الأربعاء 2025/1/22 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 12.95 مئويـة
نيوز بار
الإشاعة والمجتمع في الشعر العربي
الإشاعة والمجتمع في الشعر العربي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

سامي ندا جاسم الدوري

الإشاعة في اللغة: هي : خبرٌ مكذوبٌ غير موثوق فيه وغير مؤكَّد، ينتشر بين النَّاس . أو خَبَرٌ لاَ أَسَاسَ لَهُ مِنَ الصِّحَّةِ ذَائِعٌ بَيْنَ النَّاسِ. والإِشاعَةُ: كلّ خبرٍ ينتشر بين الناس غير مثبَتٍ منه. ويطلق الشِّيَاعُ على ما تُشَبُّ به النار من الوقود الخفيف .

وفي الاصطلاح: الإشاعة: تعني الخبر المشاع والمنتشر بين الناس، ويحتمل الصدق أو الكذب أو بتعبير آخر هي نشر الأخبار التي ينبغي سترها . وهي نوع من النبأ الهادف الذي يكون مصدره مَجْهُولاً، وهي سريعة الانتشار، ذات طابع استفزازيّ أو هادئ حسب طبيعة ذلك النبأ. وتكثر الشائعات في أوقات ومناسبات متعددة أهمها: في أوقات الفراغ.فعندما لا يجد بعض الناس ما يشتغل به يشغل نفسه بتلقي الأخبار ونشرها دون تثبت منها. وتنتشر عند الأحداث المستجدة . وعند المحن والشدائد . في مثل هذه الأوقات تضعف نفوس كثيرة وتهتز . وتنتشر عند الهزائم والتراجع في المواقف . وهنا يحاول الناس التعرف على أسباب الهزيمة فتكثر الأقاويل وتتلقف الآذان كل ما يقال ويذاع كثير مما يسمع وبدون تأكد ولا تثبت . وكذلك عند النصر أو الشهرة لفكرة ما أو لشخص ما. وهنا تنطلق الألسن بالثناء والمديح الذي كثيراً ما يتجاوز حده وكثيراً ما ينسب للظافر من الخير ما لا يفعله بل وما لا يؤمن به أحياناً . وكذلك في أجواء الخلاف. وفي مثل هذه الأجواء ينشط أهل الأهواء لتمييع المواقف واستغلال الخلاف لتوسيع الشقة بين الأطراف المختلفة كما يحاول كل طرف في الخلاف أن يتلقف خبراً يؤيد به موقفه ويضعف به موقف الآخرين. وتتقبل النفوس في مثل هذه الأجواء كثيراً من الأخبار والشائعات دون أدنى تثبت. وتنشط الشائعات في أجواء الظلم والاستبداد. وهنا يحاول الناس أن ينفسوا عن ضيقهم وكبتهم فتوجد الشائعات وتنتشر . وتكثر الشائعة في أجواء ضعف القيادات والإدارات. عندما تكون القيادة المشرفة على عمل ما ضعيفة تتسيب الأمور وتتشتت الآراء وتكثر الأقاويل ويشعر كل أحدٍ أو أكثر الناس أن من حقهم أن يقولوا بل ومن الواجب أن يسمع لهم فيكثر اللغط وتزداد الشائعات في صفوف الناس ويصعب السيطرة عليها ما لم يتغير الحال وتوجد القيادة الحكيمة القوية. وكذلك تكثر الشائعات في المجتمعات البدائية المتخلفة. ومثل هذه المجتمعات تصدق كل ما يقال وتذيعه كخبر جديد لم تسمع به من قبل . قال الشاعر /

أخي لا تصوّبْ ظنونك نحوي

تريّثْ صديقي الثّبات الثّباتْ

وخلّ المسافة حبّا وصدقا

وخلّ الحياة بطعم الحياة

ولا خير فينا اذا ما استمعنا

لصاحبِ إفكٍ زعيمِ الوشاة

وهاقد أذاعوا أكاذيبهم

حبيبي حذاري من الشائعات

أخي لا تعجّل بتصديقهم

أخي وحبيبي الأناةَ الأناةْ

والقرآن الكريم واجه الشائعات بكتمانها والتزام الصمت أمامها بدلا من تناقلها ، لأن الكتمان لها يميتها ، ويدل على الاستخفاف بشأنها قال تعالى: ( وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) .

