دلال جويد دمعة لا تجف |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب ناصر أبوعون |
النـص :
الصور الشعريّة التي تعجنها الشاعرة العراقية (دلال جويد) من طِين قلبها، وتهندس بها معمار قصائدها على مقياس الإبداع التطبيقيّ لا التنظيريّ، وترويها بماءَ الحياة من شريان محبة الشعر أعلى يسار القلب، والذي يُبقي صورها يافعةً، تتنفس أكسجين الصياغة الطبيعية، وتغذّيها من متون الأسلوب العربيّ الرصين غير المتكلّف، وتحيك لها من خيوط الضوء حرير الألفاظ أزهارَا ناعسة الجفنين ناعمة الملمس، سيقانها شائكة المحتوى، -تجرح الطامعين في اجترار المعاني-، ثم ترشُّ روحها الصبوح على وجه القصيدة، وتستنير قمر القصائد الباكية بخيالها الخصب، وتفرش سلالم إيقاعها الداخليّ لنصعد/لتصعد عليها، ونمتطي براق المحبة الذي يأخذنا على ظهر القصائد، لتعرج بنا إلى قدس سدرة الشعر السامقة، فنرى ما لايراه المتشاعرون من جنان المعنى، ونسرح في حدائق اللذة بلا خطيئة، ونتوضأ في بهائها العلويّ، فنصير كائنات شعرية تُسبِّح بحمدِ ربِّها، وتَسبحُ في ملكوت اللغة المقدسة؛ لأنها - أي الصورة الشعرية - معانٍ بِكْرٍ مشتقة من ألفاظ طاهرة؛ لم يدنس مقامها تهتك متعمّد لاستقطاب قاريء واثق الخطوة، ولم يخدش حياءها عُري يسيل لعاب المتطفلين على طُهر الكتابة، ولم يفض بكارة عذريتها قبح الغاية، إنها صورة صافية تنبع من فُراتِ محبتها، وفراديس دِجلتها، وحين يستفزُّها صمتنا العربيّ، ونخوتنا المغشوشة بنبيذ العِرْق الأبيض الذي أسكرنا بخمر البلادة أمام شاشات التلفزة النازفة بدم الشهداء و[جثثُ الورد/معلقة على الأشجار /هكذا يموتُ العطر في وطني/ تقطّعه يدُّ المحتل/والسكين خائنةٌ.. أمر ُّ على الأخبار /مرورَ العابر الوجل/بمدينة الأشباح /فهي مرعبةٌ/ يحرسها ماردٌ خبل/ يقلع الأبصارَ/ إنْ نظرتْ/ وعيني معلقةٌ على الورد/ الذي كبر في أحضان غزة/ إذْ علمته/ أن زيتونة الدار أمٌ.. وحين باغته الرصاص/ طارت الأشلاء/ كي تعانق الزيتون/ وتراقب من علوٍ/ وطناً/ يموت خجلا/ من دموع الأمهات/ أنا لست أنا/ أنا خوفي عليك/ دمعة تختبئ/ كي لا تسقط في حفرة الغياب/ أنا اكتراثي الشديد/ قلقي/ ذلك الخيط الذي يستل من نسيج هدوء/ فينقضه/ ويبرم منه أغنية/ تقول: إني أحبك/ حتى حين أبكي]. إذن الصورة الشعرية التي تستولدها العراقية (دلال جويد) هي نتاج تضفير الألفاظ في معمل الإزاحة اللغوية، فتتشظى منها المعاني، وتأتي تعبيرًا عن بواطن النفس الشاعرة، بل تحلُّ أرواحها المتناسلة في قاموسها الشعريّ، وتنجح في تصوير الحالة الشعوريّة، التي تتصارع داخلها، وتنعكس على مظهر النصّ الخارجيّ؛ إنها في حقيقتها تصوير ميكرسكوبي لحالة إنسانية تمرُّ/نمرُّ بها يوميا، ولكنها لاتخترقنا من الداخل، كما تخترق دلال جويد، وتجول بين جوانب نفسها المؤرَّقة على مدار الوجع العربيّ، لتلتقط لنا