الخميس 2024/11/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 19.95 مئويـة
علي الوردي والأدب الحي.. ثقافة اللغة تضارع اختصاص علم الاجتماع
علي الوردي والأدب الحي.. ثقافة اللغة تضارع اختصاص علم الاجتماع
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

ماجد الكعبي

في كتابه الجديد الثاني والأربعين في سلسلة مؤلفاته يتناول بالبحث مؤلفه الأستاذ طلال سالم الحديثي في مسألة التجديد في الأدب العراقي مطلع القرن العشرين ، ويتناول على وجه الخصوص موقف الدكتور علي الوردي عالم الاجتماع العراقي من قضايا التجديد ورأيه في الأدب الحي الذي طرحه في كتابه أسطورة الأدب الرفيع الذي عده الناقد العربي ماهر حسن فهمي كتاباً تطبيقياً من كتب النقد الأدبي الرصين .وقد حرص الأستاذ طلال كما يقول في مقدمته على أن يقدِّم للجيل الحاضر أهم الأفكار الأدبية والنقدية التي تبناها الدكتور الوردي لتيسير إطلاع القارئ في أيامنا هذه على أفكاره الحية اللامعة في وسط هذا الضباب المتلاطم من الآراء والنظريات المقتبسة من غير ثقافتنا وهو يقول في مقدمته للكتاب : وهذا الكتاب الذي أقدمه للقارئ يتناول عرض أفكار الوردي في غير ميدان إختصاصه في علم الاجتماع ، أفكاره في اللغة والأدب والنقد ، تلك الأفكار التي أثارت حوله ضجيجاً ظلَّ صاخباً موّاراً على مدار سنوات ، وفي إطار هذه الأفكار بدا الوردي ذا ثقافة في الأدب واللغة والنقد تضارع ثقافته في إختصاصه بعلم الاجتماع، ولما كانت الأفكار الحية لاتموت بموت صاحبها فقد بقيت أفكار الوردي وستبقى لأنها تحمل أسرار خصوبتها وإبداعها على مدار الأيام .في تمهيده للكتاب يطرح الحديثي سؤالاً يبرز في الذهن عقب قراءة كل ما كتبه الوردي في مجال الأدب هو: هل ما كتبه الوردي في هذا المجال كان رجع الصدى لحركة التجديد في الثقافة العراقية وما آلت إليه من نتائج كان من أبرزها التجديد في الشعر؟ ثم هل نبالغ إذا عددنا الوردي من أولئك المجددين الذين أسهموا بشكلٍ أو بآخر في حركة التجديد دون أن يحسبوا عليها، ولذلك أُسيء تفسير أو قبول ماذهبوا إليه من الرأي ؟

ويقول المؤلف: ولكنني قبل الإجابة عن مثل هذين السؤالين أعود ملتفتاً إلى الوراء لأُلَّمح إلى أننا في محاولة لترَّسم معالم أسئلة التغيير في الثقافة العراقية نجد أن لكل جيل من الأجيال فهماً خاصاً لحقيقة التغيير يختلف عن فهم الجيل السابق له، والجيل الذي يليه، والتغيير المقصود هو التغيير الحاصل في مجرى الحياة الأدبية وفي فنون الأدب ومنها الشعر خاصة باعتبارها جزءاً من الثقافة وإرهاصاته الأولى ومانتج عنها فيما بعد ، فقد كانت الثقافة العامة خلال القرن التاسع عشر تستند إلى الجهود القديمة التي تصدع الكثير منها بين الأحداث والكوارث، ولم تكن الدولة العثمانية باسطة أجنحتها على عراق تلك الأيام، ولم تكن لتسهم بما يجب الإسهام به لدعم الثقافة العربية .وفي حالة الأدب في العهود العثمانية يقول الأستاذ المرحوم عباس العزاوي ( وفي عهودنا الأولى من بداية أيام العثمانيين إلى أيام السلطان مراد الرابع كانت الجهود فردية جامعة، كل أديب يعمل لنفسه ويتعهد أمره وحده بما توحي إليه مطالعاته ) . ولم يكن حظ الشعر بأحسن من هذا في القرن التاسع عشر، ولم يخرج الشعراء عن الأغراض والصور التي عرفت في الفترة المظلمة، وقد مثلوا هذه الفترة أصدق تمثيل فجاءت مقاييسهم مختلفة وقيمهم مضطربة، وخلت قصائدهم من جودة الخيال المبتكر ، لأنهم كانوا ينظمون بلا عواطف وأحاسيس ،وكان النقد في الفترة (1270ه_1804م) تقريظاً ليس فيه نظرات شاملة ولا إلتفاتات نقدية بارعة ، وكان جله مديحاً وخلع ألقاب على الكتاب والشعراء، ولم يقدر الأدب على أن يخرج عن هذا الاتجاه لأنه صورة للأدب الذي أنشأه أدباء هذه الفترة ، ومن هنا كانت الحياة النقدية ذابلة شاحبة ، وكانت المقاييس لاتعدو الإشارات اللغوية العابرة، أو الألتفاتات التي تعنى بالمحسنات والزخارف التي نفرت منها الأذواق ومجتها النفوس .وحينما أطل القرن العشرون واتصل العرب بغيرهم من الأقوام والأمم وأرسلوا البعوث العلمية إلى البلاد الأجنبية وهبت نسيمات الحياة أخذ الأدب يتجه إتجاهاً جديداً، وقد شهدت بغداد مطلع القرن العشرين حركة أدبية تمثلت في شعرائها الذين رفعوا لواء التجديد كالزهاوي والرصافي في أنديتها ومجالسها الأدبية والعلمية .وقد ظلت تلك المجالس تعقد ويفد عليها الفضلاء والأدباء وتثار فيها النقاشات، فقد عقد الرصافي مجالسه في أماكن مختلفة يختلف إليها رجال الفضل والأدب، وكان المتردد إلى هذه المجالس يخرج والنشوة تغمره لما كان يتخللها من نكات وطرائف وبحوث ممتعة نافعة في مختلف فنون الأدب والمعرفة ،وللمرحوم جميل صدقي الزهاوي مجالس لاتخلو من بحوث في العلم والأدب ومساجلات في الشعر والنقد، وأعقبتها مجالس أخرى زهت برواد الحركة الفكرية الحديثة كمجلس المرحوم العلامة طه الراوي، الذي قال الدروبي عنه:

