الخميس 2024/12/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 16.95 مئويـة
نيوز بار
مناجاة الغربة والاغتراب في(غربة الروح)
مناجاة الغربة والاغتراب في(غربة الروح)
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

                                                          علوان السلمان

  لقد ظل مفهوم الغربة يتناغم والامتداد الزمني  مع شعور الذات بهامشيتها او كلما حلت بها نكبة فيعزف المنتج(الشاعر) على اوتار  شعره اثارها السلبية كما فعل مالك بن الريب برثاء نفسه وشكوى غربته..وابن زريق البغدادي شاكيا من غربته في بلاد الاندلس.. وهناك المتنبي بعد ان ترك بلاط سيف الدولة الحمداني والاغتراب في مصر..اضافة الى غربة ابو فراس الحمداني الذي حمل هم غربتين:اولهما الغربة المكانية في (السجن) والغربة الزمانية..ولا تفوتنا غُرْبة محمود سامي الباروديِّ ونَفْيُه الى جزيرة (سرنديب) وكذلك شوقي ونفيه إلى الأندلس – كل هذا كان سببًا لكثيرٍ من قصائدهم حول الغُرْبة والاغتراب.. وهناك(الشاعر) رافع بندر يقف على الغربة والاغتراب فيحقق صورتهما في قوله:                                                                            

مستوحشٌ ها هنا لم أدخر/  سبباً

في ان أظل غريب الروح / والسكنِ

انا الغريب بارضي لستُ /  خارجَها

 في غربةِ الروحِ أو في غربةِ / الوطنِ

 فالشعر لغته الرمز والايحاء جوهره للتعبير عن معاناة ذاتية تحمل قضية انسانية..

يَقُولُونَ لا تَبْعُدْ وَهُمْ يَدْفِنُونَنِي الوصف: https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَأَيْنَ مَكَانُ البُعْدِ إِلاَّ مَكَانِيَا الوصف: https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

غَدَاةَ غَدٍ يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى غَدٍ الوصف: https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إِذَا أَدْلَجُوا عَنِّي وَخَلَّفْتُ ثَاوِيَا الوصف: https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَأَصْبَحَ مَالِي مِنْ طَرِيفٍ وَتَالِدٍ الوصف: https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لِغَيْرِي، وَكَانَ الْمَالُ بِالأَمْسِ مَالِيَا[1] الوصف: https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

والشاعر رافع بندر في نصه الشعري(في غربة الروح) يناجي عبر رحلته النصيه الغربة والاغتراب على المستوى الذاتي والذاتي الجمعي.. فضلا عن انه نص يكشف عن عدة دلالات ومهيمنات من ابرزها الدلالة الزمكانية والهوية الانتمائية الانسانية..

يا أيها التيهُ قد غاليتَ في /  دمِنا / حتى شرِبنا كؤوساً من

 يدِ  المِحَنِ

 نفسُ الانينُ الذي في صوتِ / حنجرتي

لما يزل مُزمِناً يعلو ويؤلِمُني

 نفس الدماء التي بالأمس /  ابصرُها

 للان ما برحت تجري /  فتجرحُني

يا أيها التيه هل يبقَى بنا /  رمقٌ !

وانتَ تنقش فوق العظمِ من /  زمنِ

       فالمنتج(الشاعر) يستقطب اللحظة الشعرية فيضفى عليها وصفا أمتاز بدقته..وهذا الوصف عمق اللحظة الشاعرة التي تخاطب العواطف وتحرك الوجدان وتنبش الذاكرة.. اضافة الى انه لاينقل العالم الخارجي في لحظته الاستاتيكية وانما ينقله باشكال متحركة تكشف عن كل مايدور في داخله منقذا فكره من قيود المفردة ومعناها المكشوف ..

 

يا توأمَ الروحِ ماذا خبأَ الزمنُ

إنا وَرِثنا جراحاً .. إسمُها وطنُ

ورغمَ ذلك .. كُنا العاشقين / لهُ

 هو القريبُ .. وإن تنأى بنا / المدنُ

للهِ من وطن ٍ حُرٍ نموتُ

على ترابِ أقدامِ .. أيانَ /  نُمتحنُ

 ولم نُفارقهُ .. حتى في تغربنا

 نحنُ البعيدون.. لكن عينهُ / السَكَنُ

   فالمنتج(الشاعر)..يسجل في نصه حضورا واعيا منسجما مع تنامي المؤثرات النفسية والحسية والحضارية في مجمل لغته وتعبيراته ..كون الشعر الحقيقي هو الذي يولد وسط المعاناة فيمتلك الصدق ويعبر عن أصالة الشاعر..لذا كانت لغته تمتاز ببساطتها المعمقة مع مزج نثري لتعميق الواقع في ذهن القاري فكان مسار الرؤيا في تجربة الشاعرالشعرية  تتحرك في بعدين احدهما يولد من الآخر: اولهما البعد الزماني المرتبط في ذهن الشاعر ووعيه والحاضر بين المخاضات الاولى لولادة القصيدة  وثانيهما البعد الفني.. 

