النـص : خلطة من ثلاثة أنواع مع بعض الأعشاب مليئة بالجراثيم يصنعها العرافين والدجالين والسحرة يسقون بها الأطفال.. تتسبب في أغلب الأحيان بأعراض التسمم تنهي حياة المسقى.لم آتي بجديد أن قلت إن الأطباء ينتقدون ما يسمى بـ"الطب الشعبي" وينصحون المرضى بعدم استخدام هذه الأعشاب بديلا للعلاج الطبي، ويعودون بذلك إلى أن الحقيقة العلمية تؤكد بأن لا علاقة للـ"خلطات" التي يقوم بها العطار أو العشاب ووصفها بأنها علاج بحالة مرضية معينة. نعم قد يعترف أطباء التغذية بأن بعض الأعشاب فيها فوائد غذائية وقد تكون عنصرا مساعدا في بعض الحالات كما هو حال أي نوع من أنواع الأغذية التي يصفها الطبيب مع العلاج..لم آت بجديد أن قلت إن الاغلبية الساحقة من الناس في مجتمعاتنا متأثرة بقناعة او بضعف بـ"الطب الشعبي" أو "طب الاعشاب"، وان قناعاتهم تعود إلى عدة أسباب يطول الحديث عنها أما ضعفها يأتي لسببين الأول حاجتهم الى الشفاء، ويتعلقون بأي سبب كان (مثل الغركَان يتعلكَ بكَشاية) أما الثاني وهو الأهم، ضعف المؤسسات الصحية العامة، وتمكن أهمية تطويرها وفصلها عن الخاصة، بالتخلص من جميع المشاكل بما فيها قناعات الناس التي لم أتحدث عنها بشكل تفصيلي.الجديد.. في جلسة خاصة دار الحديث عن عمل الطبيب المقيم في قسم الطوارئ وتم التركيز على حالة مرضية تودي بحياة الطفل المصاب والسبب اعطائه جرعة "سكَوة" من قبل إحدى (العرافات) في المنطقة أو من قبل ذويه، الـ"سكَوة" هي خلطة من ثلاث أنواع: نباتية (الدفلة، ورد الساعة، الحبة السوداء، الكمون، وردة الملكة)، وحيوانية (جلد القنفذ واظافر حيوانات اخرى)، ومعدنية (الحبر والرصاص وبعض خلطات الأعشاب المحلية). يحضرها العرافات أو السحرة ويتم سقيها للاطفال او الكبار وفي الغالب للصغار المصابين بالإسهال المزمن، بحجة انه ممسوس بسحر أو تنفس رائحة كريهة مثل (المجاري) إلى غير ذلك..مكونات الـ"سكَوة" تختلف في تحضيرها بين عراف واخرى، واستخدامها بطريقتين سقيها شراباً للأطفال أو على شكل عجينة، إذ يتم جرح رأس الطفل ووضع هذه العجينة فوقه، وقد أجمع الأطباء في الجلسة على ان مكوناتها سمية ومليئة بالجراثيم، بالتالي تتسبب بتسمم الطفل وتعرض حياته للخطر، وتبدأ من: تقيؤ مع مرارة في الفم، مغص شديد، واسهال حاد، ثم جفاف وفشل كلوي حاد وارتفاع درجة الحرارة ونوبات صرع (ليست في جميع الحالات) ووفاة الطفل في نهاية المطاف.هل ذوي الطفل يعترفون للطبيب بعد تدهور حالة ولدهم الصحية بأنهم سقوه بـ"سكَوة"؟ الأطباء قالوا: نعم.. ولديهم في قسم الطوارئ مكان محدد للاطفال المسكَيين. وعند سؤال الام لماذا سقيتي طفلك؟ تقول: انه مصاب بالاسهال لأكثر من يومين ولم يتحسن بعد ذهبها به إلى الطبيب، ونصحوها من حولها بأن يسقى كونه قد يكون (شام) ويجب اعطائه الـ"سكَوة".الغريب أن موضوع الـ"سكَوة" ليس جديدا كما قلت وأن الحالة متداولة بين الناس ويعرفها الأطباء وتوجد بيانات صادرة عن دوائر الصحة في العراق تؤكد وجودها ووفاة أطفال على اثرها، لكن الغريب أن ذوي الأطفال لا يتقدمون بشكوى على الذي قتل أطفالهم بسم الـ"سكَوة"، وقناعتهم بأنها انهت الإسهال الشديد والتقيؤ المستمر، ولا يعلمون أن طفلهم قد وصل إلى حالة صحية متأخرة جدا والجفاف الحاد الذي وصل له هو من أوقف الإسهال والتقيؤ، ولا ينفعه استنفار الأطباء والمحاولات العاجلة لإسعافه.وأشد غرابة أنه لا توجد إجراءات قانونية من وزارتي الصحة والداخلية تردع العرافين والسحرة من ممارسة هذا النوع من العمل القاتل للأطفال، وهنا اعيد الى اذهان القراء الإجراءات التي ترافق من يراد اسعافة بعد تعرضه إلى أي حادث، اما يجدر ان تتخذ هذه الإجراءات عندما يسعف المتعرض للتسمم خصوصا الاطفال. واعتقد من المصلحة أن لا يسمح لذوي الطفل فاقد الارادة أن يتخذوا القرار نيابة عنه في أي ظرف كان وأن يكون المسؤول في هذه الحالة ومثيلاتها المدعي العام. وعند الطبيب المقيم الكثير من القصص التي تؤكد الحاجة إلى تدخل المدعي العام.
|