الأربعاء 2024/12/4 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 10.95 مئويـة
الهموم والحزن في الشعر العربي
الهموم والحزن في الشعر العربي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

سامي ندا جاسم الدوري

قال أبو فراس الحمداني /

أقُولُ وقَدْ نَاحتْ بِقُرْبي حمامَةٌ

أيا جَارتا هَل تَشعرينَ بحَالي؟

أتحملُ محزونَ الفؤادِ قوادمٌ

عَلى غُصُنٍ نائي المسافةِ عالِ؟

أيَضحَكُ مأسُورٌ، وتَبكي طَلِيقَةٌ،

ويسكتُ محزونٌ ويندبُ سالِ

الهم هو شعور نفسي يتمثل في انقباض المزاج

مع غم وفقد للمتعة والبهجة وضيق في الصدر

وتتفاوت درجاته في الشدة من شخص لآخر. وهذه الحالة اليائسة الضيقة من عدم الارتياح والاستياء وفقدان السعادة والسرور هي الحالة

التي يهجم فيها على المرء الهم ويتربص به ضيق الصدر والشعور بالفشل. فهو إحساس يكون فيه الفرد نهباً للشعور الداخلي السلبي والفشل وخيبة الأمل، واختفاء الابتسامة

والانشراح، وظهور العبوس وعدم الابتهاج والأسى الممزوج بفقدان الهمة والتقاعس عن الحركة والعزوف عن بذل أي نشاط حيوي ولربما العزوف عن الحيوية .

والحزن هو شعور قاسٍ يفقد صاحبه كل معاني الحياة، يجعله دوماً مشغول البال محاولاً الخروج من مشكلته، لكنه ليس بالأمر المحمود فلم يكن يوماً حلاً لأي أمر مهما عظم، فلا يصح أن نتركه يتسلل إلى نفوسنا فيقتلها ويسيطر علينا، علينا دوماً أن نعمل على حلّ ما يواجهنا من مشاكل دون التخاذل والاختباء وراء خوفنا ويأسنا ، قال الشاعر /

تَمُرُّ سـاعـاتُ أَيّـَامي بِلا نَدَمٍ

ولا بُكاءٍ ولا خوف ولا حـَزَنِ

أَنَـا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً

عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي

يَـا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَتْ

يَـا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني

دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدِبُـهـا

وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَزَنِ

والهم في الأسلام هو إن من طبيعة الحياة

الدنيا الهموم والغموم التي تصيب الإنسان

فيها، فهي دار اللأواء والشدة والضنك.لهذا كان مما تميزت الجنة به عن الدنيا أنه ليس فيها هم ولا غم ( لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين ) ، وأهلها لا تتكدر خواطرهم ولا بكلمة ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاماً ) . وطبيعة الحياة الدنيا المعاناة والمقاساة التي يواجهها الإنسان في ظروفه المختلفة وأحواله المتنوعة، كما دل عليه قول الحق تعالى: ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) . فهو حزين على ما مضى، مهموم بما يستقبل، مغموم في الحال ، قال أبو العتاهية/

نأتي إلى الدنيا ونحن سواسية

طفلُ الملوكِ كطفل الحاشية ونغادر الدنيا ونحن كما ترى

متشابهون على قبور حافية

أعمالنا تُعلي وتَخفض شأننا

وحسابُنا بالحق يوم الغاشية

حور، وأنهار، قصور عالية

وجهنمٌ تُصلى، ونارٌ حامية

ليس الحزن إلا صدأ يغشى النفس، والعمل بنشاط هو الذي ينقي النفس ويصقلها ويخلصها من أحزانها. الفرح والبهجة يفقدان معنيهما إن لم يتم موازنتها بالحزن. والغضب والدموع والحزن هي أسلحة المستسلمين . ومنذ وجد الإنسان هو یعانی أزمة الحیاة ویدرك ما فيها من خیر وشّر وسرور وحزن . شعور الإنسان بالألم والحزن وهذه الآلام تکون لفقد عزیز أو أمنیّة أو نعمة أو تکون لحرمانٍ مما یحب ویرید في الحیاة. نحن نجد بیان هذه الإختلاجات في شعر الشعراء من العصر الجاهلي حتی شعراء العصر الحدیث ونراه خاصة في أشعار المذهب الرومانسي . ومنَّا من يرى أن هذه الأحزان جزء طبيعي من التجربة لا بد من التعامل معها والإيمان بزوالها، وهذا ما يرمي إليه الإمام علي بن أبي طالب في قوله /

رَأيْتُ الدَّهرَ مختلفاً يدورُ

فلا حُزْنٌ يّدومُ ولا سُرورُ

وقد بَنَتِ الملوكُ بهِ قُصوراً

فما تبقَ الملوكُ ولا القُصورُ

نعم أن الهموم تطيل اللَّيالي القصيرة، والسُّرور يقصِّر طوال اللَّيالي، قال الإمام علي رضي الله عنه /

إِن اللَّيالي للأنامِ مَناهِلٌ تُطوُى

وتُنْشَرُ دونَها الأعمارُ

فقِصارُهنَّ مَعَ الهُموم طَويلةٌ

وطِوالُهنَ مَع السُّرورِ قِصارُ

ویختلف الشعراء في إحساسهم بالکون أو بأنفسهم وما حولها إختلافاً مبعثه العمق والحدّة في الإدراك والنفوذ إلی بواطنهم وبواطن ما یصوّرونه ونری الشعراء تارة یفيض شعرهم باللذة والفرح وتارة یفيض بالحزن والألم العمیق . قال أبو الطيب المتنبي /

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

وفي الأدب العربي شعراء انشدوا أشعاراً لبیان ما في حیاتهم من الألم والشعور بالحرمان طوال عصور مختلفة ففي العصر الجاهلي قال إمرؤ القيس /

ولیل كموج البحر أرخی سُدوله

علیّ بانواع الهمومِ لیبتلي

فقلتُ له لمّا تمطّی بصلبه

وأردف أعجازاَ وناء بکلکل

ألاأیّها اللیل الطویل ألا انجلي

بصبح وما الإصباح منك بامثل

وكذلك نری في العصر الأموي دموع المحبیین العذریین من أمثال مجنون لیلی /

لم تزل مُقلتي تفيض بدمع

یشبه الغیثُ بعد أن فقدتها

مقلة دمعها حثیثٌ وأخری

کلمّا جفّ دمعها أسعدتها

ما جرت هذه علی الخدّ حتی

لحَقَت تلك بالتي سبقتها

وأيضا في العهد العباسي قال المتنبی /

صحب الناسَ قبلنا ذا الزمانا

وعناهم من شأنه ما عنانا

وتولّوا بغصة کّلهم منه

وإن سرّ بعضهم احیاناً

ربّما تحسن الصنیع لیالي

ولکن تکدّر الإحسانا

أما بالنسبة للشعر المعاصر فنلمس أنّ نزعة الحزن قد هيمنت عليه وأصبحت توأم روح الشاعر لا تفارقه . وأصبح كل ما يُقرأ من هذا الشعر يعزف على وتر الحزن والألم والشكوى ، وكأن الحياة عتمة لا يوجد بها بصيص نور يضيء بعضاً من سمائها . وظلّ الشاعر يميل ، بل ويسعى لتضمين الجهامة والسواد في جُلّ أشعاره بدل البهجة والسرور والأمل . وتعتبر القصائد الحزينة وأبيات الشعر الحزين من أكثر موضوعات الشِّعر تأثيراً، فغالباً ما تكون نابعة من قلب صادق وجرح نازف لم يبرأ ولم يجد سبيلاً للالتئام . قال الشاعر أحمد شوقي /

ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ

أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ

لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً

يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي

جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي

جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلمِ

يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ

لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ

لَقَد أَنَلتُكَ أُذنًا غَيرَ واعِيَةٍ

وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ

وأن للحزن أشكالاً مختلفة لدى الشعراء ، ولا نعتقد أنَّ قلباً لم يعرف الحزن ولم يختبره، فنحن نستقبل حياتنا بالبكاء وإن كان هذا البكاء الدَّلالة الأولى على وجودنا . قال مجنون ليلى /

