السبت 2024/12/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 8.95 مئويـة
حكاية وطن مكبّل بالعذاب
حكاية وطن مكبّل بالعذاب
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب عزة الاسعد
النـص :

لم تكن سوريا وطناً كباقي الاوطان التي تحمل من معاني الأمان والكرامة، بل كانت ساحةً واسعة لعرض طويل من القمع والخوف. جدران المدن والأسواق والبيوت لم تكن إلا جدران سجن كبير يتربص فيه سجان أحمق جشع، يمسك بمفاتيح الأبواب والقيود بيدٍ ملطخةٍ بالدماء وبأخرى تغرف بلا شبع من كنوز البلاد وأحلام شعبها.في هذا السجن الكبير، لم يكن هناك مجال للهروب أو التفكير حتى في الحرية. الخوف كان هو الحاكم المطلق، يسكن في القلوب وينمو في النفوس كمرضٍ عضال. كنا سجناء داخل عقولنا، مكبّلين بأوهام القوة المطلقة للسجان، وأسرى لفكرة أن أي محاولة للتحرر هي انتحار مؤكد.كان الخوف سلاح الطاغية الأشرس ، فالسوري لم يُقيد يوماً بسلاسل من حديد، بل بسلاسل من وهم القوة المفرطة للجلاد. كان الصوت المرتجف والعيون المكسورة والابتسامات الزائفة هي لغة البلاد. كان الجميع يعيشون تحت وطأة القمع، يرقصون دبكةً مريرة أمام الطاغية، لا احتفالاً، بل خوفاً. كانت الدبكة صورةً مأساوية للذعر الجماعي، حركة أقدام تحاول مواكبة النغمة الحادة للعنف الممارَس عليهم.عقودٌ من الخنوع الإجباري، عقودٌ من الأصوات المخنوقة والآمال المقتولة. لم يكتفِ السجان بإغلاق الأبواب، بل زرع الخوف حتى في الحلم. كل محاولة للابتسام كانت تُقابَل بسؤال: “لماذا تبتسم؟” كأن السعادة كانت جريمة، وكأن الحرية كانت مؤامرة.عندما فُتح باب السجن الكبير وطرقت الحرية باب السجن الكبير. لم يكن الطَرق خفيفاً، بل كان صراخاً قوياً مزّق صمت العقود. ارتجّت الجدران التي بناها السجان، واهتزت عرشه المصنوع من عظام الضحايا وأشلاء الكرامة. صرخ جميع السوريون: “نحن أيضاً كنا سجناء!”لكن ماذا كانت النتيجة؟ خرجوا من سجنٍ صغير إلى سجنٍ أكبر. كانت الحرية التي حلموا بها لعنة جديدة، لأن الطاغية لم يتركهم يغادرون دون أن يمطرهم بالبراميل والمتفجرات والموت. كانت القيود تُقطع، لكن بسيوف مغموسة بالدم. السوري مذبوح، لكن ليس من الوريد إلى الوريد فقط، بل مذبوحٌ من خوفه، من أحلامه التي تحولت إلى كوابيس، ومن وطنٍ خذله مراراً. الدبكة التي يؤديها السوري هي رقصة العذاب، رقصة المتألم الذي لا يجد سوى خطواته للتعبير عن وجعه.في سوريا، السجان لم يكن شخصاً فقط، بل كان فكرةً متغلغلةً في كل زاوية، في كل بيت، في كل كلمة تُقال أو تُخفى. كان الوحش يبتلع كل شيء، تاركاً السوريين يدورون في دائرةٍ مفرغة من الهرب المستحيل.

 

أين نذهب؟

 

لا جواب. العالم كله شاهَد مأساة السوريين، ولكنه اكتفى بموقع المتفرج. يراقبهم وهم يحاولون الهروب من الوحش الذي صمم لهم سجناً لا تنفع فيه أقوى المفاتيح. لكن رغم كل شيء، السوري لم يستسلم بعد. رغم الدماء والدموع والخسائر، لا يزال هناك من يحلم بوطن، لا يزال هناك من يصرخ في وجه الوحش: “لن تقتلنا جميعاً ".

 

لكن رغم كل شيء: الأمل لا يموت

 

في هذا الركام من الأحلام المحطمة، ينهض الأمل، ولو خافتاً، ليجمع السوريين حول حلم جديد. ما زال هناك من يعتقد أن البلاد قادرة على النهوض، أن يد السجان الراحلة قد تترك وراءها فراغاً يملؤه السوريون بحبهم لوطنهم ورغبتهم في الحياة.السوري اليوم، بعد كل هذا الألم، يطمح لأن يكون يداً واحدةً مع إخوته في الداخل والخارج لإعادة إعمار وطنه. الحلم ليس فقط في بناء ما دمرته الحرب من حجارة وبيوت، بل أيضاً في بناء نفوسٍ قُهرت لعقود، في إعادة الكرامة إلى شعب جُرد منها، وفي صنع سوريا جديدة تحمل الأمان والحرية لكل أبنائها.قد تكون الطريق طويلة وشاقة، لكنها ليست مستحيلة. كما أن الألم وحد السوريين في مأساتهم، فإن الأمل يمكن أن يوحدهم في نهضتهم. السوري الذي أثبت قدرته على البقاء رغم الطغيان، قادرٌ اليوم على أن يحمل معول البناء بدلاً من السلاح، أن يبني وطناً يُحترم فيه الإنسان ويعيش فيه بكرامة، وطناً لا يعرف السجان ولا القيود ولا الخوف.هذا هو السوري يحيا من أجل حلم مشترك. الحلم بوطنٍ يحتضن الجميع، وطنٍ يليق بأبنائه، وطنٍ يحمل في طياته الأمان والكرامة، ليكون غداً واعداً لكل من أحب سوريا وأراد لها الحياة.

المشـاهدات 73   تاريخ الإضافـة 17/12/2024   رقم المحتوى 57122
أضف تقييـم