النـص :
(قراءة في كتاب الحرب للكاتب الامريكي، بوب وود ورد سياسات القوى العظمى تظل هناك في القنوات الخلفية) ان القوى العظمى او الدول العظمى ترسم سياستها الأنية في الذي يخص مجالاتها الحيوية او هكذا هي تضع كل سياساتها الخارجية المدعومة بالقوة العسكرية والاقتصادية والاعلامية والثقافية في ايجاد مجالات حيوية لها في كل بقاع المعمورة؛ تحت اغطية مهلهلة من قبيل الدفاع عن حقوق الانسان وعن اقامة الديمقراطيات في دول العالم الثالث وحتى في الدول متوسطة القوة وفي كل الحقول. في كل هذه السياسات وما يصاحبها او ما يدعمها من غزو الدول المستهدفة؛ تكون شعوب تلك الدول هي الضحية وليست هي هدف التغير الديمقراطي او ما شابه ذلك من اغطية لا تحجب عين الحقيقة عن بصائر العقول المبصرة. العالم ومنذ عقدين من الآن يمور بتحولات وتغييرات دراماتيكية، فيها الكثير من الاجرام بحق الشعوب وبالذات شعوب العالم الثالث، وفي الصدارة الشعوب العربية والاوطان العربية. إنما؛ قد اشتد اوارها في العقد الأخير وبالذات في منطقتنا العربية وقبل ثلاث سنوات في جناح اوروبا الذي يرسم خط الحدود مع روسيا؛ حيث تدور معارك طاحنة بين روسيا واوكرانيا او بين روسيا وامريكا على الارض الاوكرانية وبدماء الشعب الاوكراني الذي واجه، باللحم والدم ألة الحرب الروسية الجهنمية الغازية. ان الشعوب في اكثر الاحيان او في اكثر ما تتعرض له من حروب وصراعات، لم يكن بقرار منها او ان اصحاب القرار فيها قد اخذوا رأيها قبل الاقدام على اية مغامرة غير محسوبة؛ سواء بالاصطفاف مع قوى عظمى بالضد من قوى عظمى اخرى، من دون ان تكون لها مصلحة في هذا الاصطفاف او انها في حينها تكون تضحيتها لصالح مصالح هذه القوى العظمى او اخرى غيرها، او الدخول في حرب غير متكافئة، تكون خسارتها فيها محسومة سلفا. في كتاب الحرب للكاتب او الصحفي الامريكي الشهير والمعروف، بوب وود ورد؛ الكاتب يتناول في كتاب الحرب هذا؛ الحرب الروسية الاوكرانية في ظل أدارة بايدن الديمقراطية، وملفات المخابرات المركزية الامريكية عن هذه الحرب سواء حين وقع الغزو الروسي لأوكرانيا او حتى قبل بدء هذا الغزو؛ بتحليل واسع وعميق، إنما غير حيادي او ان هذا التحليل يجانب في اكثر من مكان الحقيقة وواقع الاحداث ودوافها الاساسية؛ من قبيل دوافع روسيا للغزو وما يتصل به من مخاطر قد تكون كارثية اذا ما انزلقت هذه الحرب عن المسار المسيطر عليه، اي الدخول في مواجهة نووية بين اعظم قوتين نوويتين على وجه الارض. وتغافل تماما عن دوافع امريكا وحلف الناتو، اللذان اججا الصراع مع روسيا، بمقاصد عدوانية لها اهداف مدمرة لوجود روسيا كدولة عظمى او هكذا يرى قادتها دولتهم. أما من الجانب الثاني فالكاتب في كتاب الحرب؛ يبرز حقيقة واضحة وناصعة لكل متابع لما يجري من صراع وحرب بين روسيا واوكرانيا او بين روسيا وامريكا؛ دكتاتورية بوتين، والاختراقات المخابراتية الامريكية؛ لنظام الحكم في روسيا، والحقيقة الأخرى ان الرئيس بوتين منفرد في اتخاذ القرارات ومنها؛ قرار الغزو اي غزو اوكرانيا واحتلالها، حتى من دون علم اقرب المقريين من بوتين من جنرالات ومن مراكز صنع القرارات والسياسات. قبل اشهر من الغزو الروسي، قامت المخابرات المركزية الامريكية في تقديم تقرير مخابراتي الى الرئيس الامريكي والى مستشار الامن القومي الامريكي؛ ان روسيا بوتين، في طور الاعداد لغزو اوكرانيا