صدر عن دائرة الثقافة والفنون في الشارقة العنف والفوضى المنظمة في مسرح شكسبير جديد ((د. فاضل سوداني)) |
مسرح |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص :
يدفعنا منهج البحث في كتاب العنف والفوضى المنظمة في مسرح شكسبير الى تحليل ودراسة الموضوعات والجوانب الإنسانية التي عالجها شكسبيرفي مسرحه برؤية نقدية تحليلة سميائية ــ بصرية (حسب رؤيتنا للتبصر الشكسبيري )متيقنين بأنه مسرح حمل مستقبله وصوره وأحداثه العنيفة بين سطوره والتي إجتازت الزمن وفي ذات الوقت فإن المسرح الشكسبيري بمجمله هو القادر أيضا ًعلى تشخيص الكثير من جوانب مستقبل الإنسان الغامضة من هذا المنطلق فإن هذه الرؤيا تحتاج الى بصيرة بحثية قادرة على الكشف عن الأبعاد الخفية في الذات الإنسانية التي عالجها شكسبير، ولهذا سنحاول تحليل مسرح شكسبير انطلاقاً من الجوانب المهمة في التحليل البصري الذي نفترضه للنص والعرض المسرحي كرؤيا بصرية والتي هي ضمن مفهومنا النقدي مثل: ــ الســـقطة و الشعور بالكآبة ــ السقطة من أجل تكامل ذات البطل التراجيدي . ــ القناع و المرآة المرائية. ــ الأسلبة و الاختزال في الحدث وذات البطل . ــ شيزوفرينيا الذات في أنثى الأنثى. ــ الأيمان المطلق بخراب الوجود. ــ العبث أو التغريب . ــ الغروتسك الشكسبيري المتفرد. ــ العنف وهستيريا الروح . ــ التأويل المضاعف أو تأويل التاويل . فالسقطة بمعنى المفارقة الملتبسة والغامضة التي تفاجئ وتغري البطل وتشوش عقله وتحوله إلى كائن مهووس لتحقيق سقطته حتى نهايتها (أو تكامله الذاتي ) بعد أن تتلبسه الأوهام فيظل مأخوذاً بالنبوءات ومدفوعاً بالقدرة السحرية لتعاويذ رسل الإنتقام أو ملائكة الرحمة ، أو مدفوعاً بأوهامه وطموحاته الشريرة أو قراراته التي تبدو أبدية أو تردده الوجودي في إتخاذ أي قرار. فتتحقق سقطة البطل لتتحول إلى لعنة نهائية تشله تماما ، فيلتبس عليه الكون والعالم المحيط ومن ثم يسقط في التيه وكأنه ذبيحة مدنسة ، لكنه بهذا تتكامل ذاته . والسقطة ليست قدرية وإنما تفرضها الظروف الذاتية والنفسية للبطل التي تدفعه الى الشعور بتحقيق الذات والتي تهيئها الظروف المحيطة به .ومن الضروري ألا نفهم السقطة كونها سقوط سلبي مفاجئ ومفروض وإنما أحيانا يضطر البطل لممارستها من أجل أن يحقق تكامله التراجيدي والبطولي ، إذن هي قدرة البطل على تحمل مسؤولية إختياره الذاتي والوجودي من أجل تحقيق وتكامل ذاته . اي أنها ليست (سقوط ) بالمفهوم الأخلاقي المتعارف عليه وإنما هي سقطة تحقق وتكشف الجوهر الحقيقي للذات، فتتجلى على حقيقتها .. إنها السقطة التراجيدية ــ الوجودية التي تقلق الذات وتخلق خلخلة في روح البطل والبناء الإجتماعي الذي ينتمي إليه عموما في فترة زمنية محددة بحيث توقف ديناميكية التطور .. وما يسود بعد ذلك هوالصمت الاستثنائي الذي يُخرس البطل أو الصراع النهائي حتى الرمق الأخير او البحث عن حصان النجاة الذي لا يمكن للبطل أن يعثر عليه كما هو الحال مع مصير ريتشارد الثالث ورغبته في مقايضة مملكته بحصان الهروب . فالسقطة ليست الفعل أو النتيجة وإنما هي السلوك والممارسة لماقبل الفعل أي تلك الأسباب التي أدت لذلك ، أو هي تلك المسببات وما يعتمل في داخل البطل . وبالتأكيد فإن هذا ينطبق على نوع معين من الأبطال والأحداث . وتكون السقطة أيضا ما بعد الفعل عندما تكون هناك ظروف إستثنائية أخرى أي تكون السقطة هي النتيجة التي ختمت الفعل التدميري للبطل وجعلت منه أما ذاتاً كاملةً أو تحوله الى عدم ،الى شئ ككل الأشياء الساكنة في الوجود، أي يكون ذاتاً ناقصةً وجاهلةً بإختيارها ووجودها الذاتي هي ، أو أننا نراه محلقا تتلاطمه عاصفة هوجاء مجنونة لتقذفه في جحيم سوء الفهم وعنف الفوضى المنظمة. أن الســـقطة والوعي بها في مكبث يؤدي الى : تأنيب الضمير والى الكآبة وهذه تؤدي الى الخوف الوجودي ،والإحساس بالخوف يجعل الكئيب في حالة من الدفاع عن نفسه وعن ما يملكه أي عن طموحه لذا فإن ما يعالج الخوف هو إستخدام سلاح العنف الذي يؤدي الى تدمير العدو المفترض ،المتخيل أي الآخر. وكلما إزداد الشعور بالكآبة إزداد الخوف والفوضى المنظمة ،وكنتيجة ستزداد الرغبة في قتل الآخر . وكل هذا سيؤدي الى تحقيق ذات البطل الداخلية حسب مفهوم السقطة الوجودية الواعية *. أن يسقط البطل يعني يُظهرذاته الداخلية الحقيقية أومرآته المرائية،فالسقطة هنا تجبره على أن يظهرأمامنا بشاعته وحقيقته وعنفه ودواخله المظلمة،أما بالنسبة له فكل هذا يعني قوته وذاته المخفية التي ستتحقق في تكاملها الأخلاقي ــ الوجودي أي أن هذا النوع من الأبطال لهم قانونهم الأخلاقي الخاص بهم والمختلف والذي يحققونه و يدافعون عنه أمام المجتمع برمته . اذن البطولة التراجيدية هي نضال قبل أو بعد سقطة ذاتية من أجل استعادة الوعي بالذات الداخلية وهذا ينطبق على جميع الابطال . والسقطة تجعل من البطل قادراً على إحتمال العيش في حياة معلقة على وتر فوق هاوية الوجود الهامشي وهو يعي العمق السحيق لهذه الهاوية ومع هذا فأنه مضطر أن يسير بسقوطه الى النهاية من أجل إبراز ذاته ، أي يسير الى السقطة التي تكشف عن ذاته الداخلية او قناعه الداخلي الذي كان مغلف بمظهر آخرغير ما كان يظهر عليه . إذن السقطة مرتبطة أيضا بالقناع والمظهرأو بالمرآة المرائية . وفي هذا الخصوص فإن مفاهيم الفيلسوف الدنماركي سورن كيركغارد حول إختيار وإستعادة الذات الضائعة معروفة وتمس مفهومنا في هذهالدراسة وسنشير الى ذلك أن يسقط البطل يعني ان يظهر ذاته او مرآته المرائية الداخلية المخفية ،فمن خلالهما تتظخم الحساسية السيكولوجية للذات في مختلف الأزمنة ، بما فيها زماننا الذي يأخذ فيه الخداع مظهر الرحمة ، والحقد والفساد يتقنعان بالفضيلة والزيف وسمسرة المشاعر والأفكار (فالمظهر قليلاً ما يتفق مع طوية القلب، بل أنه قد لا يتفق معها أبداً)، ويأسف شكسبير أحياناً لأن(الخداع يتخذ هذا المظهرالرحيم،ويستثير الحقد الدنس تحت قناع من الفضل) . ومن خلال إمكانية التلاعب وتبادل الأدوار هذه ، تتكشف أخطر أساليب ووسائل التدمير والخراب والتآكل الذي يعم حياة الإنسان ووجوده وماهيته بل الوجود كله ، مما تزيد اسباب الموت ، وينطبق هذا على الكثير من الأمم والشعوب في لحظة معاناتها من الأزمات والحروب ، وأيضاً عندما تكون سلطاتها غير شرعية. وإذا أمعنا النظر في كل هذا نستطيع أن نقول بأنه يشكل جانباً من العنف والفوضى المنظمة مما تفرض دراسته حسب مفهوم نقدي تحليل بصري ـ سميائي مبني على السقطة والقناع والمرآة المرائية بعيداً عن التحليل السايكولوجي الذي تحول الى كليشه لتحليل ابطال المرايا المرائية مثل ياجو وريتشارد الثالث ومكبث وليدي مكبث ولير وبولونيوس ويوليوس قيصر أو بروتس وغيرهم . إضافة الى التأكيد المنهجي حول أهمية تذوق الحياةكإحساس شعري ـ جمالي ، وهذا يمكن أن نجده لدى شكسبير ليس من ناحية الطاقة الشعرية في مسرحياته أو قصائده وإنما من ناحية الفكر الفلسفي والجمالي وتلك الأسئلة الأكثر أهمية والتي تناسب كل العصور مما يدفعنا لطرح السؤال التالي : هل يمكن أن نتذوق حياتنا المعاصرة من خلال تذوقنا للرؤى الشكسبيرية الشعرية والدرامية والفلسفية والفكرية؟؟ فإذا إستطعنا ذلك فإننا نفهم الأسباب والدوافع التي جعلت العروض الشكسبيرية تأخذ مكانة مهمة في ربتوارات المسارح العالمية في كل عام وبتكرار غير ممل . سيبقى تحليل وتفكيك النص المسرحي ـ الشعري الشكسبيري من قبل الناقد المعاصر قاصراً و غير مكتملاً إذا إعتمد الأساليب الأدبية فقط في تحليله أو تفكيكه . و بما أن النص المسرحي هو للعرض وليس للقراءة لذا فإنني متيقن بأن تاريخ المسرح هو تاريخ العرض المسرحي . ولكن هنالك بعض النصوص التي يمكن تحليلها كنص وكعرض في آن واحد (قبل أن تقدم على خشبة المسرح ) ما دامت تحمل في متنها بعدها البصري الذي يكشف وبسهولة عن فضاء العرض لأنها كُتبت بإسلوب وتكنيك ما ندعوه بالكتابة البصرية حتى وإن كانت نصوص كلاسيكية ،وكمثال على هذا يمكن أن نجده في نصوص المسرح الإغريقي والنصوص الشكسبيرية ونصوص المسرح الطليعي الفرنسي (مايسمى باللامعقول؟؟)وبعض النصوص المعاصرة. لذا فمن الضروري أن يُحلل مثل هذا النص كفضاء بصري و بأساليب النقد والتحليل البصري وليست بالأساليب الأدبية، بمعنى أن يتخلى الناقد عن الأساليب الأدبية ـ السايكولوجية الضيقة في تحليله للنص المكتوب الذي سيصبح جزءاً من الفضاء البصري ، ويعمد الناقد المتبصر أيضاً الى رؤية الإيقاع والحركة واللغة والفكرة والحدث والبعد الداخلي للشخصية والبطل ليس من الناحية السايكولوجية (كما إعتاد النقد ذلك)وإنما كرؤيا بصرية للاحداث التي تتجدد في فضاء له زمنه الخاص والذي هو الزمن الإبداعي أي زمن البعد الرابع وليس الواقعي وأيضا من ناحية مثيولوجية البطل الذي يمتزج عادة بمرجعياته التارخية والمثيولوجية .وفي هذا الوجود يُخلق البطل أيضاً من جديد ليس في فضاءه الواقعي وإنما فضاء العرض البصري الذي تتجسد ديناميكيته فيه عادة ً. الكائن البطولي هنا هو جسد له ككينونته ووجوده الديناميكي يُأثر ويتأثربعلاقته بالأشياء المحيطة به في فضاء الوجود البصري اي فضاء الفعل المسرحي الإبداعي. وهذا يعني أن نستخدم تأويل التأويل المستَنِد على مفهومنا حول الذاكرة الجسدية المطلقة وفضاء البعد الإبداعي الرابع وبالذات عندما تكون الأشياء والكائنات وهي في فضائها المسرحي الديناميكي البصري ، وهذا يتطلب منا أن نمتلك وعياً نقدياً بصرياً بحيث نرى النص وهو في تحولاته المكانية و الزمانية وفي الترددات الإيقاعية البصرية وتلك "الأشياء " التي تخلق وجودها في علاقتها بالجسد البطولي ــ في فضاء العرض البصري عموماَ ، أي في الرؤيا البصرية لفضاء العرض وليس فضاؤه على الورق ، وهذا يحتم أن يُكتب النص بأدوات الكتابة البصرية وليس الأدبية ، ونحن نفرق بين مؤلف النص الأدبي ومؤلف النص البصري .وهذا يوضح لنا الخطأ الأساسي الذي بدأ به المسرح العربي مثلاً عندما نقل الرواد النص المسرحي الأوربي التقليدي الى خشبة المسرح العربي ، مما دفع فنان المسرح العربي الإعتماد الكامل على تقنيات النص المسرحي الأدبي .وقد أثر هذا على المشاهدة فتحولت الى مشاهدة سلبية ، أي أن المتفرج وهو في صالة العرض لا يرى عرضاً مسرحياً وانما يسمع نصاً مسرحياً ما دام المؤلف قد كتب النص بالأدوات الأدبية ومادام الممثل والمخرج ينفذان تقنيات النص وتعاليم المؤلف حرفيا ًكما هو على الورق وليس بصريا ً كما في بصريات فضاء العرض والرؤيا البصرية للفنان المبدع في فضاء البعد الرابع . يعتمد التفكيك النقدي وتأويل النص المسرحي على ما نطلق عليه بآليات النقد البصري وهذا يرشدنا إلى أن ننظر لمجموع الصراعات سواء بين الشخصيات التي تمثل نماذجاً متصارعة أو أحداثاً تتصادم مع بعضها ، إلى الغور في أعماق النص والكشف عن أسس مفهومنا حول البعد الرابع للفضاء الإبداعي الذي يعتبر التحليل البصري للنص أحد اسسه الرئيسية. . |
المشـاهدات 34 تاريخ الإضافـة 06/01/2025 رقم المحتوى 57858 |
الشرق الاوسط الجديد.. مشروع اسرائيلي امريكي |
قصائد معطرة بلفيف الشجون نموذجا ديوان " وشاح من خجل " للشاعرة اللبنانية " ليلى بيز المشغرية " |
اسهامات الدكتور محمود الكروي في كتابة التأريخ السياسي المغاربي |
التقاط الجزئي وخلق العوالم الجمالية الجاذبة في( أراني اعصر حبرا) |
القدرة على التقاط وتسجيل الاحداث الواقعية والغرائبية في(تمثال الملك الباكي) |