الأربعاء 2025/1/8 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 11.95 مئويـة
نيوز بار
القدرة على التقاط وتسجيل الاحداث الواقعية والغرائبية في(تمثال الملك الباكي)
القدرة على التقاط وتسجيل الاحداث الواقعية والغرائبية في(تمثال الملك الباكي)
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 علوان السلمان

القصة القصيرة هي  نتاج منتج واع يمتلك القدرة على التقاط وتسجيل الاحداث ونسجها بلغة ايحائية مع تكثيف المعاني  وايصالها  لمتلقيه لتحقيق المتعة الجمالية والمنفعة الفكرية..

  وباستحضار المجموعة القصصي(تمثال الملك الباكي) التي نسجت عوالمها النصية انامل القاص عبدالامير المجر.. واسهمت دار الشؤون الثقافية في نشرها وانتشارها/2024..كونها تنزع الى تصوير الحياة تصويرا يعتمد الحكائية باستعراض الذاكرة للاحداث والامكنة التي لاتنتهي الا بعنصر الحركة  الذي شكل احد معطيات المستوى الحسي للغة المنتج.. فضلا عن تناولها الواقع والتاكيد على الاوضاع الاجتماعيّة  والاقتصادية والفكريّة  السلبية التي يعيشها الشخوص والاثار التي تركتها المرحلة عليهم .. باعتماد المنتج(السارد)على تقنيات فنية واسلوبية كالاسترجاع والاستباق والتذكر والتذكير  بأمكنة منسية كشف عنها السارد والتنقيط والاستفهام.. ابتداء من العنوان..الكتلة النصية الموازية..الدالة على ارتباط المتخيل بالواقع والمتن بالمكان المحددة ملامحه في النص..الذي فرش روحه على الوجه الاول للغلاف وهو يعتلي لوحة بصرية تكشف عن بيدقين ملكيين رامزين هاربين من الحياة..والذي تتعالق دلالته السيميائية المختزلة لحركة النص والمفتاح الاجرائي له وقد توسد اسم المنتج لتأكيد عائديته وجنس المنتج...فضلا عن انه شكل نصا يشير الى دلالات تجمع ما بين الموضوع والمكان الملفوظ الذي يشكل احد العناصر الفاعلة في تشكيل النص..                            

(عم المكان صمت قصير, قبل ان تظهر المرأة وتقف امامي ,تماما, كانت تحتفظ بشيء من شكلها القديم لكنها بدت مشوهة, فشعرها منكوش وملامح وجهها حادة ومخيفة..اقتربت مني ومدّت يدها لي بكتاب لم اتبين عنوانه..وقالت: اقرأ هذا الكتاب وستعرف الكثير الذي لم تتعلمه بعد.. ومن دون ارادة مني وجدت نفسي اجلس قرب الرجل ذي اللحية الثلجية الطويلة.. كان ايضا غير عابىء بوجودي, ولكن فضولي دفعني لمعرفة عنوان الكتاب الذي بين يديه, حيث كان يرفعه بين الحين والآخر ليتثاءب او يحك ظهره..فأدهشني العنوان..(كتاب الخراب)..رفعت راسي فوجدت المرأة تقف امامي, وبلهجة حادة قالت:اقرأ الكتاب الذي جلبته لك..التفت الى الرجل العجوز وقلت:هل كنت تقرأ كل تلك السنين بـ (كتاب الخراب)؟..التفت ناحيتي فصفعني شكله الذي كان يتبدل كل لحظة.. كان ابي في أواخر عمره ثم معلمي الذي وجدته يبيع كتبا في بسطة صغيرة على الرصيف,ثم توالت عليّ وجوه كثيرة عرفتها في رحلة عمري..زملاء الدراسة والجيش واماكن العمل واقرباء واصدقاء..كانت تمر علي مشوهة من فرط التعب او الجوع والامراض او الخوف..وحين حنى الرجل راسه اختفى تماما ولم اعد ارى شيئا في المكان , والمرأة هي ايضا لم تعد موجودة, ولم يبق في المكان سوى(كتاب الخراب) تركه الرجل العجوز قبل اختفائه..) ص 7ـ ص8..              