واحتلالها وقطع رأس النظام فيها. لم يقتنع الرئيس الامريكي في البداية لكنه اخيرا وبوجود دلائل واضحة كل الوضوح يقتنع تماما، بما قدمته له مخابراته. الامر اللافت للانتباه بالقراءة والفحص للكتاب؛ هو ما ورده الكاتب في كتاب الحرب؛ من تأكيد المخابرات بان معلوماتها ليست من الاقمار الصناعية، او من كل ادوات المراقبة المخابراتية الأخرى؛ بل من العنصر البشري اي من الدائرة الضيقة جدا، في الكرملين. يدور حوار او حوارات عميقة وواسعة بين الرئيس الامريكي وبين كل الدوائر الأخرى ذات العلاقة؛ الامن القومي الامريكي، البنتاغون، البيت الابيض، الخارجية الامريكية، مجتمع خبراء الدراسات الاستراتيجية؛ حول كيفية ايصال رسالة الى الكرملين والى بوتين تحديدا؛ من ان امريكا تعرف نواياه في غزو اوكرانيا، وانها سوف تواجه هذا الغزو بقوة غير مسبوقة، وان روسيا لسوف تدفع اثمان باهظة؛ من دون اثارة الشبهات حول العناصر البشرية من الحلقة المحيطة والضيقة جدا ببوتين. لكنهم في النهاية يتوصلون الى طريقة في ايصال هذه الرسالة الى بوتين من دون اثارة اية شكوك لدى بوتين. يبذل المسؤولون الامريكيون جهودا كبيرة في ثني بوتين عن القيام بغزو اوكرانيا، حسب ما اورده الكاتب في كتابه هذا، لكن كل جهودهم هذه تذهب ادراج الرياح، اذ تقوم روسيا بغزو اوكرانيا. تصل في ظرف قياسي القوات الغازية الى مشارف كييف، لكنها تواجه مقاومة شرسة من قبل الاوكرانيون. هذا من جانب ومن الجانب الثاني تخسر القوات الروسية الكثير من قدراتها سواء بالسلاح او بالجنود؛ بسبب المفاجأة اي الامر المفاجىء الى القادة العسكريين من دون اعداد الخطط لهجوم كبير بهذا المستوى. السبب هو الدكتاتورية والانفراد بقرار الحرب وعدم طرحه للنقاش في دائرة واسعة؛ مما جعل القيادات العسكرية تتقدم كما الاعمى على الارض. من وجهة نظر كاتب هذه السطور المتواضعة؛ ان هذا السبب صحيح تماما؛ فالكثير من الكوارث تصنعها القرارات المنفردة للدكتاتوريات وفي المقدمة منها، الدكتاتوريات العربية؛ على سبيل المثال لا حصر، ما كان للعراق ان يقوم بغزو الكويت لو ان رأس النظام لم يكن دكتاتوريا؛ وتم طرح هذه العملية اي غزو الكويت للنقاش في دائرة واسعة، يشترك فيها خبراء الجيش والسياسة والمسؤولون في الخط الاول، وتم دراسة هذه الخطوة الكارثية، دراسة واسعة ومستفيضة، وقراءة كل المتغيرات الدولية والإقليمية، بما ينتج عنها من تداعيات دولية واقليمية وعربية؛ لما اقدم العراق عليها، ولتجنب الكارثة التي حلت على الوطن من حصار وقرارات دولية امريكية غير مسبوقة في كل تاريخ البشرية، ومن ثم احتلال امريكي بغيض ومجرم ومدمر. الكاتب في كتاب الحرب، موضوع هذه القراءة؛ يتناول بالتحليل الواسع والعميق؛ الحرب الروسية الاوكرانية. الغزو الروسي لأوكرانيا، شكل وجع للإدارة الامريكية الديمقراطية؛ بسبب تداعياتها اذا ما سمح لروسيا بوتين ان تحقق كل ما كان يريد تحقيقه الرئيس الروسي من هذه الحرب او الغزو الروسي لأوكرانيا، وتأثير ذلك الانتصار اذا ما حققه بوتين او روسيا بوتين على اوروبا وبالذات على دول البلطيق وبولندا. كما ان نتائج هذه الحرب حين تكون لصالح روسيا لسوف تؤثر على علاقة الصين مع تايوان، او ان النجاح الروسي سوف يدفع القيادة الصينية على ابتلاع تايوان في وقت لاحق، أما الاخفاق وهزيمة روسيا اي عدم تحقيق روسيا لأهدافها من هذا الغزو؛ سوف