رواية "رجال من لگش بين جبال قنديل وسيدي عمير" للروائي سلمان عبد مهوس |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص :
عبد الكريم المصطفاوي شهادة على زمن حالك بكل صفحاته، زمن غير محسوب من العمر، عمر الوطن أو عمر أبنائه، زمن للنسيان.
العنوان: تلتحف الرواية بعنوانين، كتب أحدهما "رجال من لگش" بالخط العريض، وكتب الآخر "بين رجال قنديل وسيدي عمير" بالخط العادي.. ومع مقبوليتهما الكبيرة، كان الأفضل اختيار أحدهما سيما الأول الذي يحمل دلالات تاريخية واعتبارية.
تمثل الرواية انعكاسًا أدبيًاً لحقبة مليئة بالتحديات الاجتماعية والسياسية في العراق والمنطقة، وتتبع رحلة شخصية ذاتية تتقاطع مع قضايا وطنية كبرى، مثل الحصار، الاغتراب، والاحتلال. يمكن تصنيف العمل ضمن أدب الرحلات والسير الذاتية، حيث تتشابك تجربة الفرد مع المصير الجمعي لوطنه. ما بين البداية بغداد وجبال قنديل والفقر والعوز وبين عمان و البحر وليبيا وسيدي عمير، تتشكل البداية والنهاية. إذ يصور الراوي مشهداً شخصياً عميقاً في بغداد 1997، يواجه البطل مشاعر متناقضة وصراع بين التصاقه بوطنه وجبه الكبير لوالدته ، فلطالما كانت هي أول ما يطرأ على باله في اليقظة والمنام، والأم هنا هي الوطن والدار والأصدقاء والحزن، الفقد، وبين الرجاء، والأمل ومستقبل أفضل، وهو يغادر وطنه إلى المجهول. أما النهاية، فتنقلنا إلى مرحلة ما بعد الاحتلال، حيث يتصارع الأمل في "انبثاق حكومة وطنية" مع شعور العجز أمام واقع الاحتلال. هذا البناء الحلقي الذي يبدأ بالفقد وينتهي بتأمل الحرية تحت قيود الاحتلال يعكس النظرة التشاؤمية التي تغلف الرواية، ويعبر عن فشل التحولات السياسية في تحقيق تطلعات الشعب.
الأفكار الرئيسة - المنفى والاغتراب يجسد البطل أزمة المنفى بوصفه تجربةً عميقة الانكسار. الخمسون دولاراً التي يحملها معه إلى رحلته تشير إلى هشاشة الدعم المادي والمعنوي. كما يعبر السارد عن اغترابه الوجودي، ليس فقط في المنفى، بل أيضاً داخل وطنه الذي "لفظ أبناءه دفعة واحدة". - صراع الهوية الوطنية تنعكس معاناة العراق من الأنظمة القمعية والحصار في معاناة البطل، حيث يصبح السفر قسراً، والخلاص من الوطن يحمل شعوراً بالخذلان. الرواية تتساءل باستمرار عن معنى الوطن والحرية، خاصة في ظل ظروف الاحتلال. - الإرادة والأمل رغم المأساة على الرغم من حالة الانكسار، يستعيد البطل عزيمته لمواجهة "الطريق المجهول" بإرادة واعدة. ورغم سوداوية النهاية، إلا أن إشارات بسيطة للعودة الحياتية الطبيعية تعكس الأمل الكامن.
شخصيات الرواية الشخصيات المرافقة للبطل أو تلك التي تعرف عليها في الغربة، تمثل تجارب جماعية للمجتمع العراقي في تلك الفترة. الحوارات البسيطة التي تدور بينهم تضيف أبعاداً إنسانية للعمل، لكنها في الوقت ذاته تؤكد وحدة المعاناة، حيث يصبح كل فرد مرآة لمعاناة الآخر.
اللغة والأسلوب تجمع لغة الرواية بين السرد الوصفي والمونولوج الداخلي، مما يعزز البعد النفسي للعمل. الأوصاف المكثفة، مثل "شوارع العاصمة المشبعة بدخان الحروب"، تخلق صوراً حية عن الواقع الاجتماعي والسياسي. لكن في بعض المواضع، يمكن أن تبدو اللغة مباشرة أو متأثرة بالرغبة في التوثيق أكثر من التعبير الفني. النهاية تضع القارئ أمام مفارقة مأساوية؛ إذ بينما يتطلع الناس إلى "شمس الحرية"، تبقى البلاد مقيدة بواقع الاحتلال. هذا التشاؤم يترك أثراً عميقاً، لكنه يعبر عن واقع مُعاش يعجز عن تقديم حلول، ويركز بدلاً من ذلك على طرح الأسئلة الكبرى حول معنى الحرية. تتفوق الرواية في تصويرها للمعاناة الإنسانية وتعقيداتها. بناء الأحداث الذي يجمع بين السيرة الذاتية وأدب الرحلات يخلق مزيجاً فريداً. قدرة الروائي على ربط التجربة الشخصية بالسياق السياسي والاجتماعي تزيد من قيمة العمل. في بعض المواضع، يغلب الطابع التقريري على السرد، ما قد يضعف الجوانب الأدبية. كما أن الاعتماد على المونولوج الداخلي بشكل مكثف قد يجعل النص ثقيلاً للقارئ. تجمع الرواية بين المشاعر الشخصية الإنسانية وبين الهم الوطني، وتطرح أسئلة مهمة حول المنفى، الهوية، والوطن. رغم لغة الحزن والتشاؤم ، إلا أنها تنجح في تقديم تجربة إنسانية صادقة تمثل صدى للوجع الجمعي. "رجال من لگش" ليست مجرد رواية عن رحلة فردية، بل هي شهادة على عصر مليء بالأزمات والتحولات. |
المشـاهدات 62 تاريخ الإضافـة 17/12/2024 رقم المحتوى 57114 |