أحبك يا ليلى محبة عاشقٍ

عليه جميع المصعبات تهون

أحبك حباً لو تحبين مثله

أصابك من وجدٍ علي جنون

ألا فارحمي صباً كئيباً معذباً

حريق الحشا مضنى الفؤاد حزين

لعل السبب الذي يجعل شعر الحزن يكثر عند الشعراء هو أن الألم والشعور الذي يصاحب الحزن لا يجد له الشاعر متنفساً إلا بالتعبير عنه بشعره ، أو أن غالبية الشعراء تكون الظروف والأحوال التي يمرون بها قاسية صعبة فيتفجر شعره مع هذه اللوعات المريرة. والشعر سمي شعراً لأنه ينبع من الشعور, والشاعر عند كتابة الشعر يبلغ أقصى درجات الشعور إذا بلغ أقصى درجات الألم, فقد يصف الشاعر حزنه بألم ودموع يصاحبه شموخ وكبرياء, كما في شعر أبي فراس الحمداني:

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر

أما للهوى نهي عليك ولا أمر

نعم أنا مشتاق وعندي لوعة

ولكن مثلي لا يذاع له سر

إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى

وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر

ويُعد فقدان الأعزاء أحد أعمق أسباب الحزن، قال ابن الرومي /

ولا تحسَبنَّ الحزن يَبقَى فإنَّهُ

شِهابُ حَرقٍ، واقدٌ ثُمَّ خامدُ

ستألَفُ فِقدانَ الَّذي قدْ فقدتَهُ

كإلْفِكَ وِجْدان الَّذي أنتَ وَاجِدُ

علَى أنَّه لابُدَّ مِن لذْع لَوعةٍ

تَهبُّ أحايينا كَما هَبَّ رَاقدُ

ومَن لَم يَزَل يَرعَى الشَّدائدَ فِكرهُ

عَلى مَهلٍ هَانت عَليهِ الشدائد

كتابة الشعر من الاساليب التي يلجئ اليها العديد من الاشخاص للتعبير عن مشاعرهم واحاسيسهم والامور التي يعانون منها، فهذه الاشعار تعبر بشكل رائع وراقي جداً عن المشاعر سواء الحزينة أو المؤلمة او حتى المشاعر السعيدة الجميلة باسلوب معبر وجميل، والحياة رحلة مليئة بالمواقف والاحداث التي نواجهها كل يوم، بعضها يبعث الامل والتفاؤل والسعادة، وبعضها الآخر مؤلم وصعب جداً، فيلجئ الانسان الي كتابة الكلمات او الاشعار التي تتحدث عن كمية الالم والوجع الذي يخبئه في قلبه، فتخرج هذه المشاعر على هيئة احرف تعبر عن احزانه وآلامه ولو قليلاً .

قال الشاعر ابن سناء الملك /

بكيْتُ فما أَجْدى حَزِنْتُ فما أَغْنَى

ولا بدَّ لي أَنْ أُجْهِدَ الدَّمع والحُزنَا

قَبِيحٌ قبِيحٌ أَنْ أَرَى الدَّمْع لاَ يَفي

وأَقبحُ مِنْهُ أَنْ أَرَى القَلْبَ لاَ يَفْنىَ

مضى الجَوْهَرُ الأَعْلَى وأَيُّ مُروءَة

إِذا ما ادَّخرْنا بعدَه العَرَضَ الأَدْنَى

ثكِلتْ خليلًا صِرْتُ من بَعْدِ ثُكْله

فُرَادَى وجاءَ الهمُّ من بَعدِه مَثْنَى

إن الهموم والأحزان قد تفشت في هذا الزمان الذي تكالب فيه الناس على الدنيا وركزوا فيه على راحة الجسد وأهملوا جانب الروح، ولا شك أن أهل الإيمان في عافية كبيرة من هذه الأمراض، وإن حصل وأصيبوا بها فإنها سرعان ما تزول لإيمانهم بالله وحرصهم على ذكره وطاعته وتلاوة كتابه، وإن الهموم والأحزان من الشيطان الذي همه وشغله: (ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وكذلك الأدعية الواردة في السنة النبوية قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال .

المشـاهدات 27   تاريخ الإضافـة 03/12/2024   رقم المحتوى 56580
أضف تقييـم