فحركة الواقع في البناء النصي شكلت الحافز الاساس والجوهري في تطور البنية الجمالية.. فضلا عن امتلاك المنتج(السارد) القدرة على التكثيف وخلط الخيال بجسد الواقع.. لذا فهو يمازج بين النسقين: الواقعي والتخيلي..اما انموذجها الشخصاني فينبثق من واقع التشظي والهم اليومي..                                                     

فالمنتج(السارد)يحاول استنطاق  اللحظات الشعورية عبر نسق لغوي قادر على توليد المعاني من اجل توسيع الفضاء الدلالي للجملة السردية.. مع اعتماد الرمز النصي المكثف..الموجز .. الذي هو (اداة فكرية للتعبير عن قيم غامضة..لغرض تصعيد التكنيك السردي)..اذ فيه ترتفع التجربة السردية الى حالة من الشمول.. فيخلق نصا مستفزا لذاكرة المستهلك(المتلقي) برؤية باصرة لوعي الفكرة وتحقيق اضاءتها..باعتماد اللفظة المركزة..المكتنزة بالايحاء والمتميزة بالانسيابية والتدفق.. فضلا عن انه  يحاول ان يشكل حالة من التوازن لذاته المأزومة والذات الجمعي الآخر من خلال تركيز الجملة داخل عوالم البناء المتدفق شعوريا بوحدة موضوعية وفكرية مركزية يحلق ويحوم حولها المعنى..                               

 (فالمكتبة مكان يشكل بؤرة  معرفية مضافة  والمسؤولة عنها بؤرة رامزة للتنوير الفكري الذي تتجمع حوله اشعاعات الوجود والكتاب رمز المعرفة والتنوير عبر المحطات التاريخية متمثلة بالرجل الأشيب والصبي اللذان تعكس صورتهما حركة الزمن..)..أما(كتاب الخراب) فدلالته الرامزة لخراب المعرفة التي تشكل نبض البنى التحتية للبلد..(حين اكملت دراستي وتقدم بي العمر,ابتعدت عن مدينتي الصغيرة سنينا طويلة, وحيت عدت لم أجد المكتبة التي تحولت الى مكان مهجور بعد ان احترقت اثناء احدى الحروب..)ص6..                                                       

 فالنص يتخذ من تقنية الانزياح الحاد في البناء النفسي للاحداث مما يجعل من آلية السرد عملية مركبة..صادمة ومشوقة باعتماد المنتج على الذاكرة التي تغني انسياب حركة الزمن عبر دينامية التفاعل.. ص34 ص35

(لم نعرف بالضبط ان كان هناك سبب شخصي وراء دعوة الملك شعبه للبكاء او غير ذلك.. لكن الذي رواه احد المؤرخين ممن كتبوا عن تلك الواقعة الغريبة,  دعا شعبه للاحتفال بيوم العرش, وحين رأى الجموع شبه عراة واغلبهم بعظام ناتئة بفعل الجوع, بكى بحرقة.. وان حكاية دعوته الناس للبكاء دونت لاحقا من قبل اولاده الذين توارثوا العرش.. وكان علينا ان ندون كل ما عرفناه من معلومات من مختلف الشرائح التي تأتي لزيارة هذا التمثال والقصص التي نسجت عنه..اما اغرب ما سمعناه من بعض الزوار قولهم : ان (حكاية الملك الباكي) نسجنها مخيلة اديب في عصر ما. واستثمرها نحات غير معروف ليصنع تمثالا لملك بالصورة التي هي عليه فوق التل, وان بقايا المدينة التي يحكي عنها لا علاقة لها بالملك الاسطورة ..)ص34ـ ص35..

