تصاحب حالة الفوضى التي تعم بعض الدول بعد سقوط انظمتها السياسية موجة كبيرة من الاشاعات يهرع لاطلاقها النظام الجديد ليثبت لانصاره وبيئته المؤيدة له مدى الانحدار الاخلاقي للنظام القديم ومدى ترفه على حساب تعاستهم وبؤس فقرائهم. وليتمكن النظام الجديد بهذه الشائعات من تشويه تاريخ الطبقة القديمة للحكم بحكايات رخيصة لا قيمة لها,يمكن ان تنطلي  بسهولة حتى على غير السذج من البيئة المؤيده له,اذ ستكون هذه البيئة بمثل هكذا ضرف على استعداد عالي لتقبل اي قصص تستهدف الحط من مكانة النظام القديم ,وتصبح تواقه للتشفي منه بتصديقها هذه القصص وتضخيمها حتى لو كانت متيقنة بأنها من نسج الخيال, وتكون الاشاعات التي تهدف لالصاق حالة الانحدار الاخلاقي بالطبقة القديمة للحكم متلازمة مع ما تحاول الطبقة الجديدة الصاقه بالطبقة القديمة من جرائم القتل والفساد الاداري وسرقة المال العام والتهميش الدائم والاقصاء المتعمد والعداء القومي والاختلاف العقائدي والديني والطائفي. عندما حدث انقلاب 14 تموزعام 1958م ضد النظام الملكي في العراق لم تطل الى العيان مشاهد التعذيب ووسائل التنكيل بالانسان التي نجدها اليوم على الفضائيات المؤيدة لرحيل هذا النظام السياسي او ذاك ,لكن  الاشاعات التي اطلقها الانقلابيون آنذاك تحدثت عن سرقات العهد الملكي(كما هو مضمون الاشاعات) وترفه على حساب فقر الشعب وبؤسه ,واخذوا بمحاولة التشهير بالنظام الملكي فعرضوا ممتلكات العائلة المالكة على تواضعها  في الساحة الامامية لقصر الملك فيصل الثاني(رحمه الله),التي شهدت جريمة ابادة العائلة المالكة على يد الانقلابيين ,فتسربت تلك الممتلكات الى بيوت ضباط الانقلاب وجنوده التي كان يتغنى الشارع بنزاهتم ونبلهم, وحاول الانقلابيون بعرضهم المتعمد لممتلكات العائلة المالكة الشخصية توجيه رسالة لبئيتهم المؤيدة لهم مفادها ان النظام  الملكي كان يتعمد افقارهم فيما هو يتنعم بحياة الرفاهية, لكن عبد الكريم قاسم قائد الانقلاب لم يكتفي بذلك فعمد الى التسقيط الاخلاقي  للطبقة القديمة  في الحكم فاطلق اشاعات تتهم الامير عبد الاله بالسلوك اللوطي الشاذ,فيماعمدت اشاعات اخرى لاضهار الباشا نوري السعيد بالسكير المعربد, وبررت اشاعات اطلقت في الايام التالية للانقلاب  قتل صباح نوري باشا السعيد من قبل نقطة للانقلابيين وصل اليها في الصباح التالي لمقتل  والده الباشا السعيد للمطالبة بجثة والده,وقال افرادها انه كان مخمورا وحاول مهاجمة النقطة باشهاره مسدسا ضد افرادها فأضطروا لقتله للدفاع عن انفسهم ؟؟,والادهى من ذلك كله ان ماكنة  الاشاعة  للزعيم الاوحد محبوب الجماهير!!! روجت ان رجال ثورة 14 تموز اكتشفوا ان الباشا نوري السعيد  لم يكن (يتشطف) بيديه (وكان هذا الاكتشاف الكبيرعلى درجة من الاهمية وقتها) إذ ان الانقلابيون باكتشافهم الفريد المذهل هذا, زعموا انهم وجدوا شطافة الية انكليزية الصنع في بيت الباشا عند اقتحامهم له, تقوم بأجراء عملية تشطيف الباشا دون ان تتسخ يديه. فأخذ هذا النوع  من الاشاعات سواء الموضوعة منها مسبقا لخدمة اغراض الانقلابيين اوالنابعة من المشاعرالمتأججة للجماهير مساحة كبيرة من احاديث الناس التي