وجاء الوعيد الشديد في السنة النبوية في حق الكذب عموما، وفي حق الإشاعات على وجه الخصوص؛ لما تتضمنه من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الذين يستمعون إلى الشائعات ثم يرددونها ويحدثون بها فهم أولى الناس بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ) . وحذر الإسلام من نشر الشائعات وأنها من شأن المنافقين وضعاف النفوس، وداخلٌ في نطاق الكذب، وهو محرَّم شرعًا. ويساهم في سرعة انتشار الشائعة سببان رئيسيان:هو أهمية الموضوع؛ فكلّما كان الموضوع ذا أهمية كثرت الشائعات حوله. وكذلك قلة انتشار المعلومات الصحيحة عن هذا الموضوع .

نعم ان الشائعات الكاذبة من أخطر الرذائل التي متى فشت في أمّة من الأمم‏، اضطربت أحوالها‏

وضعفت الثقة بين أبنائها‏، وانتشر فيهم سوء الظنّ المبنيّ على الأوهام لا على الحقائق. وإنّ أكثر الناس عُرضةً للشائعات الكاذبة‏، هم الرسل الكرام‏، والمصلحون المخلصون‏، والأتقياء الأصفياء الأخيار‏ وهذا ثابت منذ فجر الإنسانية‏ وإلى الان . نعم لقد ابتليت المجتمعات البشرية وعانت الكثير من المصائب والنكبات الرهبية، بسبب بروز ظاهرة اختلاق الإشاعة ونشرها بين الأفراد حيث كانت تؤثّر تأثيراً سلبياً كبيراً على معنويات أفراد المجتمع، وتضعف فيهم الروح الاجتماعية وروح التفاهم والتعاون بين أبناء المجتمع الواحد. وتبدأ الإشاعة بأن يختلق منافقٌ كذبةً، ثمّ ينشرها بين أفراد مغرضين أو بسطاء، ليقوموا بدورهم بالترويج لها بين أبناء المجتمع دون التحقيق فيها. ومن أهمّ الأمور التي تؤدّي إلى تحقّق الإشاعة: وجود قضية تدور حولها الإشاعة. وصياغة الإشاعة بطريقة متقنة، حتّى يؤدي ذلك إلى اعتقادها. ووجود الوسط المساعد لنقل الإشاعة. والتركيز على هدف معيّن دون التشعب إلى جزئيات متعددة. واختيار الزمن المناسب لنشر الإشاعة. وكذلك اختيار المكان المناسب لبثّها. وعدم توثيق مصدرها.ووجود هدف معيّن من صياغة الإشاعة. مع اختيار الأسلوب الهادف لصياغتها ونشرها على حسب الموضوع، فإذا كان الموضوع يحتاج إلى عبارات هادئة ليّنة، اختيرت الألفاظ الملائمة التي تتّسم بالسكينة، وإن كان الموضوع يحتاج إلى الاستفزاز والثورة، اختيرت الأساليب المناسبة التي تنضح بالقوة والاشمئزاز. والاهم هو جهل المجتمع الذي تنتشر فيه الإشاعة.وكذلك انعدام المعلومات والمفاهيم عن الموضوع المُشَاعِ. فإذا وُجِدَتْ هذه الأمور، فإنّ خطر الشائعة سيسري بين الأفراد والجماعات في جميع المجتمعات الإنسانية، وعلى مختلف الأزمنة، ومختلف الأمكنة . ولا شك أن الإشاعات لها أثر كبير سواءً على المجتمع أو الأفراد، وتنتشر بين أوساط بعض المجتمعات انتشار النار في الهشيم، خاصةً بين العامة أو صغار السن من الشباب والمراهقين والوسط النسائي، وقد يكون لها أثار آنية أو مستقبلية في زعزعة استقرار المجتمع، أو نشوء بعض الخلافات والمشاكل التي تتفاوت مستوياتها ونتائجها بين صغيرة وكبيرة، ومثال ذلك بعض الإشاعات التي تنتشر في الحروب بين الدول لتضليل الرأي العام أو من باب الخداع للجيوش أو تنشر لهدف زعزعة استقرار أي بلد أو أي مجتمع لهدف النيل منه أو زعزعة استقراره وزرع الخلافات بين أهله وتقويض أمنه، وفي الغالب يقف في وجه هذه الإشاعات ومن وراءها أهل الحكمة والمعرفة والرجال المعروفين برجاحة العقل وأهل الحل والعقد في كل مجتمع لتبصير الناس حول هذه الإشاعات وتفنيد مثل هذه الدسائس والمكر وتوعية المجتمع بكيفية التعامل معها ونبذ آثارها ومخاطرها على عامة الناس . قال الشاعر /

