الأربعاء 2025/2/5 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 15.95 مئويـة
نيوز بار
الواقعي والميتاواقعي
الواقعي والميتاواقعي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. سمير الخليل
النـص :

 

 

 

تتجلّى جمالية رواية (خازن المقبرة) للروائي (عبد الرضا صالح محمد) في كونها تخلق موازنة وتناغماً إبداعياً بين البناء الفني وبين المحتوى الفكري، وصناعة توليفة بين المضمون والشكل الجمالي بعبارة أخرى، إذ جاءت المزاوجة بين الحدث الواقعي والحدث الميتاواقعي (ما وراء الواقع)، وبين الحقيقة والمتخيل السردي للتعبير أساساً عن مأزوميّة الواقع والتباسه وغموضه وعدميته، وقد جاءت ثنائية الحقيقة والتجلّيات الفانتازيّة (بصيغة السرد العجائبي والغرائبي) للإشتباك مع متاهة وتعقيدات ما جرى في الواقع ببعده الإجتماعي والإنساني والتاريخي، وتبدو هذه المغامرة على مستوى البناء الفني هي قصدية من لدن الكاتب لتجنّب المحمول الواقعي المحض أو أسلوب التقديم التعبوي والتاريخي والتقريرية التي تحيل العمل إلى مجرد خطاب مباشر خالٍ من أي لمحات أو ظواهر فنيّة وجماليّة.

ويحيلنا هذا الاشتغال إلى نوع من التماهي أو التنافذ بين الفضاء النصيّ (السردي) وبين أزمات الإحتدام والقلق الوجودي، والعدمية التي تتحكم بالواقع وتحوّلها إلى شفرات وإشارات وإحالات إيحائية وتأويلية، وفي ضوء هذه المعطيات كان التمركز حول (السرد اللّولبي) أهم صفة أو خصيصة لهذه الرواية والإبتعاد عن السرد الخطي أو التراتبية التقليدية فبوصلة السرد كانت تتحرك بعدّة اتجاهات، وتتداخل فيها الشخصيّات والأزمنة والأحداث ممّا يحيل إلى نوع من التعقيد القصدي، وخلق متاهة للبحث عن الحقيقة عبر هذا التكوين الذي يجمع المتناقضات الدالّة، ويضفي على العمل نوعاً من الفانتازيا واللاّمعقول، والغرائبية التي تحيل إلى الواقع ذاته ومضمونه ووقائعه السيريالية، والمزج بين الحدث الواقعي والعالم الأخروي من خلال ثنائية (الحياة والمقبرة) التي تشكلت من خلالها ثنائيات متشظية هي (الحلم والكابوس)، و(الماضي والحاضر)، و(الواقع والحرب)، و(المرأة والرجل)، و(صراع الأجيال)، و(المعنى والدلالة)، و(الحقيقة والرمز)، و(الواقعي والميتاواقعي)، و(الوطن والمنفى)، و(الوجود والعدم)، و(المعلوم والمجهول)، و(الموت والحياة)، و(المقدمات والنتائج)، و(العلّة والمعلول)، وكل هذه الثنائيات تأطرّت بمتن حكائي متداخل يمزج الواقع بتجلّيات السرد الميتاواقعي واستثمار العجائبي والغرائبي لتعميق الرؤية الفلسفية للعمل، وتعميق متعة البحث عن الحقيقة، فضلاً عن سعي الرواية للتوثيق والرصد التاريخي لمراحل مفصليّة معقّدة، والإشتباك مع تجسيد الإستبداد والقمع والمطاردة والحروب، والاحتلال وهوس السلطة المؤدلجة، ومحاولة محو فردانية الإنسان وقيمته، وصراع الأمكنة بصيغة (الهامش والمركز) (العمارة وبغداد) (العراق وبلدان المهجر) وصراع (العلم والخرافة) و(الخارج والداخل)، وهذا المحمول الفكري والدلالي، يحتاج إلى بنية أو توليفة متعدّدة المستويات على مستوى توظيف الظواهر الفنية للتعبير عن هذه الإشكاليات المرجعية لواقع ملتبس وكابوسي، وتبعاً لهذا التداخل العميق يصبح للرواية قراءتان متوازيتان قراءة البنية الجمالية المتشابكة والتي تحيل إلى قراءة الواقع المعقّد والمتشابك، ولذا لم تبدأ الرواية من نقطة البداية الواقعية المفترضة بل اختارت عدّة بدايات، وبدأت من نقطة العود الدائري للحدث، ومن ذروة ونهايات الحدث باتّجاه أبعاد زمنية وأحداث متداخلة ومتشابكة وذلك إيحاء لضبابية المرحلة وعتمتها وتعقيداتها التي تتصدّى لها الرواية، وغرائبية اشتغالها التي تجسّدت منذ البدء بسيميائية العنوان عبر الربط بين الخازن والمقبرة وتحرّك الأموات لإنقاذ الأحياء على شكل توليفة فانتازيّة.

تتمركز الرواية حول ثيمة مركزيّة تجسّد ما تعرض له العراق من ظاهرة استهداف العلماء والكفاءات العلميّة وتصفيتهم وملاحقتهم لجعل البلد خالياً من المنجز العلمي ومظاهر التحضّر وإعادته إلى البدائية والإحتراب والخرافة والمشاعية الرثّة.

 

المشـاهدات 53   تاريخ الإضافـة 05/01/2025   رقم المحتوى 57805
أضف تقييـم