الأحد 2024/10/6 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 22.95 مئويـة
فلسفة الحياة في القصيدة العربية
فلسفة الحياة في القصيدة العربية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

سامي ندا جاسم الدوري

الحياة نهر متدفق، دائم التجدد، معين لا ينضب

صيرورة لا تُبلى، لاتتوقف، أحجية بلا حل. ينهل منه الشعراء بنهم أينما كانوا وحيثما حلوا وتظل

الحياة لغة مكثفة، واخزة، عصية، مستعصية، عميقة الدلالة بحوادثها وأحداثها، وأسئلتها وإشكالاتها، يحاول الشعراء والأدباء والمفكرين والمثقفين فك طلاسمها التي لا تنتهي. قال الشاعر /

أين يا مرتعَ الشبيبة آمالُ

شبابي وأمنياتُ يفوعي

أين يا شاعرَ الطبيعة لحنٌ

صاغه القلب من هواهُ الرفيعِ

رددته مشاعري وأمانيّ

ورفّتْ به حنايا ضلوعي

يا ربيعَ الحياة ما لحياتي

لونها واحدٌ بلا تنويعِ

الحياة رحلة نمو ننمو فيها روحياً وعقلياً وجسدياً ننمو فيها كأفراد وكمجتمع والحياة

حلم مليء بالألوان الفرح والحزن الأمل والخوف

والحياة والموت هما شقيقتان ، وكلما ذكرت إحداهما تتبادر إلى الذهن أخرى ، ومهما طالت الحياة فنهايتها الموت المحتوم ، فالحياة والموت كل منهما نقيض للآخر . قال الشاعر /

دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ

وَطِبْ نَفْساً إِذَا حَكَمَ القَضَاءُ

وَلا تَجْزَعْ لِحَادِثَةِ اللَّيَالِي

فَمَا لِحَوَادِثِ الدُّنْيَا بَقَاءُ

وَكُنْ رَجُلاً عَلَى الأَهْوَالِ جَلْداً

وَشِيمَتُكَ السَّمَاحَةُ وَالوَفَاءُ

وَإِنْ كَثُرَتْ عُيُوبُكَ فِي البَرَايَا

وَسَرّكَ أَنْ يَكُونَ لَهَا غِطَاءُ

والموت لا يفرق بين الناس : الغني والفقير ، وبين المالك والمملوك وبين الملك والرعية . ولكن الإنسان عامةً حريص على الحياة أشد الحرص لا يكاد يقبل أن الموت يتقرب إليه بل هو بين قدميه ، وهو يعرف تماماً أن الموت أمر حتمي لا بد منه أن يقع على الإنسان ، فقد ذُكرت الحياة والموت في الشعر العربي كثيراً ، وقد ذكرهما كثير من الشعراء .قال الشاعر المتنبي /

إِنّي لَأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ

أَنَّ الحَياةَ وَإِن حَرَصتَ غُرورُ

وَرَأَيتُ كُلّاً ما يُعَلِّلُ نَفسَهُ

بِتَعِلَّةٍ وَإِلى الفَناءِ يَصيرُ

وقد بين شاعر جاهلي أن الدنيا مبنية على الفناء لا على البقاء ، فكيف يفرح الإنسان بما نال في حياته إذ أنه لا يخلد .قال الشاعر /

لقد طوفت في الآفاق حتى

بليت وقد أنى لي لو أبيد

وأفـنانـي ولا يـــفنى نهار

ولــيـل كلما يمضي يعود

وشــــهــــر مستهل بعد شهر

وحــول بـــعده حول جديد

ومفقود عــزيز لــفقد تأتـي

مــنـيـــتــه ومــأمـول وليد

فليس هناك خلود في هذه الحياة فالشاعر بفلسفته البسيطة يصور الموت ويربطه بالشجاعة والإقدام ويدفع إلى تخليد النفس بالذكر الجميل الحسن . فالإنسان عند مماته لا يترك سوى الذكر الحسن والسمعة الطيبة والعمل الصالح وإذا مات انقطع عن الدنيا بأعماله وسلب منه كل ما يملك من حطام الدنيا ولا يأخذ معه شيئاً وتموت معه كل متاع الدنيا التي كان يعيش فيها . قال الشاعر /