كانت تتمحور وتنصب آنذاك في ذم النظام الملكي في العراق خلال الايام الاولى لسقوطه على يد انقلابيي تموز. و لم تتردد فضائيات الدول الصهيوخليجية على تصوير جرائم القذافي بعد مقتله عام 2011م, بكونها ابشع الجرائم بحق الانسانية,وانها جرائم لم يسبق لها مثيل في التاريخ الانساني,وفي الوقت الذي تلقت جماهيرالناتو الليبية ما تطرحه هذه الفضائيات بنهم شديد,اطلقت العنان لخيالاتها فأصبح القذافي بحسب اشاعاتها مغتصبا للقاصرات,وذا ولع شديد بالغلمان متشبها(بحسب هذه الاشاعات) ببعض السلاطين واولادهم الذين اشتهروا بسلوكياتهم الجنسية الشاذة في التاريخ الاسلامي. وللتنظيمات الارهابية سجلها الحافل مع اطلاق الاشاعات التسقيطية  ضد اعدائها من حكومات شرعية او تنظيمات ارهابية مناوئة لها,فعندما سيطر تنظيم داعش الارهابي عام 2014م على مدينة الموصل,اعلن انه وجد(بحسب مزاعم التنظيم الارهابي) مائة امرأة معتقلة بحالة عارية في سجن سري يقع في مطار الموصل بمنطقة الغزلاني,فكان لهذه الاشاعة وقع كبير في مدينة يتوزع على جغرافية ارضها عدد من الانبياء والاولياء الصالحين,فتناقلت الالسن وقتها الاحاديث عن حقد الشيعة القديم ضد اهل السنة والجماعة و مؤامرات المالكي الطويرجاوي الرافضي الصفوي ضد اهل مدينة الموصل العمرية العثمانية,لكن احدا من اهل المدينة  (ولربما فعل ذلك قلة منهم) لم يُحكّمْ عقله قليلا فيتسائل ان كان ما اشاعه هذا التنظيم الارهابي  غير حقيقيا او غير واقعيا او كونه لا يمكن ان يحدث على الارض بشكل قطعي ؟؟؟. وفي مثل هذه الضروف التي تعيشها سورية اليوم  بسقوط نظام حكم الرئيس بشارالاسد,ضروف سقوط الحاكم الظالم (كما يزعم المنتصرون )وصعود المحكوم المظلوم الى السلطة,ضهرت الكثير من مقاطع الفديو والصور التي تمثل معتقلات نظام الاسد وطرق التعذيب التي كانت تمارس فيها,فيما مثلت مقاطع اخرى وصورمغيبين في السجون قاموا بسرد القصص المروعة عن معاناتهم داخل هذه السجون,ورجال قضوا عشرات السنين داخل السجون,وضهرت نسوة مع اطفالهن في السجون يدعين ان هؤلاء الاطفال ابنائهن من رجال امن النظام ومخابراته, فيما قام ثوار متحمسون بنشرصورة مشهورة لسجينة بمتحف فيتنام في مواقع التواصل الاجتماعي ونسبوها  لسجن صيدنايا ,امعانا منهم في توجيه تهم قتل المعتقلين اوالتنكيل بهم وتعذيبهم للطبقة القديمة في الحكم,ومع ان بعض من هذه القصص لا يمكننا انكاره او تبريره لكن الذي لا شك فيه ان المزارع(الحاكم الجديد) في مثل هذا الوضع,قد اصبح ذا تربة خصبة لزراعة مثل هذه الاشاعات,فتسنى له زراعة حاصله وجنيه بسرعة فائقة, فنجح (الحاكم الجديد) (الحاذق بطرق بث الشائعات المنتقم المنتصر لقضية الفقراء مظلومي الحاكم القديم) في استعطاف انصاره المظلومين الحانقين, فكسب مشاعرهم وانتقم  من النظام القديم الذي اصبح اخرسا ليس ذا صوت يدافع عن نفسه به,او وسيلة يُكذب بها بعض تلك الاشاعات,او حتى يبرر البعض الاخر مما يتهم به , وبالتالي اصبح كل ما يقوله الحاكم الجديد قرآنا منزلا حتى لو كان كل ما يقوله كذبا واضحا ملفقا,وحتى لو رآى الناس ان الشيطان يتلو او يرتل او يُجوّد تلك الاكاذيب.لست مدافعا عن احد لكنها الحقيقة.