رحلة الحرية والحقيقة في "النفق" للقاص محمد خضير |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب د. عادل الثامري |
النـص : في قصة "النفق"، ينسج محمد خضير سردًا يمزج بين الواقعية وعمق الرمزية لاستكشاف مواضيع الصراع، والعزلة، والبحث الوجودي عن المعنى. من خلال هبوط البطل إلى نفق تحت الأرض، يعرض خضير رحلةً مجازية تتناول الصراعات الشخصية والجماعية لأولئك الذين يواجهون القمع. تتيح البنية السردية المتعددة الطبقات واستخدام الرموز لهذه القصة بعدًا زمنيًا يتجاوز الأحداث الفورية، فتكّون مواضيع كونية عن التضحية، واكتشاف الذات، والسعي نحو الحقيقة والحرية. يستخدم محمد خضير، في هذه القصة، بنية سردية غنية وأساليب رمزية عميقة ليقدم قصة تجمع بين الواقعية والمجازية. تستكشف هذه القصة القصيرة الاضطرابات السياسية، والتأمل الذاتي، والتوق إلى الحقيقة من خلال رحلة متظاهر يجد نفسه محاصرًا، ليضطر إلى خوض نفق متاهة حقيقي ومجازي في قلب بغداد. من خلال تقنيات السرد، يحول خضير الرحلة المادية إلى بحث وجودي، يعكس الصراع الإنساني من أجل الحرية والتنوير. يوظف خضير بنية سردية غنية وأساليب رمزية عميقة ليقدم قصة تجمع بين الواقعية والمجازية. تستكشف هذه القصة القصيرة الاضطرابات السياسية، والتأمل الذاتي، والتوق إلى الحقيقة من خلال رحلة متظاهر يجد نفسه محاصرًا، ليضطر إلى خوض نفق متاهة حقيقي ومجازي في قلب بغداد. من خلال تقنيات السرد المتقدمة، يحول خضير الرحلة المادية إلى بحث وجودي، يعكس الصراع الإنساني من أجل الحرية والتنوير.
بنية السرد والرحلة نحو العزلة تعتمد القصة على تركيب زمني مزدوج الطبقات، حيث تتنقل بين الأحداث الآنية وذكريات الماضي التي تقدم لمحات عن تجارب سابقة للبطل مع نفس المكان. تتيح هذه الذكريات التي تعود إلى ليالٍ قضاها في النفق وزيارات لضريح السهروردي تعميق الزمن القصصي، لتتحول القصة من صراع شخصي آني إلى نضال أوسع وأشمل. تتسارع أحداث القصة حين يواجه البطل الشرطة قبل أن يُدفع إلى اتخاذ قرارات مصيرية من خلال استكشاف المخارج الأربعة للنفق: "النهر"، و"القصر"، و"السور"، و"المقبرة"، وكل منها يمثل خيارًا حاسمًا ومصيرًا محتملاً. يعكس هذا التكوين الصاعد القضايا الوجودية العميقة المتشابكة مع رحلة البطل الداخلية والأسئلة الأوسع حول جوهر المقاومة. يعتمد خضير على أساليب سردية تعزز التأمل الداخلي للبطل وواقعه الحسي، ويكشف الحوار الداخلي مخاوفه وآماله وردود فعله تجاه الظروف القمعية من حوله. تُظهر التفاصيل الخارجية مثل القناع المطاطي، والأحذية، والدخان، قوة إغراق القارئ في التجربة الملموسة، بينما تُعد الرسومات والشعارات الجدارية علامات ترمز إلى المقاومة، والأمل، والغموض، مما يعزز شعور البطل بعدم اليقين والعزلة. تبدأ القصة بتصاعد احتجاج عنيف، يُجبر فيه البطل على اللجوء إلى النفق. بعيدًا عن المجتمع، يدخل عالماً مليئاً بالأصوات الغامضة، ما يجعله ينخرط في رحلة تأملية. في هذا المكان، يتيح له العزلة فرصة للتأمل في التضحية والنضال، بعيدًا عن العالم الخارجي. هذا النزول إلى العزلة يعكس حركته الجسدية نحو عمق النفق، في مكان يصبح فيه التحدي الأساسي هو مواجهة الغرض من مشاركته في الاحتجاجات. من خلال هذه البنية السردية، يظهر النفق مخرجا ومصيدة، ويعكس الظروف القمعية التي تفرضها القوى الاجتماعية والسياسية. تخلق العزلة والظلمة في النفق تجربة انفصال تعزز من إبعاده عن العالم المألوف، ليعكس هذا أيضًا الاغتراب عن المألوف وتحديات طريق التغيير. الفضاء الرمزي والوجودي يشتغل النفق في قصة خضير بوصفه مكانا حقيقيا ومجازيا على حد سواء. إذ يشير إلى نفق التحرير في بغداد، معلم معروف، ولكنه يتحول إلى متاهة تجسد رحلة البطل الداخلية للبحث عن الحقيقة والحرية. من خلال هذا المشهد الذي يُظهر ممرات متعددة تُفضي إلى طرق مسدودة، يصبح النفق فضاء تنعكس فيها صراعات البطل الداخلية، ويعكس