيز التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك, وذلك في ضوء مذكرات التفاهم الأربع عشرة التي تم توقيعها خلال زيارته للعراق.وبعد زيارة النجف توجه بزشكيان إلى محافظة كربلاء, المدينة التي تحظى بأهمية دينية كبيرة لدى المسلمين الشيعة. في كربلاء التقى بزشكيان بالحكومة المحلية لمناقشة القضايا المشتركة بين البلدين, بما في ذلك تسهيل زيارات الإيرانيين للأماكن المقدسة في كربلاء. هذه اللقاءات تؤكد حرص بزشكيان على تعزيز الروابط الدينية والثقافية بين إيران والعراق، وهو جانب لا يمكن إغفاله في العلاقات الثنائية.زيارة الرئيس الإيراني بزشكيان إلى العراق خلال ثلاثة أيام جاءت في توقيت حساس, وتعكس رغبة إيران في تعزيز علاقاتها مع بغداد على مختلف الأصعدة. هذه الزيارة لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل كانت بمثابة رسالة واضحة إلى الخصوم والحلفاء بأن طهران ماضية في تنفيذ استراتيجيتها الإقليمية, وأنها تعتبر العراق شريكاً استراتيجياً في مواجهة التحديات المشتركة. تبقى الأيام المقبلة كفيلة بالكشف عن مدى تأثير هذه الزيارة على العلاقات العراقية الإيرانية, وعلى توازن القوى في المنطقة بشكل عام.

المشـاهدات 26   تاريخ الإضافـة 17/09/2024   رقم المحتوى 53511
أضف تقييـم