لقد عَصِبتَ على رأسِ

 الجبالِ لظىً من اللهيب فلا /  تعتب على المُزنِ

ونحن ارفعُ مما تزدريهِ بِنا

 حتى ننامَ بجنبِ الدون /  والنتنِ

 لكنَّ في دمِنا اصواتَ / مُنتفضٍ

 منها نجيءُ مجيء الموت /  في الكفنِ

    فالنص يتصف بصيغة الفعل الانساني ف(الفعل تعاقب والتعاقب حركة والحركة زمان فالشعر فن زماني ..) على حد تعبير ليسنج.. فحركة الزمن في الشعر تعني فعلا من الصراع الانساني والكوني كون الشعر كما يرى ( هانز ميرهوف ) قادرا على اختراق الازمنة ومعايشة كل الازمنة ..إنه إختراق للآتي ..الى الدائم ..والمنقطع الى اللامنقطع)..وهذا يعني ان  المنتج (الشاعر) إستطاع تلمس خيوط تجربته الجمالية بأحساس مرهف رقيق ..فينحر ما يصطاده قرابين في وسط أبواب محرابه الشعري .. بالرغم من عنت الغربة الداخلية ..حيث العالم يضج بالمتناقضات ..

 

في غربةِ الروح ِلا في غربة / البدنِ

 أني افتقدتُكَ .. فقَّدَ /  العينِ للوسنِ

كفايَّ في البحر لا تُقوى على

 زبدٍ وقد غرقتُ ! ولولا غيرةَ / السفنِ

 في غربةِ الروحِ والدنيا /  مباغِتَةُ

حتى الاغاني بدت مبحوحةَ / اللَّحنِ

   فالمنتج(الشاعر) يختار زاويته التي يرى من خلالها الاشياء .. ويصورها ملتقطا ادق الخفايا واعمق الاسرار من باطن محيطه وينسجها باسلوب درامي مع تلوين فضاءاته النصية بمسحة من الانفعالات الوجدانية ..اضافة الى تفرد النص بميزات استثنائية على المستويين الشكلي والمضموني واللغوي..بسبب اعتماده على ادوات فنية واسلوبية كالتنقيط (النص الصامت) الدال على الحذف الذي يستدعي المستهلك لملء فراغاته .. والتكرار الجملي( في غربة الروح..)..بصفته ظاهرة ايقاعية لاشباع المعنى واضفاء موسقة مضافة على جسد النص اضافة الى تحقيق بواعثة المتمثلة في الباعث النفسي والايحائي باعتماد لغة يومية بعيدة عن الضبابية .. فضلا عن النداء (الحركة الزمنية المتراكمة بتأثير الصور في وجدان الشاعر تراكما كثيفا مترابط الوحدات..اضافة الى ذلك توظيفه للرمز الذي هو (اداة فكرية للتعبير عن قيم غامضة..لغرض تصعيد التكنيك الشعري)..اضافة الى اعتماده  الوقوف على الروابط بين النفس ومايطالعها في عالم الحس مع حوارية تعتمد (المونولوج)  واعتماد النزعة التفسيرية ـ  التعليلية الواعية لكي يشد العبارة الشعرية بعمق الرؤيا التي تخفف من وطأة الوصفية والسردية ..وكل هذا يكشف عن ان الفعل الشعري عنده متخلق في هيئة ايقاع داخلي متدفق يولد جملا شعرية تحقق الرؤيا والتخيل وعالم الحلم الذي يرتبط بالواقع كونه احد افعاله ..

      وبذلك قدم المنتج نصا شكل (فصلا من التجارب )كما يقول ريتشارد..كون شعره التفاتة الى الذات الانسانية في التعبير عن الازمنة..والتصدى للقلق والتمزق اللذين يدفعانه للطواف في أحضان ألذات المغتربة زمكانيا .. المتطورة في معاناته النفسية والفكرية..

 

المشـاهدات 118   تاريخ الإضافـة 27/10/2024   رقم المحتوى 55006
أضف تقييـم