النـص :
د.علي المرهج
هو ذا الجنوب العراقي إضافة كونية للعالم، ولم لا يكون إضافة نوعية وهو الذي بزغت منه حضارة أبدع اهلها الكتابة التي وهبها الجنوب السومري للحضارات فكانت وصارت، بل وصيّرت حضارات لاحقة لها، فمن لا يعرف الكتابة لا يعرف القراءة وقيمتها، والجنوب العراقي هو من خلق الكتابة وصيّرها لتكون سجلًا وتدوينًا. الجنوب العراقي ملح الحضارة وتاريخ نشوئها، فحينما لم يكن للحضارة كون كانت الحضارة السومرية التي قال عنها الآثاري العظيم (صموئيل كريمر) "التاريخ يبدأ في سومر".الجنوب، بل وجنوب الجنوب يبدأ منهم تاريخ الحضارة الإنسانية ولا ينتهي، فهو يبدأ حينما كان كهنة سومر يُتقنون العزف على القيثارة السومرية، فخرج من اوتارها داخل حسن وحضيري بو عزيز وناصر حكيم وستار ونيسة ورثة اللحن وقيثارة الشجن السومري.الجنوب الجنوب هو لحن من السماء ألهمته الآلهة لمريديها فكان مما كان قصة وسرد ولحن وفن وموسيقى وطرب وأناشيد فيها من السماء استلهام وفيها من الأرض تعبير وحنجرة تصدح بمحبة فيها من البوح ما يستفز الأرض ويعترض على أكثر ما فيها، وفيها من لحن السماء ما جادت به حناجر من ذكرتهم وزاد عليها آخرون.الأرض هي ذات الأرض تدر إبداعًا، ولكن الناس غير الناس هم لم يعوا قيمة النشأة والتاريخ الحضاري، ولم يعرفوا أن تاريخ الفن والإنشاد في المعابد السومرية كان داخل حسن وحضيري وناصر حكيم وستار ونيسه هم وثته الحقيقيون.هؤلاء لا يُغنون لأنهم مُطربون يُجيدون الإنشاد في المعابد السومرية، فتجد (بحة) داخل حسن فيها ما فيها من الشجن الجنوبي الأخاذ واللوعة التي تليق بجنوب العراق.تصوروا تاريخ الفن لو لم يكن فيه أمثال داخل حسن وحضيري وناصر حكيم وجبار ونيسة لوجدنا المربع بوصفه الأكمل هندسيًا لا قيمة جمالية له.لو لم يكن في العراق هذا الجنوب لكان العراق يمشي على قدم واحدة..أنصت للقاء مع الملحن الكبير محمد جواد اموري ينتقد فيه الأغنية البغدادية لأنها أغنية مباشرة ليس فيها إبداع شعري ولا لحني على الرغم من جماليتها، ولكنها من قبيل تحصيل الحاصل، فهي شعرًا وأغنية لا إجادة فيها، لأننا نجد أن بنائها الشعري واللحني لا يعدو أن يكون جملة شعرية ولحنية واحدة تتكرر لا إبداع فيها إلا ما ندر.حينما دخل شعراء الجنوب وملحنيهم في السبعينيات من القرن الماضي تحول الشعر واللحن ليكونا نتاج إبداعي في التحولات من نتاج يركن لموسيقى اللفظ لإبداع قد تغيب فيه القافية ولكن الموسيقى ترتقي به.تمكن طالب القرغولي من تلحين قصيدة (البنفسج) من دون قافية.الشعر في الجنوب والغناء واللحن والموسيقى اصل في الحياة. إن لم يتمكن الشاعر الجنوبي او الموسيقي من إيجاد مكان له وسط خضم الاحداث سيُنتج ويُبدع بما يُعبر به عن لواعجه في كتابة قصيدة حسينية لا تصدم مع التلقي الجمعي في السائد المُهيمن، وكذا الحال مع المُلحن.
|