ناهض خياط لا يتوكأ على عصا المعيارية |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص :
ناصر أبوعون حينما ندخل إلى عوالم النص الشعري لابد لنا من التجرّد من المسلمات والرؤى القبْلية، والطبقات الرسوبية الفكرية التي تكونت من قراءات سابقة اختلقتها هِزَّات الإعجاب، واصطنعتها تجليات (الميديا) عن شاعرنا العراقيّ ناهض خياط الذي لم يُعرف عنه يوما أنه كان طلَّابَ شُهرةٍ، أوشوَّاقَ بقعة ضوءٍ، ومن ثّمَّ رأينا ضرورة الانطلاق في قراءة لغته الشعرية من افتراضات أهمّها عدم التسليم بلا نَصِّيِّة الخِطاب اللغوي ولا أدبيته، وبذلك المدخل تولَّد لديّ هَمٌّ أوليّ هو محاولة اكتشاف أو الإجابة على سؤال نقديّ جوهريّ يؤرق ويقضّ مضاجع الشعراء، والنُّقاد العرب على السواء، وفحواه: "كيف يشتغل المعنى في الخِطابين اللغوي والشعري، وكيف نُعالج مظاهره التواصلية؟" على نحو ما نقرأ له في مجموعته: (أظل مبتسما ًإليك) قوله: [ولي ردائي الذي حاكتْ أواصرَهُ/يد الفراتين بين الماءِ والشجرِ/تلمّسَ النورُ فينا حرفَ قافيةٍ/لصفحةٍ من نقاءِ الطين والحجرِ/وألهمتنا الرؤى أفقاً بمْا رسمتْ/به الحياةُ لنا من رائعِ الفكَرِ/فظلَّ فينا ربيعاً خاِلداً وشذاً/مِن عشبةِ الرملِ حتى نفحةِ الزهَرِ]. من الملفت للنظر أو بالمقاربة الإحصائية لاحظنا اتكاء الشاعر ناهض خياط على (الجملة الفعلية) في بناء معمار قصائده، لقناعته البلاغية بقدرتها على (التجدُّد والمزاولة)، ولإيمانه بحركية علامة النصب وأدوات النصب ومفاعيله، ودلالتها على (الفعلية) النشطة التي تبثُّ الحياة في الألفاظ بعد انتقالها المكوكيّ من خارج النص في وضعها (القاموسيّ) إلى داخل النص في نطاقه (السياقيّ)، وتشظِّيها على مسار القصيدة، ناثرة روح الحياة فيها خلافا للجملة الاسمية، وحالة الرفع الصامتة التي تلازمها، وذلك لأن العمود الفقري للجملة الاسمية هو الرفع الدال على الثبات، والذي ناسب القيم الثابتة، والأحكام الشرعيّة الراسخة في النصوص المقدسة، خلافا للشعر الذي يتأبّى على القداسة؛ لأنه بشريّ الحواس والأفكار. هذا فضلا عن قيام الشاعر في كل قصيدة بامتطاء صهوة الانزياح، ليس سعيا وراء إثارة القارئ، أو إيقاعه في جُبّ المفاجأة؛ بل إنه يروم اختلاق دهشة خاصة به تهزّ نخلة الشعر المتجذّرة في أعماق روحه. كما في قصيدته (الخروج عن النص) التي يقول فيها:[أهشُ حروفي بزفيرِ الهروب/تَستديرُ بدهشةِ /عن استقامة السطور/ كهروبِ الشمس عند الغروب/ أطردُ سَردَي خارج حدود النص!/ أكتمُ صوتَ لهفتي/ بين فواصل الكلمات/ وأتركُ الهمهمات/ تغفو على وسادة قلبي/ أطرقُ الفكرةَ بوابلِ الشرود/ ثمةَ شيءٍ يثورُ بداخلي/ تَشمئزُني الرتابة /والشعرُ عند الكتابة/ والصورُ والمجازات/ وغرائب المفردات/ ياللغرابة!/ حين يموت الشعرُ/ عارياً بغير كفن/ بغير وطن/ بغير صوتٍ يفجرُ الصَمت/ يدحرُ عبودية السرد/ أفكارنا للأسف!/ كالنرد..] إذنْ ناهض خياط يسلك في بناء قصائده منحى واحدا بسيطا لا مركبا ولا معقدّا، ولا غرائبيا لا ينزاح عنه، وذلك تحت إلحاح رغبة محمومة تؤرقة تسعى لإنصاف النصّ، وإن دفع النَّاصّ الغالي وبذل النفيس، وحتى لو اقتصّ من الناص من ذاته الشقية الباحثةعن الكمال والمتلبسة بشخصية (جلجامش) تارةً، والمثلومة بأوجاع (انكيدو) تارةً أخرى، من حيث هو تجربة إنسانية صادقة، تحدس بما يمور في نفس الشاعر وواقعه، لا مِن حيث هو معادلة لغوية أو عروضية أو بلاغية.. على مثال هذا المقطع الشعريّ الذي يقول فيه:[ولي حلمي.. في منامي وصحوتي!/فلا ينكمش خيالي بأوهامهِ/في انزياحاتِ دلالاتهِ المضلِلةْ/حيث تمضي قصيدتي/لأعماقها الغارقةْ!/ثم تطفو جسداً ممزَقاً بعدَ حينْ/ليدفعها الموجُ طارداً/والنوارسُ زاعقةً بتوديعها/للطوافِ الأخير!]. وفي الأخير يمكننا القول بأن ناهض خياط لا يتوكأ على (عصا المعيارية)، ليقيس نسبة الإبداع في نصوصه، ولا يحاول اجتذاب قوالب معيارية من خارج دائرة النصّ ليعاير بها منسوب التجديد الذي سرى في دماء القصيدة، أو مستوى شاعريته في كل ما تخطّه يراعته؛ لكنه - وأعتقد ذلك جازمًا- أنّه عبر خبرته التراكمية اكتشف أنّ لكل نصّ معياره الذي ينبع من التفاعلات الكيميائية بين عناصر القصيدة:(الروح والذات والإحساس والطقس الاجتماعيّ والخلفية الحضارية، وانبعاثاتها الثقافية)، وبين الذات الشاعرة، ولغتها الخاصة التي تصنعها على عينِها، وتخاصم التقليد والقولبة والتنميط، وتنفي المحاكاة للآخر المُعايش والسابق واللاحق من الأجيال الشعرية عراقيا وعربيا في الداخل والمهجر. |
المشـاهدات 52 تاريخ الإضافـة 11/01/2025 رقم المحتوى 57993 |
عيون المدينة لا تلوح عودة الكهرباء بالأفق حتى الآن |
شلاما وفاء للفطرة والجمال |
تمثلات النقد الثقافي في الروائية الكركوكية النّسوية ,قراءة في نسق الهيمنة في رواية ( ابتسامة في دوامة الالم) للروائية مها عبد اللطيف علي |
العشيرة والقانون علاقة عكسية |
صحة واسط تسجل ولادة اول توأم ثلاثي في العام الجديد |