صبيحة قصة |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص :
علي حداد إيه يا عباس.. لو تدري كم أحببتك لكنك لم تكن تقبل أبدا .. ان تغادر حمارك ................ صبيحة احببتك يا صبيحة حبا لم تحلم به اية واحدة من بنات حواء لكن حبك اتعبني ..وكان سيتعب اي حمار حساوي !!! الى زرياب .. واسحاق الموصلي ...ورشيد القندرجي ..ومحمد القبانجي.. كان البيت الذي ورثناه عن جدي كبير جدا لكنه لم يكن يسعنا ، فالحزن كان اكبر من قلوبنا الصغيرة والهم أثقل على أرواحنا حتى راحت الارض على متسعها لا تكفينا ولا تشبعنا ،فأخي الكبير صباح يعاقر الخمرة ويأكل المزات ثم يتعشى وفي النهاية يتقيأ كل شىْ ..كل ماتناوله يمكنك ان تغسله وتعيده اليه مرة اخرى ف ، اللبلبي يتقيؤه بكراته المدورة ، الغير مثلومة والباقلاء كاملة بقشورها وكذلك قطع اللحم فهو يتقيؤها صحيحة ما عليك الا ان تعرضها الى نار هادئة وتقدمها اليه في اليوم التالي.. وهو يسب ويلعن اشخاص وهميون على إعتبار انهم إعتدوا على شرفه .. كنت انا صبيحة على خمسة ذكور .. فتطمأنه امي ويطمأنه أبي على أن شرفنا مصان.. حينذاك يلتفت إلي ويسألني بحدة :- - صبيحة هل شرفك مصان ؟؟ كنت انظر اليه طويلا وأهز راسي وأعود بعيني الى هذا الاب الذي مازال يتحرش بكل النساء اللواتي كن يقدمن الى البيت من اجل الحفافة نعم فأمي كانوا ينادونها بأم صباح الحفافة ، المسكينة كانت تعمل من الصباح الباكر وحتى المساء لتؤكل خمسة من الرجال وزوجاتهم وأولادهم وبناتهم ، فكل إخوتي كانوا متزوجين ولكل واحد منهم أولاد وبنات .. حتى بت لا أعرفهم ، كانوا مثل دود يدبون في حوش الدار.. يتراكضون ويتصارعون ويبكون ويضحكون و يصرخون ..وكذلك يفعلن زوجات إخوتي فحين يتعارك الصغار يبدأ بينهن الشد من الرؤوس وتمزيق الملابس وتنكشف الاسرار< ها هل جربتي ابو صبحي بو العمبة > والاخرى ترد بلا حياء < الكل يعلم بجيقو أبو البريمزات > .. كنا نأكل بصينية واحدة وكنت اراهم كيف يتقاتلون على الدجاجة وعلى صحن الرز وعلى المرق حتى قالوها < انهم لا يشبعون لافي الصباح ولا في الغداء ولا في العشاء> واحداهن تعلق وهي تلوك اللبان في فمها < اولادي لا يشبعون > واحداهن تقول بناتي أصبن بأبي صفار.. وثارت ثائرتهن حتى تحقق لهن ما أردن .. ولكن كان ثمة مطبخ واحد فرحن يتحججن وتتهم احداهن الاخرى ، مرة بحجة سرقة الباذنجان واخرى بحجة ان إحداهن أضافت الملح على الفاصوليا و .. هكذا الى ان إنعزلن ورحن يطبخن في غرفهن و .. وكان كل من إخوتي ينام مع أطفاله في غرفته ولا مجال لممارسة الحياة السرية إلا في الحمام حين ينادي أحدهم على زوجته < تعالي ليفيلي ظهري > وكان كل يوم يشهد عراك فيما بينهم على الحمام والطابور طويل على دورة المياه ، كانت هذه محنة أخرى فصباح كان يحتل دورة المياه ساعة كاملة لأنه كان يعاني من بواسيره .. حتى بات الجميع يتندر عليه بأن كتبوا < إسرع يا بابا فنحن بانتظارك> وثمة مشكلة طفت على السطح فقد تمادى أبي بتحرشه ب ..بكل النساء اللائي كن يأتين من اجل الحفافة وذات مساء قالت إحداهن لأمي وهي تتضاحك :- - أم صباح أن لأبي صباح أصابع طويلة ..