يعزز ثقة اوروبا بالحليف الامريكي كما انه من الناحية الثانية؛ سوف يساهم الفشل الروسي في التأثيرات الكلية على صانع القرار والسياسة في بكين. لذا حشدت امريكا كل امكانياتها سواء الاقتصادية والتسليحية والمخابراتية والاعلامية في مواجهة روسيا. إنما كان هناك في مجلسي النواب والشيوخ من الجمهورين من يعارض امداد اوكرانيا ماليا وتسليحيا، وبالذات جناح ترامب في المجلسين. يبذل الرئيس الامريكي كل جهوده من اجل تمرير حزم المساعدات المالية والامداد التسليحي للجيش الاوكراني. في النهاية ينجح الرئيس الامريكي في تقديم تقريبا كل ما تحتاجه اوكرانيا من سلاح بما فيها الصواريخ بعيدة المدى، وطائرات الف 16 ودبابات برامز. ويتمكن ايضا من دفع المانيا التي كانت مترددة جدا في تجهيز اوكرانيا بالسلاح الألماني، وبالذات الدبابات لكنها في نهاية ترضخ للضغط الامريكي. كان هاجس امريكا الذي قض مضجعها هو الانتصار الروسي؛ لأنه حسب رؤيتها وهي رؤية صحيحة تماما؛ ان تحقيق بوتين او روسيا بوتين كما ورد في كتاب الحرب لبوب ورد وورد؛ سيؤثر على ثقل ووزن الغرب في التوازن الدولي والذي هو حتى الآن لصالح الغرب؛ الانتصار الروسي فلسوف يقلب هذا التوازن رأسا على عقب. في مجتمع الاستخبارات الامريكية وفي مجتمع الخبراء وفي البيت الابيض وفي بقية مؤسسات صنع القرارات الامريكية؛ ان الحاق هزيمة بروسيا سوف يدفع بوتين الى الرد العنيف جدا، بالاستناد الى شخصية بوتين القيصرية، اما التهاون او التردد في دعم اوكرانيا سوف يقود الى هزيمة اوكرانيا وبالتالي الى ان تحقق روسيا كل ما خططت له، وتداعيات هذا النجاح على امريكا وعلى الناتو وحلفائها الاوروبيين. لكن وفي كل الاحوال يجب دعم اوكرانيا حتى تكون لها القدرة الكاملة في الدفاع عن نفسها. يؤكد الرئيس الامريكي وطاقم أدارته على استمرار الدعم سواء الامريكي او الغربي لأوكرانيا. في كل هذا المخاض تدور نقاشات وحوارات تستمر لساعات في دوائر صنع السياسات والقرارات الامريكية؛ في البيت البيض، ووزارة الدفاع، والمخابرات، والخارجية، والمستشارين والخبراء؛ عن اي الخطوات الأكثر نجاعة وقوة في دعم واسناد اوكرانيا. وانت تقرأ هذا الكتاب؛ تستحضر في خيالك على الرغم منك؛ طبيعة اتخاذ القرارات في الانظمة العربية، والوقت الذي تمضيه هذه الانظمة في اتخاذ هذه القرارات او القرار وفي اكثر الاحيان تكون قرارات ذات تأثيرات حاسمة ومصيرية على الاوطان العربية وعلى الشعوب العربية؛ ومن دون مناقشات عميقة في دوائر واسعة من التي لها صلة بهذا القرار او ذلك القرار، ومن دون اشتراك خبراء الرأي والمستشارين، في ظل غياب محاسبة الشعب للرؤساء الذين يحكمونه بطوق من حديد ونار وسجون وتعذيب لكل من يصرخ بلسانه بالرفض لهذه السياسة الارتجالية. لماذا؟ بفعل الغياب التام والكامل للديمقراطية والحرية، ومؤسساتها، اقصد المؤسسات الديمقراطية التي يفترض ان يكون لها قوة في اتخاذ القرار وقوة في تنفيذه. امريكا دولة ديمقراطية في الداخل منها، ولو انها ديمقراطية رأسمالية، لكنها تظل ديمقراطية حقيقية. لكن هذا لا يلغي انها دولة امبريالية مستبدة وطاغية وغازية ومتغولة على دول العالم سواء دول العالم الثالث او حتى الدول الكبرى والأخيرة بطريقة متناسبة لها، اي للدول الكبرى المستهدفة من امريكا. تحقق القوات الاوكرانية انتصارا واضحا على القوات الروسية؛ اذ، تخسر روسيا مقاطعة