النـص : نقد: كريم إينا
صدرت رواية للروائي والناقد مروان ياسين الدليمي بعنوان: " إكتشاف الحب" باللغة العربية طبعت الرواية في دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع سوريا- دمشق في كانون الثاني سنة 2020م، الطبعة الأولى وهي بمثابة أوراق من مدونته الشخصية، عدد صفحات الرواية ( 232) صفحة، يبدأ الكاتب بالبعد التخييلي حيث يُظهر بعد السرد خليط موضوعي مليء بالأحداث، فهو يجسد حالة إنسانية تزيدُ من الذكاء العاطفي، كان للزوج نطاق أوسع من التجارب والثقافات التي كانت تصادفهُ في الحياة الواقعية، كونهُ كان يقضي الليل بأكمله بعالم الكتب والكتابة، إنّ إستنتاج الزوجة فسح لها مجال كبير لإزالة غموض الثيمة الموجودة في لوحة اللابتوب، إنغمست في ذاتها رغم مخاوفها الغير المحصنة، إستخدم الكاتب جمل فعلية تتغير بإستمرار حسب الزمان والمكان عكس الجمل الإسمية التي تبقى بعمود واحد غير قابل للحركة. كما نعلم الروايات الخيالية هي نقيض الروايات الواقعية، فهي تروي أحداثاً خيالية لم تحدث في الواقع، قد تشمل الرومانسية، والرعب، والغموض، والناحية الإجتماعية، ولكن هذه الرواية بالذات ذات طابع واقعي يميل إلى الغموض، وأحياناً يلفها اليأس ليغذي فكرة السخط والتذمر، لذلك فهو يلونُ الحياة بمنظاره الخاص، في القلق وحرية الإباء لا سبيل للسعادة في الحياة، إلاّ عاش فيها الإنسان حراً طليقاً يسيطرُ على جسمه وعقله ونفسه ووجدانه وفكره، لذلك فالحرية شمس تشرقُ على كلّ نفس، والذي عاش محروماً منها يعيشُ في ظلمة حالكة، ولكنّهُ بعد أن إكتشف حبّهُ لزوجته الذي بات ينمو ويكبر مع مرور الأيام والأعوام، ثمّة إبتسامة لم تدم لفقدان صديقه المخلص فريد، وبعد إستدامة النعمة بالشكر أصبح يزيدُ ولعهُ بالعلم والكتابة، إنّ رحلة الأعماق الطويلة للزوجين كانت متعبة، ورغم الأبواب الموصدة كانت هناك إطلالة ولو كاذبة تحملُ لذّة الحياة، كان إستشعار الزوجة أعمق من بصيرة زوجها، وهي على يقين بالوقوف على قدميها في يوم ما، مرّة تشفى وأخرى تضيق عليها الدنيا، وتبسطُ قلبها لأحكام الله لذكره وشكره، كان زوجها يرضى من الحب والوداد بديلاً رغم سخريات الورى، وهذا التغيير والتبديل تتجدد فيهما الحياة، كبسمة من زمكانية الفجر، فهو يسرد ويقول: رجوتُ من رحلتي الطويلة أن أجري إتصالاً هاتفياً سريعاً مع الطبيب لألتمس شعاع أمل يؤكدُ لنا بأنّ الأشعة خالية من أيّة إصابة، يستخدم الكاتب هنا أسلوب إنتقاء العبارة والتفخيم والوقوف على مواطن الجمال، وهذه العبارات تكونُ جزلة قوية تعبّرُ عن عاطفة قوية حية، فهو يمتلكُ مفاتيح المحبة التي تتناغم مع الوجود بودّ الكاتب التخلص من الماضي، ومن ثمّ ملاقاة المستقبل، وكأنّهُ يطبقُ حكمة " أوشو" عن الإنسان الحديث، بأنّهُ ضائع تحكمهُ ماديات وغايات وتوجيهات الزمن المصنوع بشرياً، لذلك ترى الكاتب تشغل ذائقتهُ وسائل الإعلام والمؤسسات، التي تبعدهُ عن قدرته التأملية الحقيقية في معناها