تضاداً بين العالم العلوي المليء بقوى القمع والفضاءات التحتية المظلمة. يتجاوز النفق دوره كمأوى مادي، ليصبح فضاء مجازيا للتأمل الوجودي، حيث يعبر عن صوت الجماعة. فالجدران المليئة بالغرافيتي واللوحات التي رسمها المتظاهرون الآخرون تمثل أصواتًا احتجاجية جماعية. إحدى اللوحات، المعنونة "طقس الخريف"، تصور أشخاصًا يدورون حول جسد نصف عارٍ، مما يبرز استعداد البطل لمواجهة الموت في سبيل قضيته. تشير هذه الرمزية الخريفية إلى تلاشي الحياة والتضحية، مما يحوّل النفق إلى مكان لتخليد الذكرى وللتأمل. المعمارية المتفرعة للنفق تعمق من رمزيته، إذ تمثل مخارجه الأربعة—"النهر"، "القصر"، "السور"، و"المقبرة"—مختلف جوانب الواقع المجتمعي ونتائج المقاومة: الحرية، السلطة، العزلة، والموت. بالنسبة للبطل، تقدم هذه الطرق فرصة للفرار، ولكنها تحمل في الوقت ذاته احتمالية الضياع في متاهة. يشعر البطل أن هذه الممرات قد تكون مكيدة أعدتها قوى قمعية، ويعكس هذا إحباطه ويشير إلى أن القوى القمعية تضلل جهود الباحثين عن الحرية. التاريخي والروحي طوال رحلته، يستذكر البطل ضريح الشيخ الصوفي السهروردي الموجود في مقبرة قريبة. تمنح هذه الإشارة بُعدًا روحانيًا لرحلته، وتربط نضاله الشخصي بالسعي المستمر للوصول إلى الحقيقة. إن السهروردي، المعروف بفكرة الاشراق وأن النور مبدأ الوجود الوحيد، وأصل الأشياء وأن الله هو نور الأنوار، يمثل للبطل مصدر إلهام في توجهه نحو النور الباهت في نهاية النفق، ما يعزز من فكرة التحرر الروحي رغم الظلام المحيط. تضيف الرمزية المتكررة للضوء والظلام في القصة أبعادًا للصراع الوجودي للبطل، حيث يمثل النور الضعيف الذي يراه تطلعه للوصول إلى "وجهته الحقيقية"، إلى مكان يمكنه فيه إما أن يحقق الحرية أو يرضى بما يتقبله من واقع. رحلته، مثل مسار الصوفي، مليئة بالتحديات وعدم اليقين، لكنها تدفعه نحو حقيقة نهائية. وفي إطار الأبعاد السياسية والاجتماعية للقصة يكمن مستوى من الرمزية الروحية، حيث يصبح ضريح السهروردي رمزاً للمعرفة والحقيقة الداخلية. وفي إطار الأبعاد السياسية والاجتماعية لقصة "النفق" يكمن مستوى من الرمزية الروحية، حيث يصبح ضريح السهروردي رمزاً للمعرفة والحقيقة الداخلية. بالنسبة للبطل، يمثل الضريح مصدر عزاء ومنارة للتنوير في خضم الاضطرابات، والنفق، بطرقاته المظلمة وأعماقه الخفية، رحلة روحانية نحو التحقق الذاتي. الحرية والحقيقة في الظلام يستخدم محمد خضير في "النفق"، المكان والرمزية لتصوير تعقيد البحث الإنساني عن الحرية داخل نظم القمع. يتحول النفق، الذي يبدأ كملجأ مادي، إلى متاهة من الخيارات الوجودية، مجسدًا النضال ضد القيود الاجتماعية والتضحيات التي غالبًا ما ترافقه. يعكس مسار البطل المتفرع في النفق الارتباك والخيبة التي تصاحب طريق التغيير، بينما يرمز ضوء ضريح الصوفي إلى بصيص من الأمل، ما يشير إلى أن الحرية الحقيقية قد لا تُحقق إلا من خلال التنوير الروحي أو التضحية بالنفس. تتجاوز قصة خضير سياقها المكاني المحدد، لتصبح رحلة البطل تعبيرًا إنسانيا عن الصمود والسعي وراء الحقيقة. يصبح النفق فضاءً تتقاطع فيه الصراعات الشخصية والسياسية، مما يتحدى كل من البطل والقارئ لمواجهة الظلام والضبابية التي غالبًا ما تكمن بين الواقع والحرية. من خلال هذه الرحلة، يتأمل خضير في طبيعة التضحية، والبحث عن الحقيقة، والروح الدائمة لأولئك الذين يسعون لتحقيق العدالة في عالم مليء بالخداع والاضطهاد. تمزج "النفق" بين الرمز السياسي والرمزية الصوفية، حيث يدعو القراء إلى عالم يتعلق بالنضال الخارجي من أجل الحرية بقدر ما يتعلق بالسعي الداخلي من أجل المعنى. بينما يتنقل المتظاهر في المساحات المادية المليئة بالعقبات والرموز، يقطع أيضًا رحلة أوسع، خالدة تسلط الضوء على السعي الدائم للإنسانية وراء الحقيقة، والعدالة، والإشباع الروحي.
|
المشـاهدات 91 تاريخ الإضافـة 24/11/2024 رقم المحتوى 56116 |