ووقحة !! لذا فقد أمتنعن عن المجيء الى بيت جدي .. جدي الذي لم يكن يفهم من الحياة < حين كان على قيد الحياة> غير فلسطين، فذات صباح شتوي سألني < صبيحة هل جاء ياسر عرفات الى بغداد ؟> وهكذا أضطرت أمي الى الذهاب الى بيوتهن وقد سمعتها تؤنب أبي بصوت غاضب <قطع الاعناق ولا قطع الارزاق يا ظالم النفس..> وكانت ثلاجة البيت الوحيدة تمتلىء بقناني البيرة ، فأبي وإخوتي كلهم يتجرعون البيرة البارده في الصيف وتبدأ المشادة فهذ يقول انك سرقت زجاجتي وآخر يتهمهم بأنهم سرقوا منه مصة .. هذا فيلم الظهيرة أما فيلم السهرة فالمشكلة تتحول الى سرقة البيكات من العرق الزحلاوي والمستكي والجن الاردني .. حينذاك لم تعد الارض تسعني وانا ارى امي المسكينة وهي تكفل لهم اكلهم وشربهم وتفض نزاعاتهم ايضا ، كانت تطلق عليهم < هؤلاء البعورة > فراحت تعمل < خطابة> وهي التي زوجت والد عباس من غنية .. المراهقة التي إستنزفت قواه حتى مات فراح عباس يتهم والدتي بقتله .. عباس رأسه مليء بالخرافات والاحلام والاماني .. عباس لم يكن يعيش على الارض أبدا كان معلق في السماء مثل نجمة وانا كنت ملتصقة بالارض مثل جبل .. مثل قبر ملتصق ببغداد وربما إعتبرني في يوم من الايام بأني زحل أو عطارد او كوكب يترنح تتنازع عليه وحوش كاسرة .. وحوش من الارض واخرى من السماء.. انا أحببت عباس مثل حبي لبغداد لكنه كان يفكر بطريقة عجيبة .. انه يتعجب لأن أحدهم سرق ..ويصعق لأن فلان قتل علان ويفتح فاه لأن أحدهم أغتصب امرأة ....ويبقى حزين لا يقبل ان يفارق غرفته ..كان يعيش في زمن غير زمانه وانا كنت اعيش زمني الذي رفض ان يصدقه وكان يعتبرني كاذبة ومشوشة لهذا كنت أبتعد عنه ولبراءته وطيبته كنت احبه كرمز للنقاء والعفة والشرف واحببت اسطواناته القديمة لأغاني الموصلي والقبنجي والغزالي ويوسف عمر وأم كلثوم .. لكنه كان يحتاج ان يعيش زمني ومحنتي ويعيش تساؤلي وكنت دائما ، أتساءل هل من المعقول ان يكون عباس من اهل الارض نعم عاد عباس غريبا لكنه مازال حبيبا لايقدر ان يخرج من جلده القديم ويمضي بنا العمر ويأتي زمن القتل والنهب والسرقة والغدر والتفرقة والأنحراف والدين الذي لا يقوله الله.. وعباس مازال يستمع الى اغانيه وحين يرى كسرة خبز في الشارع يقبلها ويضعها على جبينه ويركنها بعيدا عن ارجل المارة .. عرفت أخيرا انه لا يمكن لواحد مثل عباس ان يتفق مع هكذا زمن رديء ويعيش مثل الاخرين ، ينام ويستيقظ ويمضي في الطابور إنه بالتأكيد سيموت قبل أوانه وحين يموت حبيبي لا يستطيع ولا كل هذا الكون ان يسعدني .. وحين يموت عباس اكون قد اصبحت بلا بغداد.. بلا نهرين.. وهكذا شعرت مثل كل المواطنين الذين يفقدون في كل يوم عزيزا وحبيبا انهم يشعرون ان اوطانهم تغدر بهم ..تطعنهم من الخلف لتمسي حياتهم بلا معنى تائهين في جدب المدينة .. المدينة التي تتلوى من الضيم والالم والخراب ، وتستصرخ ان ينقذها الله من جحيم عمائم الارض ..وحين تعود اليّ بغداد.. يعود عباس الى احضاني....اكون قد عدت الى ادميتي ...الى عراقيتي المشرقة ابدا |
المشـاهدات 63 تاريخ الإضافـة 18/01/2025 رقم المحتوى 58163 |