ومضمونها ومفرداتها، وإذا ما إختار الإنسان ما بين الرأس والقلب، فيتوجب عليه إختيار القلب، رغم أنّهُ يبذلُ جهداً ملحوظاً لإستقرار حالة زوجته وإبعادها عن الصورة المفزعة التي ظلت تحت التخدير تفقدُ توازنها في صالة العمليات، ما زال القدر يطرقُ الأبواب، ونتيجة السرد المكثف قد أوقع الكاتب في دوامة النسيان، لما يتصارع ببسالة ضد مشاعر الخوف والقلق، مجرد مقارنة الفعل بموجودات القدر وهي تطرقُ شرفات الأيام بتجاعيد الأوجه المفتوحة، يظهر صاحب الرواية هنا نزعة متفردة تطرقُ أبواب مدينته سواء في الحي الذي يسكنهُ أو بقية الأحياء الأخرى، منبهاً عن إستشراء حالات الضعف، والعجز، والسمسرة، والمعارضة المقيتة بما تحملهُ من حكايات مفتوحة للحياة اليومية، ما زال التقرير يشغلُ بال الكاتب، لأنّ أي تأخير سيتسبب بتأجيل العملية لزوجته، أسئلة كثيرة تحتاج إلى تفسير حول سلوك الإنسان أو العرف المعتاد، لكي لا يشكل إنتقاصاً أو عيباً إجتماعياً، وإنّما لا نعرفُ كنه الحب، حاول الروم، والفرس، والهند، والعرب، كشف سرّهُ لكنّهم كلّهم كانوا حول علامات وتعليل حدوثه، يوضح الكاتب في هذه الرواية بكلمات موجزة عن عصر تساقطت فيه جدران حصون الحب، فهي مليئة بمشاعر عاطفية ملتهبة بين أفراد العائلة، كانت تجربة مثيرة إكتساها القلق، والخوف، والشعور بالهزيمة لأفكارنا وهواجسنا، واللجوء لإستهلاك الزمن بالحديث والدردشة مع بعض الأصدقاء، يظهر تقويم تجربة الرواية للكاتب بنظرة ثاقبة في تحديد نوعها، هل هي بوليسية؟، واقعية، أم خيالية؟. حقيقة هي واقعية مطعمة بالخيال مع تحديد زمان ومكان الأحداث والشخصيات، إضافة إلى توظيف أساليب السرد والوصف والحوار، تطغي العاطفة طمعاً في الوصول إلى تفسيرات دقيقة متعلّقة بمرامي الكاتب!. لقد أحبّ الكاتب زوجتهُ بعد إكتشافه في معاناتها، وقد إستوقفتني مقولة: للكاتب الفرنسي الكبير فكتور هيجو حيث قال: فيها" المرأة التي تحبُ رجلاً واحداً ملاك، ومن تحب رجلين شيطان، ومن تحبُ ثلاثة رجال هي إمرأة" لقد أحبّ مروان الكتابة، بدأت عندهُ موهبة صغيرة ثمّ بدأت تتبرعم وتكبر!. كما نعلم الدواء مرّاً كان أم حلواً هو علاج العلّة، كان الصمتُ يقبعُ بوشاح سميك، متوجهاً نحو نقطة الفراغ المحاطة بسريرها المنعزل، لم يكن الضياع شغلهُ الشاغل بل أوهام كثيرة تنقلبُ إلى أحلام جميلة نحو الطريق المرتقب، تصدرُ من ثنايا سرد الرواية ستارة مسدلة تعلن إيقاف العرض كونهُ لا يشعرُ حتى بنسمة الهواء الباردة في الصيف اللاهب، ورغم ذلك سرى تيار المشاعر بين الجميع لا تنطفىء جمرتهُ، إذاً تجربة الرواية خضعت للخوف والتوجس حتى أطلق تنظيم الخلافة على رجال خاصة، فكانوا بمثابة ذلك سجناء قابعين في أقبية لم تصلها أشعة الشمس، بعد ذلك دخلت مرحلة اللقاء المنتظر، يُدخل كاتب الرواية ألفاظاً جزلة نابعة من محطات الشعر المجلجل المليء بالأحساس رغم متغيرات غير منتظرة، تجرفها رياح الإنتظار حيناً وأخرى بحركة خفيفة تنتظرُ اللقاء في مراحل علاجها المقبل، يسترسل كاتبنا مروان بالسرد الدائري الذي يركزُ على بطلة الرواية وما يصدرُ منها من إنفعالات أو زفرات تأففُ بها حركتها اليومية الثقيلة. تتأرجح مفردات الرواية وهي تشيرُ إلى المفهوم الشامل للحياة، خاصة مكان التجربة الذي يوثقهُ الكاتب، وما يمتلك من أدوات الكتابة، أحياناً الجسد المريض إتخذه كتاريخ مضاف إلى تراكمات وقوانين وأخلاق، هذا النوع الأدبي من السرد هو بمثابة محفز للإنسان كي يضحي لأنّهُ معيار في حدّ ذاته، ويستاهل هذه التضحية، والمرجع الإجتماعي واضح جداً سواء الأصدقاء أو الأقارب مختصر بحدود الدنيا، إنّ قراءة هذه الرواية لا بدّ أن يدخل فيها علم النفس، سواء عن طريق المعرفة أو المطالعة لأنّها تفيدنا بحياتنا الإجتماعية، إنّ توجهات كاتب الرواية تكمنُ بإسلوب رصين في إستخدام الكلمات والحروف وهذه اللغة إهتم بها الكثير من علماء النفس للحديث عن البشر سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وفهم هذه اللغة تساعدُ كثيراً في إختزال الوقت والتفكير في نوايا الآخرين ومحاولة تفسيرها، وبهذا يستطيع الكاتب بالتعرف على درجة صدق الآخر، ربّما يلجأ إلى لغة الجسد في حالة عدم التيقن من صدق من يحدثهُ، أو التحكم بالدوافع عن طريق إرسال إيماءات أو رسالات نصية توحي بذلك، يُبين الكاتب في مرحلة الخلافة الحاكمة في نينوى رسالة مثيرة للدهشة والفزع أو الرفض أو القبول، فهو يتحدث عن مشاعر وأحاسيس ذاتية خاصة قد عاشها، ربّما قد يخفي عنّا شيئاً ما ويخافُ أن يظهرْ، وهذه إشارة سلبية أحياناً لفظ الكاتب يكونُ قالب لروايته من حيث المعنى، فيتخذهُ المتكلم أو الكاتب لسبك ما يصورهُ في نفسه، تتزاحم قدرة مروان الإبانة على المعاني الكامنة في النفوس، وهذا ما نسميه بالفصاحة والبيان، لأنّ المتكلم يفصح عمّا في ضميره ويبينهُ بكلمات عذبة سلسة، إضافة لما يأتي بأنواع البديع من الكلام، أو بعض الإستعارات والتشبيهات فهو يلمع بكلامه عندما يتصادمُ بالأفكار، وهذا الشيء موجود عند أدباء اليونان، الرومان، والإفرنج فيما ألفوهُ من الروايات المضحكة، أو الفاجعة وعرضوا الكثير في المسارح على أنظار الجمهور، إذاً تلك المحسنات البديعية والخصائص اللسانية لها تأثير عظيم على النفس، فهي كالحلي والمصوغ للعروس، فكل كاتب لهُ أسلوب في وصف عروسه بالجمال والدلال والأدب والكمال، لم يستخدم ركاكة في التعبير البتة، بحثتُ في هذه الرواية عن دفاتر الزمن وقواميس اللغات وعن كلمات تفيضُ بها الروح ويخفقُ بها القلب، لتزيح عنّي الشك، كبحث الكاتب عن مستشفى الجامعة الأمريكية في لبنان، التي أصبحت مجرد إسفنجة لإمتصاص أموال الناس المرضى، وهو يسأل العابرين بلباس الكساء عن التصبر والعزاء، لذلك أدرك معنى العناء، فالبحث في أجواء الفضاء نور يفيضُ بلا إلتواء، فالموت شغلهُ الشاغل رغم تسرّب آماله في الهواء، قد فاض الأسى رغم التصبر والعزاء هيهات يبحثُ سداً أو كأس حب يُكتشف للبقاء،
|