كاملة كانت قد احتلتها في بداية الغزو، وتتحول الى المواقع الدفاعية. في نشوة هذا التحول في مجريات الحرب لصالح اوكرانيا، الذي اصاب الإدارة الامريكية؛ يخبر الرئيس الامريكي لمستشاريه:- لا تدفع بالرجل (يقصد بوتين) الى الزاوية بحيث يكون طريقه الوحيد للخروج هو عبرك. يجب ان تمنحه طريقا اخر للخروج. إلا ان هذا الانتصار كان وقتيا، فقد تمكن الجيش الروسي لاحقا بعد اشهر، وبعد فشل الجانب الاوكراني في الهجوم الثاني الذي تم الاعداد له لعدة اشهر، فقد تحول الجيش الروسي الى الهجوم، واحتلال المزيد من اراضي اوكرانيا. يؤكد الكاتب في كتابه هذا، بالاعتماد على اقوال وأراء المسؤولون الامريكيون؛ ان الحرب في اوكرانيا سوف تلحق ضررا كبيرا في الاقتصاد الروسي، ولو حاليا لم يظهر على السطح هذا الضرر، لكنه على الامد البعيد لسوف يكون ظهوره واضحا ومؤثرا على روسيا. ان الفحص والتدقيق في مثل هذه الطروحات؛ تقود الى ان الحرب في روسيا ربما كبيرة جدا، لم تنته في القريب العاجل ولا يوجد اية علامة على قرب هذه النهاية. ترامب المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الامريكية، يقول او يؤكد من انه؛ سوف يضع نهاية لهذه الحرب حين يكون رئيسا. اثناء كتابة هذه القراءة لكتاب الحرب؛ اكد ترامب مرة اخرى، وهو الآن الرئيس الامريكي المنتخب؛ من انه سوف ينهي هذه الحرب. ان امريكا العميقة، لن تسمح له في اتخاذ اجراءات تقود الى نهاية هذه الحرب، بإعطاء روسيا بوتين كل ما تريد، من غزوها واحتلالها لأراضي اوكرانيا. روسيا بوتين اكدت وعلى لسان الرئيس الروسي ذاته، ولأكثر من مرة من انها لا تجلس على طاولة التفاوض إلا حين يتم الأخذ في الاعتبار الحقائق على الارض، أي ان لا تشمل المفاوضات المقاطعات الخمس التي ضمتها روسيا لها باستفتاء رسمي ومعلن، واصبحت اراضي روسية حسب القانون الروسي. من المحتمل ان يتم كبح جماح ترامب من قبل امريكا العميقة، هذا من جانب اما من الجانب الثاني، حين يصر على انهاء حرب اوكرانيا، طبقا للشروط الروسية، وهو امر وارد جدا؛ عندها وفي ذلك الوقت يكون امام امريكا العميقة؛ احتمالين اما تصفية ترامب جسديا او خلق ذريعة وحتما تكون ذريعة قانونية لعزله، (حسب ما اكد على ذلك المفكر الروسي الأكسندر نازاروف في مقابلة له مؤخرا في صحيفة القدس العربي.) انتهى تأكيد الفكر الروسي. لماذا؟ لأن الحرب في اوكرانيا هي حرب مصيرية لكلا الدولتين النوويتين اللتان تمتلكان اكثر من 90% من السلاح النووي في العالم. لأن الانتصار الروسي فيها أي تحقيق روسيا كل اهدافها من غزوها لأوكرانيا، هذا اولا وثانيا والاهم هنا والاخطر؛ هو تحفيز الصين بالعمل على اخضاع تايوان لسيطرتها، وثالثا، هو اقتراب المحور الروسي الصيني من اهدافهما المعلنة في السعي لتشكيل عالم متعدد الاقطاب، ورابعا، هو تراجع السطوة الامريكية على العالم، وفقدان ثقة الحليف الاوروبي بها. في الختام اقول ان العالم مقبل على تحولات وتغييرات كبيرة جدا، وواسعة ولها تأثيراتها على دول العالم الثالث وفي اول هذه الدول؛ الاوطان العربية وشعوب العرب. ملاحظة يفترض قولها في قراءة كتاب الحرب هذا، لبوب وود ورد؛ القنوات الخلفية هي التي تصنع الاحداث وكل تطوراتها. أما ما هو ظاهر في الاعلام؛ ما هو ألا كذب وخداع الشعوب المستهدفة من كل هذه الاحداث وتدافعها وتزاحمها في الساحات العربية والاقليمية والدولية.
|