ولو أن الحياةَ تَبْقَىْ لحيٍ

لعدَدنا أضَلَّنا الشُّجعانا

وإِذا لم يكنْ من الموتِ بدٌ

فمن العجزِ أن تموتَ جبانا

الحياة نهر متدفق، دائم التجدد، معين لا ينضب،

صيرورة لا تُبلى، لاتتوقف، أحجية بلا حل. ينهل منه الشعراء بنهم أينما كانوا، وحيثما حلوا، وتظل الحياة لغة مكثفة، واخزة، عصية، مستعصية، عميقة الدلالة بحوادثها وأحداثها، وأسئلتها وإشكالاتها، يحاول الشعراء والأدباء والمفكرين والمثقفين فك طلاسمها التي لا تنتهي . قال امرؤ القيس /

أرجى من صروفِ الدهر ليناً

ولم تغفل عن الصم الهضاب

وأعلَمُ أنِّني، عَمّا قَريبٍ،

سأنشبُ في شبا ظفر وناب

كما لاقى أبي حجرٌ وجدّي

يحاول الشعراء والادباء والمفكرين والمثقفين فك طلاسم الحياة التي لا تنتهي وكل شاعر ينظر للحياة وفق رؤيته الخاصة ويقيمها وفق آرائه ومعتقداته فالحياة نهر الثقافة الإنسانية وأسئلتها وإشكالاتها، والشاعر المبدع هو من يستطيع أن يقيّم تجربته في الحياة ويعبّر عنها بلغة شعرية مشحونة بالإشارات، متفجرة بالرؤى والدلالات الموحية المعبرة عن انتمائه الإنساني.. ومهما اختلف الزمان والمكان تظل الحياة معين التجربة الإنسانية للشاعر والتي لا تنضب أبدًا.. قال المتنبي /

إنّي لأعْلَمُ ، واللّبيبُ خَبِيرُ

أن الحَياةَ وَإنْ حَرَصْتُ غُرُورُ

ورَأيْتُ كُلا ما يُعَلّلُ نَفْسَهُ

بِتَعِلّةٍ وإلى الفَنَاءِ يَصِيرُ

كلَّ حي يَهربُ من الحياة الحسيَّة جِدَّ الهرب، لاجئًا إلى الحياة الشعرية من أي باب من أبوابها لأنه يرى في هذه ما لا يراه في تلك، مما يريح فؤادَه، ويُثلِجُ صدره، وينفي عن نفسه السآمةَ والضَّجَر من صنوف المناظر، وأفانين المشاهد، وغرائب المؤتلفات، وعجائب المختلفات . قال الشاعر /

غلتِ الحياةُ فإِن تردْها حرةً

كن منُ أباةِ الضيمِ والشجعانِ

واقحمْ وزاحمْ واتخذْ لكَ حيزاً

تحميه يومَ كريهةٍ وطعانِ

ليس الأملُ إلا بابًا من أبواب الحياة الشعرية، ولا يمكن أن يوجد بين قلوب البشر قلبٌ لا يخفق بالآمال؛ فالأملُ هو الحياة الشعرية العامة التي يشترك في العيش فيها جميع الناس: أذكياء وأغبياء، فُهماء وبلداء، والأمل هو السدُّ المنيع الذي يعترض في سبيل اليأس، ويقف دونَه أن يتسرَّب إلى القلوب، ولو تسرَّب إليها لزهِدَ الناسُ العيش في هذه الحياة الحسيَّة

التي لا قيمة لها في أنظارهم، ولا لذَّة لها في نفوسهم، ولَطلبوا الفِرارَ منها إلى الموت؛ تسليًا بالتغيُّر والانتقال، وتلذُّذًا بالتحول من حال إلى حال . قال الشريف المرتضى /

يقولون أسباب الحياة كثيرة

فقلت وأسباب المنون كثيرُ

وما هذه الأيام إلا مصائد

وأشراك مكروه لنا وغرور

يُسار بنا في كل يوم وليلة

فكم ذا إلى ما لا نريد نسير

وما الدهر إلا فرحة ثم قرحة

وما الناس إلا مطلق وأسير

المشـاهدات 11   تاريخ الإضافـة 06/10/2024   رقم المحتوى 54416
أضف تقييـم