الأحد 2024/10/6 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
مدهش وصدامي ..العرض الفلسطيني «حجارة وبرتقال»: الصمت الذي فضح سردية الاحتلال
مدهش وصدامي ..العرض الفلسطيني «حجارة وبرتقال»: الصمت الذي فضح سردية الاحتلال
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

لندن - أنور عوض - أدهش العرض المسرحي الفلسطيني «حجارة وبرتقال» الجمهور قبل النقاد خلال سنين عرضه الـ14 عاما الماضية، إلا أن «حجارة وبرتقال» التي عرضت في مسرح (Theatro Technis) وسط لندن في الأسبوع الأخير من يوليو/تموز المنصرم، عمقت طرح الاحترافية المسرحية في توقيت وبيئة مختلفتين هذه المرة.. فالشارع البريطاني وغيره من شوارع العالم بات جزءا من حراك القضية نفسها ، وجمهور العرض ليس هو المتفرج، بل هو فاعل أساسي في دعم النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولذا كان طبيعيا أن يتوشح كثير من جمهور العرض الكوفية الفلسطينية.. إذ أن غالب الحضور، قادته قدماه لينهل من العرض الفني قيم التاريخي والثقافة لشعب فلسطين وأرضه.

 

الجمهور والعرض

 

مسرحية «حجارة وبرتقال» ولعروضها العديدة خلال الأعوام الماضية، كتب عنها الكثيرون، لما تلخّصه بشأن جوهر الصراع وفلسفة الانتماء للأرض، وفضح سردية المحتل الإسرائيلي/ غير أن العرض الأخير جاء مختلفا.في العادة، ينتظم الجمهور على المقاعد، ثم بعدها ينطلق العرض المسرحي، غير أن الأمر لم يكن كذلك هنا، فالجمهور دخل القاعة بينما كانت بطلة المسرحية الفنانة إيمان عون تحيك عالما من الفن يعبر عن إرادة المرأة الفلسطينية، كانت تحمل البرتقال بيديها وتقبله، وكأنها تقول للجمهور والعالم، نحن هنا.. وهذه أرضنا.ديكور العرض البسيط ، متمثلا في دائرة من قطع الحجارة وفاكهة البرتقال، وضعت بالتناوب، وإلى جوارها وعلى امتدادها، يطل تاريخ فلسطين الأرض والشعب والتاريخ، على ضوء إضاءة خافتة، تنعكس على منسوجات فلسطينية وضعت على مقاعد، وهناك أوانٍ مزخرفة، طبق فاكهة وزهر يعبران عن ثراء طرح الأرض، كل قطعة في هذا الديكور البسيط للغاية كانت في مكانها تماما، تنطق بلغتها ولونها. في القلب من العرض الصامت، تنتصب بطلة العرض إيمان عون في لباس فلسطيني تقليدي غارق في البياض وموشح بتطريز فلسطيني، تنتصب برأس مرفوع، محتفية بما تملكه من وطن وبيت وبرتقال، تشمه مرارا وتقبله، وكأنها تقبل سلفها من الأجداد ممن غرسوا أشجار البرتقال نفسه.. أما الفنان إدوارد معلم الشريك في بطولة المسرحية، فقد جسد بأداء مذهل دور المحتل المغرور والمخادع والمتحرش أيضا، والراغب في أن يضم كل شي لملكيته استنادا لقانون المحتل وعنجهيته، وأن الصراع على ملكية المنزل هو تلخيص لنهج الغريب القادم من بعيد ليحتل كل شيء.وخلال الـ48 دقيقة هي عمر عرض المسرحية جسد الفنانان دقة الانتقال بين المشاهد، بلا فواصل وحققا توافقا مدهشا مع الخلفية الصوتية الموسيقية، التي أبدع فيها الموسيقي رامي واشاشا، بل حتى نظرات العيون وتنهيدات الصدر ولمسات الغضب كانت تمثل احترافية عالية لبطلي العرض المسرحي الصامت.. كانت حركة جسديهما تحكي صراع الأرض، وتنطق بأفصح ما يكون.. وقتها لامس الجمهور حقيقة أن ليس كل الصمت صمتا.. بل من الصمت ما يجلي الأكاذيب ويفضح مزاعم الاحتلال، وباختصار يمكن القول إن المسرحية جسدت التميز في التعبير البليغ والاختزال المثالي.بالعودة، إلى أن جمهور العرض لم يكن متفرجا، تحركت عقب نهاية العرض، إلى إحدى زوايا القاعة، حيث كان بطل العرض الفنان إدوارد معلم.. يقف صامتا، وهو يحدق بعينيه، يرصد تفاعل الجمهور بعد العرض، ويشعر مجددا، بأنه وفريق العرض يقدمون ما يختلف فعلا وبصمت. سألت الفنان إدوار معلم وهو غارق في نظراته تلك، قدمتم هذا العرض مرارا، فما الذي اختلف هذا المساء.. انت صامت في العرض وبعده.. والجمهور يضج؟ فأجابني بعبارة قصيرة محتشدة بالكثير، «هذا ما يجعلنا نمضي قدما فصمتنا في العرض الفني صوت للقضية الفلسطينية» .وقال إنهم كفنانين سيواصلون طرح القضية الفلسطينية.. لأن الفن لسان الشعوب. وتحدث عن كيف أن الفنون يمكنها تبني ودعم الحقوق، دون خوف من أن يؤثر على الرسالة الفنية نفسها.

 

أصوات ما بعد الصمت

 

بنهاية العرض، وعقب تصفيق لدقائق، استقبلت مخرجة المسرحية البريطانية موجيسولا أديبايو، وبطلة العرض الفنانة إيمان عون، أسئلة وتعليقات الجمهور.وفي إحدى إجاباتها، غاصت عميقا لتصل ما بين الاحتلال وتاريخه وتاريخ من دعموه.. كانت المخرجة البريطانية تتحدث من منصة وعي وإنسانية، لتخاطب نفسها، ووطنها بريطانيا قبل كل شيء وكذا الجمهور لتقول، إن الفرجة لم تعد تجدي، إن الإبادة الجماعية يجب أن تتوقف ثم تضيف «نحن جزء من هذه الإبادة الجماعية، وهذا هو التاريخ هنا في بريطانيا، وما نقدمه في المسرحية هذا ليس مسرحا للمشاهدة فقط، ولكنها دعوة للجميع لتقديم ما يستطيعون».ثم قفزت المخرجة في إجابة أخرى بشأن إمكانية تقديم العرض في مدارس بريطانيا.. نريد تقديم العروض في كل مكان، ولكن ولنكون معا.. ولتجدوا الإجابة أيضا، ماذا لو اقترح كل منكم مقترحا لتقديم العرض في مدرسة هنا في بريطانيا، ستقابلون بالرفض من تلك الجهات، وهنا الإجابة لماذا يرفضون وصول الصوت الفلسطيني.. وهنا تكمن الإجابة على الكثير من الأسئلة.. وأكملت «تقييد وصول حقيقة الاحتلال بمنع عرض ما يعرب ما يجري هو يعبر عن كيف يحاول هؤلاء الآخرين تعقيد مسألة الاحتلال وانتهاكاته وكأنّها محاولة للهروب، بل هي كذلك حقا.. الهروب من التاريخ وما يجري الآن أيضا».

 

المشـاهدات 47   تاريخ الإضافـة 30/09/2024   رقم المحتوى 54197
أضف تقييـم