الأحد 2024/12/22 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 6.95 مئويـة
تقاسيم على الهامش (( حين يكون المعشوق وطناً...!!))
تقاسيم على الهامش (( حين يكون المعشوق وطناً...!!))
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب عبد السادة البصري
النـص :

هناك لحظة قرارٍ تكون هي الحد الفاصل بين كل شيء، قد تكون صعبة وذات مخاطر جسيمة، أو بالعكس، لكننا  وفي تلك اللحظة التي نقف عندها كرمشة عين لن نتردد في اتّخاذها مهما تكون النتائج ، فكيف إذا كانت لحظة قرار بين ما يسكن القلب والوجدان وما ستكون عليه الحياة بعد ذلك، وكان العاشق والمعشوق منصهرين في جسد واحد هو الوطن ؟! ، بالتأكيد سنمشي وراء نداء القلب حتماً انّه الوطن !!

هذا ما فعلته الفتاة الغضّة الوديعة الحالمة بالحياة الحرّة الكريمة وتحقيق الأماني والأحلام الوردية حين اختارت الانتماء إلى حزب الفقراء والكادحين الحالمين بوطنٍ حرٍّ وشعب سعيد !!

ابنة الفرات الأوسط ( ديوانية القلب) ــ ناهدة ــ التي تعيش في بحبوحة العيش بفضل ما صنعه الأب من مورد مالي جيد، تختار طريقها عبر الاصطفاف مع الفقراء والمعوزين :ــ

(حلمٌ ناضلتُ وخسرت الكثير في تحقيقه...ص9 )بهذا ابتدأت روايتها التي تُعتبر سيرة ذاتية لحياة ملؤها الأحلام والمغامرات والأحداث الكبيرة والغريبة التي عاشتها في البدء بين أسرتها حيث تقول:ــ

( ترعرعت وسط عائلة حميمة ومستقرّة ، وضعنا الاقتصادي كان جيداً ،لم أشعر يوماً أن شيئاً ينقصني من ملبس أو مأكل أو حنان وحب ودفء عائلي ...ص11) هذه الكلمات تؤكّد لنا أن بطلتنا ــ الروائية نفسها أو ( الراوي العليم ) ــ اختارت طريقها حسب رغبتها تماماً، لتبدأ رحلتها كيفما أرادت لا كيف ما تقدّره الأيام :ــ

( رقصت روحي ، طارت في سماوات وفضاءات العشق والحبيب المستحيل ..ص28 )

أحبت فتىً من أبناء مدينتها يسكنه هاجس البحث عن الخلاص وفتح أبواب الحرية والسعادة له وللناس أجمعين ـ شيوعي العقيدة والانتماء ـ لترتبط به وتكون صنوه في كل شيء ، حيث تبدأ رحلتهما المليئة بالأوجاع والقلق والخوف معاً ، ثم اختيار طريق الكفاح المسلح والعيش في بيئة بعيدة كل البعد عن بيئتها ، تاركة طفلها الذي لم يبلغ السنتين ، ومتحمّلة قبل ذلك مخاطر الإجهاض والعمل السرّي بين حبيب عمرها ومخاوف الوقوع في أيدي الجلادين القتلة جلاوزة النظام الفاشي !!

الرواية التي وسمتها بــ ( رواية بيوغرافيا ) أرادت ناهدة أن تنقل لنا عبر متوالية سردية ، قصّة حياتها من الطفولة والصبا وصولاً إلى المنفى هرباً من بطش الطاغية ،في هذه القصّة وضعت حلمها على الطاولة لتبدأ بالبوح عمّا صادفها في مسيرة امتدت من الديوانية تلك المدينة الغافية قريباً من نهر الفرات وحتى أعلى قمة جبل في شمال الوطن، رحلة تمرّد وحلم تغلغل في كل مساماتها وبات نبضاً مع الروح والقلب، تسعى إلى تحقيقه مهما كانت النتائج !!

الجميل في هذه الرحلة أنها التقت شريك حياتها ليلتصقا معاً ويشكّلا أجمل صورة رائعة للعشق المعجون بالمبادئ والقيم والمصهور ببوتق حلم واحد لن يحيدا عنه !!

عبر رحلتها هذه نقلت إلينا وبجرأة قلّ نظيرها عن كل ما كان  يدور من أحداث وحكايات في غمرة الكفاح والعيش في الجبال لمحاربة أعتى نظام دكتاتوري دموي لم يتفوّه بها أحد خشية من الملامة والنقد وما إلى ذلك ، لكن ناهدة أو( بهارــ كما كان اسمها الحركي ) استطاعت ان تنقلها لنا ( صورة وصوت ) تماماً ، كما تحدّثت عن الظلم والتعذيب الذي كان يمارسه جلاوزة النظام الفاشي المقبور من استهتار بالقيم الإنسانية وإذلال الناس من خلال استذكارها لما حصل في مدينتها من إعدامات واعتقالات أثناء الحرب اللا معنى لها غير الموت والخراب وكذلك بعد انتفاضة عام 1991،وكذلك لرفيقتها وزوجها حينما عملوا في تنظيم الداخل ، وأيضاً ذكرت المندّسين الذين كان يرسلهم النظام الفاشي المقبور لتسميم الثوار  أو التجسس ونقل الأخبار والوشاية بالمناضلين الذين يجازفون بالدخول الى المدن لمتابعة العمل السرّي، إضافة إلى الكثير من الأحداث التي صوّرت لنا حياة الثوار ( الأنصار ) الذين تركوا كل شيء من أجل تحقيق حلمهم بزوال الطاغية ووطن حرّ وشعب سعيد !!

ناهدة جابر من الكتّاب القلائل الذين كانوا مقاتلين ضمن حركة الشيوعيين الأنصار ونقلت تجربتها بشكل سرديٍّ وبلغة سلسة جداً ، لتكون شاهدة على حقبة نضالية رائعة سطّرها مقاتلو الحزب الشيوعي العراقي في تلك الفترة وقدّموا التضحيات الجسام من أجل تحقيق الحلم الذي ما نزال نحمله أيقونة في أعناقنا دائماً!!

إنها أعطت درساً بليغاً لمعنى أن تعشق الوطن وتعتنق هذا العشق مبدءاً تركب الصعاب للوصول إلى غايته مهما كانت التضحيات !!

شكراً ناهدة وأتمنى أن نقرأ روايات أخرى وأخرى .

المشـاهدات 76   تاريخ الإضافـة 15/12/2024   رقم المحتوى 57031
أضف تقييـم