الأحد 2024/11/17 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 13.95 مئويـة
أسمعُ بغدادَ ولا أراها
أسمعُ بغدادَ ولا أراها
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

 

عمار محمد اغضيب  

 

فإن لمْ أكُنْ في أمةِ الشعر واحداً      أكُنْ أمةً أعلى من الشعراء

أحمد الصافي النجفي ، شاعرٌ كبير و عنوان بارز من من  عناوين الشعر العربي في القرن المنصرم ، أشاد به كبار النقاد والشعراء أبرزهم وبلا حصر  العقاد الذي قال عنه ( الصافي أكبر شعراء العربية )   والسياب والزهاوي ومي زيادة وغيرهم الكثير 

وِلد في النجف الأشرف ١٨٩٧ لأسرة دينية معروفة يرجع نسبها لآل بيت النبوة ، في بداية شبابه كان من الناشطين بالمجال السياسي ، للنزعة الوطنية والقومية التي كان يتمتع بها طوال حياته

ولما رأيتُ الذنبَ خدمةَ موطني

حلا السجنُ حتى خِلتَهُ جنةَ الخُلدِ

إضافة إلى الجانب الإنساني بالدفاع عن الفقراء و المظلومين

أراني حراً إذ أكونُ بجمعهم     ولي بسواهم عيشُ عبدٍ مقيتِ 

لقد ذاق هو  نفسه مرارة الفقر واليتم والظلم ، عاش يحمل ألآم الغربة والحنين إلى الوطن ومقارعة الأحتلال بكل أوجهه وبأي أرض يحل بها ، فوظف شعره لهذا الغرض

شارك في إنتفاضة النجف ضد الإنكليز عام ١٩١٨ وثورة العشرين ١٩٢٠ ،فأضطر للسفر إلى إيران كي لا يقع بقبضة الإنكليز  الذين حكموا عليه بالإعدام

ولئن أُسَجنُ فما الأقفاص إلا       لليثِ الغابِ أو للعندليبِ

ألا يا بلبلاً سجنوك  ظلماً        فنحن لغربة الغصن الرطيب

بقي فيها حتى عام ١٩٢٧ ، استغل وجوده هناك فتعلم الفارسية  ليشرع بترجمة رباعيات الخيام إلى اللغة العربية، لم يمكث طويلا ببلده  ،أضطر إلى حضن النفي مرة أخرى بعد سنوات قليلة من رجوعه إلى العراق لأسباب صحية هذه المرة، إذ نصحه الأطباء بالعيش بأجواء أكثر  اعتدالاً ، كونه لا يقدر العيش تحت وطأة مناخ العراق وصيفه الطويل القاسي ، لعِلةٍ ورثها هو وإحدى شقيقاته  عن أمه التي وِلدتْ بجبل عامل بلبنان

أسيرُ بجسمٍ مُشْبهٍ جسمَ ميتِ

 كأني إذا أمشي به حاملاً نعشي

فكان نفياً صحياً هذه المرة،  استمر لما يزيد عن الأربعين عاماً قضاها في لبنان ، نال الحضوة  من الشهرة والمجد  ،  على الرغم من أنه  عاش فقيراً معدماً لطول حياته ، و لم يعد إلا بعد تعرضه لإصابة بليغة من جراء الحرب الأهلية التي اندلعت هناك  عام ١٩٧٥ ، فساءت حالته الصحية ، مما أضطره للعودة إلى العراق ،  فلم يلبث طويلا حتى فارق الحياة عام ١٩٧٧

كان أحمد الصافي شاعراً مجيداً ، إمتاز إسلوبه المنفرد بالسهل الممتنع الجميل الذي يتجلى بسلاسة اللفظ ، والبساطة في عرض الثيمة مع التعبير الصادق وسهولة التركيب ، الذي اشتهر به أيضاً الكثير من الشعراء أبرزهم معروف الرصافي و  نزار قباني و إيليا أبو ماضي الذي كان يراه أميراً للشعر العريي   ، وهو أسلوب جميل  ، يتطلب الموهبة في توظيف الشعر لأغراض شتى بأختيار  مفردات  ومعان وصور سلسلة وسهلة وبأطار شعري فريد ،  وإن كان قسماً من النقاد  يعيب عليه هذه  السهولة ، لقربه  إلى التقريرية أو الوصف القصصي  على حد قولهم  حتى وصل الأمر ببعضهم أن يصفه بشعر المقالات ،  لكونه بعيداً عن القوة في التركيب  وجزالة اللغة والمفردات

كان الصافي  كثيراً ما يدس التهكم أو السخرية في أبياته الشعرية لما يحمله من روح التمرد والسمو ، فقال مخاطباً أحد  جلسائه الذي  كان ثقيلا على نفسه

لقد بَلِدّتَ إحساسي      فقم يامزعج الناسِ

وحفل شعره بالدفاع عن قضايا الأمة  والوطن التي عانى من أجلها الكثير من السجن والظلم وشظف العيش

أرى في غربةالإنسان سجناً      فكيف بسَجنِ إنسانٍ غريبِ

لأحمد الصافي إضافة لترجمته رباعيات الخيام سبعة عشر ديواناً شعرياً  أبرزها ( حصاد السجن ) ١٩٥١  هو ثمرة وجوده بالمعتقل  لدى الفرنسيين بطلب من الإنكليز  ، حتى وصف الكتاب على أنه من أميز الكتب التي تتناول حياة  السجون والمعتقلات وأغزرها شعراً

و ديوان ( الشلالات ) عام ١٩٦١ الذي كان باكورة عودة نظم الشعر لديه  إثر  انقطاع دام لثلاث سنوات توَّجَها بهذا الديوان الذي انهالت عليه قصائده  بظرف أشهر قليلة جدا

عاد الى العراق من لبنان إثر  تعرضه لإصابة بليغة من جراء الحرب الأهلية الدائرة هناك  بمنتصف السبعينيات، وقد  أصيب بالعمى وصار مقعداً ، فتعذر عليه رؤية بغداد وما  فيها بعد فراق عشرات السنين و اكتفى بسماع أصوات  الحركة و الناس حينها قال بيته الشهير

يا عودةً للدارِ ما أقساها        أسمعُ بغدادَ ولاأراها .

المشـاهدات 15   تاريخ الإضافـة 17/11/2024   رقم المحتوى 55845
أضف تقييـم