لِسانُ المَـرْءِ شهـدٌ تشتهيـه

وإمّـا حنظـلٌ لا حُلْـوَ فيـهِ

وَمَنْ مَلَكَ اللسانَ فـذاك

غُنْـمٌ وليـس الغنـمُ مـالاً تَقْتَنيـهِ

غزا داءُ الاشاعـةِ كـلَّ بَيْـتٍ

وَظَنَّ المرءُ حتى فـي أخيـهِ

كتـابُ الله أوْصانـا ولـكـن

فلسنـا عامليـن وسامعـيـهِ

اذا حمل الوشاةُ اليـك سـوءا

تَبَيَّـنْ لا تُصَـدِّقْ حاملـيـهِ

نعم ان حرب الإشاعات من أخطر الحروب المعنوية، ومن أفتك الأسلحة تدميرا، ففيها تدمير للأسر والمجتمعات، وقد اتخذ الإسلام منها موقفا متشددا. قال تعالى: ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) وقال صلى الله عليه وسلم: ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا: «بلى يا رسول الله»، قال: ( إصلاح ذات البين، فإن إفساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين ) . وإفساد ذات البين لا يأتي إلا عن طريق الإشاعات وخلقها وإشاعتها في المجتمع،

فالخُواء الفكري والفراغ النفسي، وإهمال التربية الصحيحة، والانسياق وراء شبهات العقل، وشهوات النفس، واعتياد الناس على اللهو وعدم الجدِّ في الأمور، كل ذلك يؤدي إلى خلل في وعي المجتمع وإدراكه يجعله فريسة للشائعات، ومرتعًا خصبًا لمروِّجي الأكاذيب ودعاة التهويل والتضليل . والهدف من الإشاعة هو إضعاف الروح المعنوية للخصم تمهيدًا لإنهياره ، وبالتالي إجبار هذا الخصم على الاستسلام وتنفيذ الشروط التي تُملَى عليه، وتعريضه لهزيمةٍ، وانكسارٍ، أو لخسارةٍ كبيرة . وهذه الهزيمة هي النتيجة النهائية لجملةٍ من الأهداف تحققها الإشاعة في صفوف الخصم أو العدوّ، ومن هذه الأهداف: تفريق الصفوف، وتوسيع الثغرات، وتبديد الإمكانات ، وكذلك التشكيك في كل عملٍ، أو حركةٍ، يقوم بها الخصم ، وبثّ عوامل الضعف والوهن، وفي طليعة ذلك: زعزعة ثقة الخصم بنفسه، وبعوامل قوّته وتماسكه . إن الانشغال بإشاعة الأخبار السيئة، وتضخيم أخطاء الناس، والحرص على تصيدها ومتابعتها والتفكه بعرضها في المجالس يشيع الاضطراب والقلق في النفوس، ويكون من باب إشاعة الشعور بالإحباط واليأس عند كثير من الناس، ومن باب نشر الفتنة، قال الله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) . والإسلام حارب الإشاعات والأخبار الكاذبة وعالجها من خلال وسائل عديدة منها: حثّ المسلمين على حفظ اللّسان وقلّة الكلام، فقد ذكر النّبي عليه الصّلاة والسّلام فضائل قلّة الكلام قال (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، وقوله: (المسلم من سلم المسلمون لسانه ويده)، فالمسلم مأمورٌ إذن بأن يحفظ لسانه عن الخوض في أعراض النّاس ومنهيّ عن كثرة الكلام ، وفي الأثر (من كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه كانت النّار أولى به). التأكيد على أنّ سلامة الإيمان وحسن الإسلام تكون من خلال الصّمت أو الكلام بالخير، وفي الحديث (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت). حثّ المسلمين على التّثبّت من الأخبار التي يسمعونها وتبيّن حقيقتها وصدقها من كذبها، قال تعالى: (يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، فالتّثبت مطلوبٌ لأنّه يدرأ الفتنة عن المسلمين ويحمي أعراضهم .

 

المشـاهدات 23   تاريخ الإضافـة 21/01/2025   رقم المحتوى 58319
أضف تقييـم