رقصة المفارقات: تأثيرها في تطوير الأحداث وصقل الشخصيات في قصة "الحمار زعرور" للأديب فرج ياسين |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص :
د. انسام المعروف
المفارقة من الادوات الأدبية القديمة والفعالة الي تستخدم في كتابة النص الأدبي لخلق توتر ولإثارة الاهتمام لدى القارئ. ويمكن تعريفها بأنها تناقض بين مفهومين أو أفكار متناقضة تجتمع في نفس السياق أو الحدث لتبين فكرة ان العالم واحداثه يمكن ان بتم النظر اليها من زوايا مختلفة وليست موحدة. وتعود أصول الاستخدام المؤثر للمفارقة في الأدب إلى العصور القديمة. ففي الأدب اليوناني القديم، استخدم الكتّاب مثل أفلاطون وأرسطو المفارقة لإثارة الاهتمام وتبسيط المفاهيم المعقدة. كما استخدم الشعراء الرومان، مثل هوراس وأوفيديو، المفارقة لخلق السخرية والتعبير عن الاستغراب. ومع مرور الوقت، تطورت القصة والرواية وأصبحت المفارقة أداة شائعة في الأدب العالمي. استخدم الفيلسوف الفرنسي فولتير إلذى يعود الى القرن الثامن عشر المفارقة في رواية "كانديدا"، لاستنكار الظلم والشر في العالم. كما استخدمها الكاتب الإنجليزي شكسبير المبدع بشكل متقن في مسرحياته لخلق التوتر وتسليط الضوء على الجوانب الدرامية للشخصيات. ومن أوائل الكتّاب الذين درسوا ووضعوا الأسس النظرية للمفارقة كأداة أدبية هو الكاتب الروسي فلاديمير بروبوف، الذي نشر كتابًا بعنوان "المبادئ الفنية للمفارقة" في عام 1924. وقد قدم بروبوف تصنيفًا لأنواع المفارقة وعمق في دراستها وتحليلها. وفي الأدب الحديث، لا يزال استخدام المفارقة شائعًا بين الكتّاب والروائيين والقصاصين. حيث تعد المفارقة أداة قوية لخلق الصدمة المحببة والتوتر والتعبير عن التناقضات الإنسانية والمجتمعية. ويمكنها أن تساهم في تطوير الأحداث وتعميق الشخصيات وإيصال الرسائل الأدبية بشكل فعال. ولقد تطورت على مر العصور واستخدمها واستخدامها لا زال شائعاً لخلق التوتر والتشويق وللتعبير عن التناقضات الإنسانية والاجتماعية. وها نحن نجد ومن بين الكتاب الذين استخدموا المفارقة بشكل مبدع، القاص فرج ياسين الذي تألق في روايته لقصة "الحمار زعرور". وهي احدى القصص القصيرة ضمن مجموعته القصصية ( قصص الخميس). وتحتوي القصة على مفارقات كثيرة ومثيرة للاهتمام تساهم في بناء القصة وإضفاء الطابع الدرامي عليها. و تبدأ المفارقة منذ بداية القصة حين يسمع الفلاح راضي صوتًا يناديه ليتوقف ويتحدث معه أثناء وضع حماره في الزريبة. وهذه المفارقة مهمة كشعلة تثير فضول القارئ وتجعله يتساءل عن مصدر الصوت وطبيعته. ثم تكشف المفارقة الحقيقية عندما يكتشف الفلاح راضي نفسه أن الصوت الذي يتحدث معه هو في الواقع الحمار زعرور نفسه. وهذه المفارقة مدهشة وغير متوقعة، حيث نعتاد أن نرى الحمير ككائنات غير قادرة على التواصل بشكل مفهوم. تزداد المفارقات في القصة عندما يكشف الحمار زعرور عن أفعال الأشخاص الذين قاموا بأعمال سيئة وألحقوا الضرر بالفلاح راضي وأسرته. لنكتشف كقراء وكبطل القصة ذاته كون الجاني الحقيقي في كل حادثة هو شخص قريب من الفلاح ومعروف له، مما يزيد من المفارقة والصدمة. ان استخدام المفارقات يحول القصة إلى رحلة للكشف عن الحقائق المظلمة وراء الأحداث التي ألحقت الضرر بالفلاح راضي. وتساهم هذه المفارقات في بناء التوتر والتشويق، وتجعل القارئ ينتظر بفارغ الصبر معرفة سبب تحدث الحمار وكيف ستتطور الأحداث. بالإضافة إلى ذلك، تعزز المفارقات تطور الشخصية للفلاح راضي حيث تكشف عن سذاجته وتجاهله للأمور المحيطة به. وعادة ما يتم استخدام المفارقات لإظهار تناقض بين الحقيقة وبين ما تبدو الامور عليه وفي هذه القصة بين ما يعتقد الفلاح راضي والحقائق التي يكشفها الحمار زعرور له، مما يعزز العناصر الدرامية والتوتر في القصة. وبشكل عام، تلعب المفارقة دورًا هامًا في بناء القصة وإضفاء الجاذبية عليها. وتساعد على إثارة الفضول والتشويق لدى القارئ وتكشف عن الحقائق المظلمة والتناقضات في الاحداث مما يزيد من حبكتها. وتعتبر المفارقة أداة فعالة لخلق الدراما وتعميق خصوصية الشخصيات وتطور انساق الحبكة. وتمتاز هذه القصة بقدرة القاص على استخدام المفارقة بشكل حيوي يسبغ على الأحداث اطارا اكثر واقعية، وتجعل القارئ متشوقًا لمعرفة نتائج هذه المفارقات فهي مما يتعرض له في حياته اليومية ويمكن ان يساهم في تطوير خبراته وشخصيته كما يحدث في المفارقات المقروءة في القصة وتأثيرها على الشخصيات واحداث القصة بأكملها. |
المشـاهدات 54 تاريخ الإضافـة 24/11/2024 رقم المحتوى 56118 |