كان له مجلس عامر يرتاده العلماء والأدباء والكبراء تبحث فيه المشاكل العلمية والطرائف الأدبية وتسمع فيه أخبار السابقين وتقص فيه أنباء الراحلين فهو أشبه بمجمع علمي أو منتدى أدبي أو محفل سياسي .ومجلس الأب أنستاس ماري الكرملي الذي كانت الموضوعات تدور فيه على شؤون اللغة والأدب والشعر والتاريخ والبلدان، وما أكثر تلك الطرائف والنكت التاريخية والنوادر الطريفة التي كان يعمر بها هذا المجلس، بل الندوة الأدبية الحافلة، ويندر أن يحل عالم أو أديب أو مستشرق ببغداد دون أن يزور الأب أنستاس في مجلسه يوم الجمعة أو في غيره من الأيام، وكان يختلف إلى هذا المجلس طبقات الأدباء والباحثين والكتاب والصحفيين والمحامين والأطباء ممن كان لهم أعظم الأثر في توجيه الحياة الأدبية والعلمية في العراق .

وعرفت مدن العراق الكبرى، ولاسيما النجف الأشرف والموصل والبصرة ، مثل هذه المجالس االعلمية والأدبية التي كانت كأسواق العرب في الجاهلية والإسلام ، وقد كان لهذه المجالس أثرها في تهيئة حياة جديدة للأدب فأخذ يبتعد عن الزخارف ويرمي أسماله التي إرتداها في الفترة المظلمة، وبدأ يحيا حياة جديدة لم يألفها في القرن التاسع عشر وفي القرون السابقة التي ران عليها ظلام الحهل .وفي فصلٍ أول من الكتاب الذي يقع في162) ) صفحة من القطع الكبير والمطبوع في دار العراب في دمشق وتحت عنوان ( أسئلة التغيير ) يقول الحديثي : لايمكن أن نفهم تجديد الرصافي والزهاوي في شعرهما دون أن نفهم سؤالاً تجديدياً سابقاً طرحه شعراء البند في زمنٍ سابق على زمنهما إذ كان البند( بذرة التجدد المشهودة في حياة الأدب العربي عندنا في العراق خاصة) ، وهذه البذرة كانت من مخترعات العراقيين أو هم أول من كتب به في اللغة العربية، كما أن ظهور البند في العراق يعتبر من مظاهر ثورة تجديدية عارمة في الأدب العراقي، بيد أنه ولد في حقبة كانت الأمة العربية فيها ترزح تحت نير العبودية، وكان الركود والتقليد قد خيما على الجو الأدبي، وزادته الصنعة اللفظية عتمةً على عتمة، فلم يتسنَّ لهذا الوليد أن يترعرع ويقف على قدميه ولو أُتيحت للبند غير تلك الظروف التي نشأ فيها وتعهدته قرائح حاذقة وألسنة بليغة لكتب له البقاء والازدهار ولأصبح من الفنون الأدبية الخالدة، ومهما يكن من شيء فإن هذا اللون من الشعر كان خطوة في تطور القصيدة العربية .

 

المشـاهدات 37   تاريخ الإضافـة 20/11/2024   رقم المحتوى 55988
أضف تقييـم