  فالنص يقوم على الغرائبية والادهاش  والذاتية والموضوعية وما بينهما    تسبح المحطات والمواقف التاريخية التي يوثقها الكاتب كشاهد عيان برؤى وافكار مستوحاة من واقع مأزوم فيه يتعالق النفسي الواقعي والمكان  بشقيه(المغلق والمفتوح) الذي يتصف(بشبكة من العلاقات والرؤيات ووجهات النظر التي تتضامن مع بعضها لتشكيل الفضاء السردي الذي لا يتحقق الا من خلال حركة الشخوص فيه وتفاعلها معه..)..والزمان المؤثر الفاعل في دلالات السرد الذي يوظف تقانات تبرز تعدد الازمنة منها:الحوار الذاتي(الداخلي) وتقنية الاسترجاع والتضمين الكاشف عن الانتماء البيئي..اضافة الى الوصف والمشهد واحداث وشخصيات واقعية بعيدة عن التسجيلية وقريبة من الواقعية السحرية التي تسمو بشخوصها التي تعانق الذاكرة والوجدان بانفعالها واقتناصها الاحداث وتبلورها وتحويرها الى كينونة لغوية تحيلها من الواقعي الى الجمالي في اطار بنية سردية سيرية تقوم على (الزمان والمكان والشخصية والحدث واللغة المتفاعلة مع عوالمه)..( صرخ ابي ينادي اهالي القرية, لكي ينقذونا من هجوم القراد, لكن صوته راح يضيع بين اصوات الرجال والنساء والاطفال المستغيثين من حولنا..لقد غطى اقراد القرية كلها ولم يعد احد قادرا على القضاء عليه..لقد فتك  بأبقار القرية وراح يفتك بأبنائها..ولم تعد هناك ابقار تذهب الى المراح ولا قرية ولم يعد هناك بشر يمشي فيها.. لقد تلاشى كل شيء.. وليس في الافق سوى ارتال القراد  التي اخذت تزحف بأعداد رهيبة باتجاه القرى الاخرى..)  ص62..

 

فالنص يتميز بتعالق الزمن الواقعي مع الزمن السردي بمبنى يكشف عما هو مضمر في الواقع عبر تداعيات الشخصية فكان نصا رؤيويا وتسجيليا لواقعية الاحداث وهواجس الانسان فشكل تجربة ذاتية تتشابك في بنائها عدة تقنيات فنية كشفت عن مرحلة تاريخية عبر اليوميات المكتظة بالفواجع والانكسارات النفسية بمهارة اسلوبية ولغة يومية بعيدة عن التقعر..

 

وبذلك قدم المنتج(السارد) نصوصا نسجت مشاهدها بلغة يومية قريبة من العدسة السيمية من جهة.. ومن جهة اخرى  بواقعية حققت (الوعي الاجتماعي بتأثير الواقع الاجتماعي السلبي)..

 

اشارات لابد منها

ـ السرد يتضمن بين طياته حوارات فلسفية واسطورية (وما ان جلست قربه ونظر في وجهي, قال:امامك جولتان..هززت رأسي بالموافقة,واردف هو؛ تحدثني بعد عودتك من كل جولة عما رايت دون زيادة او نقصان. .حيث مرر يده على رأسي وانا جالس,ثم قال: انهض..نهضت ووجدت نفسي بطول عشرة أمتار تقريبا..واشار لي ان اخرج لأتجول بين الناس واعود اليه بصيدي من تجوالي..) ص26

ـ قصة(كتاب الخراب) نص يكشف عن المراحل التاريخية التي عانى منها العراق من خلال الاحتلالات..

ـ قصة " في حضرة الرجل الحكيم" عالم فنتازي ـ غرائبي  يطغي على النص ..

 ـ قصة" تمثال الملك الباكي" وهي من القصص الرمزية المثيرة للجدل..

ـ قصة "الجبل الأدهم" ينقلنا السارد فيها الى عالم اسطوري مليء بالغرائبية ،

ـ قصة "متعة العيش بين الفائزين" فأنها تنتمي الى القص الواقعي..

ـ قصة "تشوّه غير ولادي" تعتمد السرد الذاتي الفنتازي(ما صار يقلقني اكثر ويلفت انتباه الآخرين لي, هو ان بطني صار يتقلص بشكل تدريجي ولم اعد اعرف كيف اخفي هذا التقلص الذي جعلها تلتصق على ظهري وتغدو كما لو انها قطعة كرتون يهفهف فوقها القميص..بينما راسي يثقل اكثر ولم تعد رقبتي قادرة على حمله...)ص10..

المشـاهدات 23   تاريخ الإضافـة 07/01/2025   رقم المحتوى 57892
أضف تقييـم