النـص : بعيداً عن التكهنات والتحليلات وتوقعات المختصين وهذيان المحللين أو تبجّح قادة البروبكندا الإعلامية لأي طرف ، فإن ما يعكسه العدوان الاسرائيلي على ايران لا يمكن تصنيفه ضمن قياسات موازين القوى سلباً أو ايجاباً لأنه لم يعتمد اصلاً على احداث الهزيمة العسكرية بقدر ما يمثله من رد اعتبار أو حفظ لماء وجه الكيان الغاصب بعد أن مرّغته صواريخ إيران بالوحل.
لهذا علينا وعلى الجميع الإدراك أن ما من حدث أو فعل عسكري يبادر به أي طرف في منطقتنا إلا ويقابله ردّ فعل ضابط لايقاع تأثيراته أو رادع ليحتوي تداعياته وآثاره ، بمعنى أن الذهاب لأي خيار عسكري في الشرق الأوسط هو ليس خياراً متاحاً لجميع الأطراف ، بل سيكون فعلاً محسوباً بعناية ويبقى تقديره للقوى المؤثرة ولا اعني هنا أمريكا فقط إنما جميع الأطراف كل حسب قوّته وميوله ومصالحه وتأثيراته التي تتوافق مع الآخرين أو تتقاطع معهم.
ولعلنا لن نخرج عن السياق إذا ما استذكرنا الأحداث والمعطيات التي رافقت الضربة الإيرانية لإسرائيل وما رافقها من حراك سياسي وضغوط واغراءات لا تخلو من رسائل تهديد ضمنية أريد بها رسم حجم الفعل العسكري ضمن حدود معينة على أن لا يؤدي إلى انقلاب الخيارات والاحتمالات ، وكذلك ونحن نراجع مسار التحضيرات والفعاليات والوساطات الخفية والمعلنة والضغوطات والتسريبات التي زامنت التحضيرات الإسرائيلية للرد على الضربة الايرانية ، لتخرج إلينا بهذا السيناريو غير المقنع بل الهزيل ، وهو ما يفترض أن يدفعنا لمقاطعة الأحداث ليتأكد لنا أن الفاعل الرئيس وحلفاءه أو اعوانه في المنطقة كان لخشيتهم من اتساع رقعة ردود الأفعال وتحولها إلى حرب مفتوحة الاثر الكبير في تحجيم كلا الفعلين ووضعهما في إطار الاتفاقات المسبقة لضمان عدم حدوث المحظور الذي يخشاه الجميع وهو الذهاب إلى إشعال المنطقة مما يعني ربما خسارة الولايات المتحدة لصنيعتها إسرائيل أو في الأقل اضعافها لدرجة لم تعد بعدها ذات فائدة أو منفعة.
وهنا على من يريد تحليل أو قراءة المشهد أن لا يخرج عن الإطار الموضوعي والعقلاني وان لا يسمح للشحن العاطفي ان يوهمه ان الامور كانت تسير وفق السياق الطبيعي ، لان حرف الاحداث ووضعها في هذا الحجم لم يكن يحدث لو لم يتدخل اللاعبون المؤثرون الذين قدموا لكلا الطرفين ما يقنعهم بالحيلولة دون الذهاب إلى مديات غير مسيطر عليها.
|