مقاطع مصوّرة من صراع جُوانيّ يستبدُّ بروحها الشاعرة، ثم تنقلنا معها تدريجيا إلى مشاهد خارجية مقابلة هي في حقيتها انعكاش للجوانيّ المضطرب، تستهدفُ تعرية (الأنا) الزائفة غير الفاعلة/الـ(نحن) العربية المقهورة والمفعول بها/ في مقابل تعرية ذات الآخر(الاستبداديّ/الكولونيالي)؛ وصولا إلى غاية إنسانية كبرى على نحو ما حدث في مجموعة (كيف تدجن غربة؟) [أيها الغارق في النوايا، يا الناسي مصباح قلبك، تمضي معتذرا عن البهجة باللجة، ولا بحر سواك../أيها الراقد في تلافيف الكلام، انهض، لا تُطل بقاءك في الصمت فالغناء نبيذ العاشقين، والريبة تثمر في بستان معتم. ونخيل يمشي، حساسين تهرب، سراب يفترش الفكرة، والريبة تكبر.. واليقين.. يا أيها اليقين/بيني وبينك رأسي]. تدرك (دلال جويد) جيدا التحولات الدراماتيكية والقلقة، التي تعصف بالمشهد الشعري العربيّ على خلفية عصر الانسحاق والانحطاط الذي نعيشه؛ لذا نلحظ الشاعرة لا تكرر نفسها، ولا تعتاش على الموروث الشعريّ للآباء المؤسسين لقصيدة النثر عند محاولتها بناء صورة شعرية مبتكرة، بل تُمزّق الخرائط المعتادة وسابقة التجهيز، وتتمرد على القوالب المُنمّطة والمتوارثة من أجيال قصيدة النثر المتعاقبة، وتقفز على المعتاد حتى لا تكرر صورا خافتة في مشهد شعري عالميّ حيويّ وحركيّ ينافي الاستاتيكية، ويستدعي ابتكار قصائد حبلى بالصور, تتنوّع ما بين (الانزياحية)، و(المجازية) و(الرمزية) و(المباشرة الفنية) في سائر مقاطع قصائدها. على نحو ما نقرأ في قصيدتها التي تستعيد معها مذبحة [(سبايكر) الدم الذي لا يجف] (هذا النهار ثقيل بمصابيح الشوراع/ حين تفقد الجدوى/ وتضيء قرب الشمس/ وعلى النهر صبية/ كشقائق النعمان/ خانتهم الأرض/ وفي النهر دم/ في الأرض دم/ في الرقاب المحزوزة دم/ ومن بعيد يأتي شاعر معوجُّ اللسان/ يشتم كل هذا الدم/ لأننا ننسى/ ونطأطئ الرأس كي تمضي العبارة/ التي ذُبحت/ صبية كشقائق النعمان قرب النهر). وفي الأخير يبقى القول: إنّ الوله المقدّس لدى دلال جويد بالاشتغال على استيلاد الصور الشعرية المبتكرة، صار علامة شعرية/مائية تنطبع على سطح قصائدها، وتطبع شعريتها كافة بأسلوب شعريّ خاص، وتضفي عليها خصوصية متوسلةً بالتصوير الفني غير المجانيّ؛ وإنَّما يأتي ذلك اتساقًا مع الحالة القلقة غير المستقرة في مشهد شعري حيويّ وحركيّ ينافي الاستاتيكية والجمود والتكرار. |
المشـاهدات 228 تاريخ الإضافـة 09/11/2024 رقم المحتوى 55526 |
أحمد عدوية .. والده كان تاجر مواشي وأول أجر له كان جنيه عن أغنية سلامتها أم حسن |
بعد مرور 33 عاما على "قبضة الهلالي".. لماذا تم عرضه للكبار فقط؟ |
ملتقى التصوير الفوتوغرافي الأول يقدم رحلات بصرية عامرة بالقصص الإنسانية بدبي |
غال غادوت تكشف عن تعرضها لجلطة دماغية خلال الحمل |
بعد الصفعات التاريخية.. هل يكون 2025 عام نجاة جوارديولا؟ |